المشهد اليمني الأول/
ثلاث سنوات مرت على أحداث “فتنة” أراد صالح إشعالها، وأراد الله إطفاءها في مهدها على أيدي رجال عاهدوا الله على حفظ امن الوطن والمواطن والحفاظ على المصالح والمكتسبات.
ثلاث سنوات على “الفتنة” ولا يزال هناك الكثير من الحقائق تتكشف يوماً بعد يوم لتُظهر ما بلغه النظام السابق من فساد قيمي، أنهك الأمة وبدد ثرواتها، وعاث في مصالحها الفساد.
كان واضحاً ومع اتساع دائرة الهزائم والانتكاسات التي يتعرض لها العدوان في الجبهات وعلى المستويات العسكرية والسياسية والإعلامية، أن قوى العدوان لجأت إلى تفعيل طابورها الخامس من بقايا عملاء وخونة داخل الوطن ومنه على مركز العاصمة الأبية صنعاء صخرة التاريخ ضد الاستكانة والتسليم بالغزو أو السيطرة.
في هذا الوقت كان التحشيد الإعلامي والعسكري السعودي والإماراتي على أشده في (المقلب) الآخر يروج لما أسماه حينها «انتفاضة صنعاء»، وظلت الشاشات والمواقع المحسوبة على تحالف العدوان تروج لخيانة «صالح» باعتبارها انتفاضة ثورية ، وتبشر بسقوط العاصمة صنعاء.
وما مر إلا وقت قصير من بدء تنفيذ مؤامرة الفتنة حتى أعلنت الأجهزة الأمنية عن إحباطها مخططاً فوضوياً واسعاً كان يستهدف الجبهة الداخلية.
معطيات وإرهاصات
تكشف معطيات وإرهاصات ما قبل “الفتنة” وما قبل إعلان الاتفاق السياسي الذي نتج عنه تشكيل المجلس السياسي الأعلى، تحركات مشبوهة ومريبة لقادة الخيانة، وهي التحركات والمساعي التي عملت بقيادة علي صالح زعيم الخيانة على إفشال مساعي بناء الدولة، وقد ظهر ذلك حتى في التردد عن إعلان موقف صريح وواضح تجاه العدوان والمرتزقة الذين انخرطوا في صفوفه، ممتنعاً عن تحمل أي مسؤولية في الدفاع عن الوطن.
وفي سياق التحرك الشعبي كانت المنظمات واللجان التابعة له تعمل في تجميع الشباب وتدريبهم وتسليحهم وتوزيعهم على الحارات تحت غطاء العمل المجتمعي، فتم تشكيل «اللجنة الشعبية للحوار والتصدي لأعمال العنف والتخريب والإرهاب» وأخرى من اللجان، وبالتوازي التحريض المكثف ضد «أنصار الله» واللجان الشعبية..
وقبيل الدعوة لتحشيد الفتنة في أغسطس تم العمل على:
– التحريض على الجيش واللجان والقوى الثورية ووصفهم بأنهم المتسببون بإطالة العدوان وأنهم فاسدون وبسبب فسادهم انقطعت الرواتب على الموظفين عبر وسائل الإعلام والناشطين الإعلاميين التابعين له.
– إثارة واختلاق المشاكل في بعض مساجد الأمانة وبعض المحافظات أثناء صلاة الجمعة والتحريض ضد الجيش واللجان في المجالس والأسواق والتجمعات.
– تكثيف التشويه المتعمد وإطلاق الشائعات ضد أنصار الله والقوى الوطنية باختلاق قصص وهمية هدفها إثارة الشارع كما حصل بتاريخ 10 أغسطس 2017م بإطلاق شائعة اقتحام مبنى صندوق النظافة وأخذ 50 مليون ريال استحقاق عمال النظافة!
– الاستقطاب من جبهات القتال بدلاً من التحشيد لها، ومحاولات حرف توجه المجتمع عن مواجهة العدوان إلى الحشد لقطع بطائق الانتساب والتجهيز للعملية الانتخابية.
– حشد مجاميع مسلحة وتشكيلهم في مجموعات وإسكانهم في منازل قيادات تابعة لهم.
– تشكيل عناصر تقوم برصد تحركات الأجهزة الأمنية بصنعاء لاستهداف الأمن حتى يسهل تنفيذ المخطط.
– الدعوة إلى حشد جماهيري للاحتفال بذكرى تأسيس المؤتمر الشعبي العام على غير المعتاد وكان المخطط يقضي بتفجير الوضع في صنعاء، إذ كان المقرر أن توجه دعوة في الاحتفال لإسقاط الحكومة والمجلس السياسي الأعلى.
فشل المخطط
في هذا الوقت عملت الأجهزة الأمنية خلال شهر أغسطس على الرصد والمتابعة وتمكنت من الحصول على معلومات وثيقة تكشف فصول المؤامرة ومخططاتها ، بناء عليها نفذت الأجهزة الأمنية عمليات انتشار أمني في أمانة العاصمة والمدن الرئيسية، صاحبه انتشار عسكري وتجهيز لقوات طوارئ.
ومع فشل المخطط في 24 أغسطس قامت مليشيات الخيانة بتحركات أمنية تصعيدية فاعتدت على نقطة أمنية في جولة المصباحي بتاريخ 27 أغسطس واختطفت عنصرين يتبعان أجهزة الأمن، واتجهت نحو استثارة القبائل وخلق فتن واضطرابات داخل المجتمع، كما حدث مع القبائل في همدان حين عمد فريق رئيس فرع المؤتمر الشعبي إلى إثارة الشغب، على خلفية اعتقال أشخاص من قبل الأجهزة الأمنية.
إضافة إلى اختلاق مشكلة في البيضاء بين الجيش وبعض قبائل المحافظة والترويج بمواجهات بين قبائل البيضاء والجيش واللجان الشعبية وغيرها من الأحداث، ثم عمد صالح ومليشياته إلى توسيع العمل العسكري الذي نفذ تحت غطاء الحزب ونشطت حركة الاستقطاب للشباب من جميع الحارات عن طريق العاملين في فروع ودوائر حزب المؤتمر في تلك الحارات وعن طريق العقال أيضاً.
وتم توزيع استمارات تجنيد رسمية لهم تحت غطاء إلحاقهم بالجيش واللجان الشعبية في الجبهات، إلا أن التجنيد كان بهدف الخيانة ، ثم تم فتح مراكز تدريبية جديدة إلى جانب معسكر «الشهيد / الملصي» حيث فتحت مدرسة الحرس في ذمار وعدد من المنازل والمساحات السرية داخل الأمانة.
إشارات السيد ولقاء العاشر من رمضان
تواترت الأحداث تصعيدياً، فيما كان قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يتابع متروياً في اتخاذ أي إجراء، قبل أن يبدأ بتمرير رسائل غير مباشرة ثم مباشرة إلى قيادة المؤامرة، بالتزامن مع الدعوات إلى تحركات عقلانية ترد العمل الخياني أو توقفه عن التنفيذ.
في خطابه بمناسبة جُمُعَة رجب، في إبريل 2017، خصّص قائدُ الثورة جزءاً من خطابه للتنبيه لهذا الوضع، حَيْــثُ رحّب بالتعاطي المسؤول مع أية مشاكلَ داخلية، ونبّه في الوقت ذاته على أن ما كان يحدُثُ آنذاك كان بعيداً كُـلّ البعد عن التعاطي المسؤول، بل وأوضح أنه “أسلوبٌ نِفاقي عدائي يخدُمُ العدوَّ بشكل واضح ومفضوح”، وأنَّها من أساليب “الطابور الخامس الذي يحرّكه الأعداء”.
لم يذكر قائدُ الثورة حينَها المؤتمرَ أو “صالح” بالاسم، لكنه أشار إلى أن من يقومون بهذه الحملات “يستلمون مرتباتٍ من الإمارات ومن السعوديّة”، وخاطب الشعبَ بالتصدي لهذه الحملات “وتنقيةِ الصَّــفِّ الداخلي”، وهو ما كان رسالةَ تحذير واضحةً، تفيدُ بأن كُـلَّ تحَرّكات “صالح” مكشوفةٌ وأنه لن يستطيعَ صبغَها بصبغة وطنية.
تجاهَلَ “صالح” إشاراتِ وتنبيهاتِ قائد الثورة، ومضى في تنفيذ مخطّطاته وحملاته الإعلامية لتشويه (أنصار الله)، بالتوازي مع استمرارِ التواصُلِ مع الإمارات والسعوديّة، وتكشف وثيقة عن رسالة من “صالح” إلى محمد بن زايد، يطمْئِنُه فيها أن “الحرسَ الجمهوري لا يشاركُ في القتال”، وأن “الصواريخ بيد الحوثيين” وأنه “يشاطرُ الإماراتِ الموقفَ من الإخوان”.
قابَلَ قائدُ الثورة التواصلاتِ والترتيباتِ المتزايدةِ بين “صالح” وتحالُفِ العدوان بعقد لقاء “العاشر من رمضان” الشهير، بداية يونيو 2017، الذي جمع وجهاءَ وعلماءَ اليمن، وخصّصه السيد القائد للحديث عن “الجبهة الداخلية”، وقال فيه: إن “قوى العدوان تسعى لأَنْ تجُــرَّ إلى صفها بعضَ المكونات التي آثرت المصالحَ الحزبية على المصالح الكبرى”، مذكراً بأن هذه المكونات تحاولُ توظيفَ المشاكل الداخلية لصالحِ العدوِّ.
وتحدث السيد القائد أَيْـضاً عن بعضِ من “يرتبطون بالعدوّ بشكل مباشر” وَ”يتّخذون مَوقفاً خيانياً يتنصّلون فيه عن المسؤولية”، وأشَارَ إلى أن هؤلاءِ يمثلون “جبهةً موازيةً لجبهة العدوان” مهمتُها “ضربُ القوى التي تقفُ ضد العدوان ولكن بدون أَن تصرِّحَ بانضمامِها له”، حافظ قائد الثورة على نبرة الخطاب المسؤول، مؤكّـداً على ضرورة “المحافظة على الجبهة الداخلية”، وأشَارَ إلى التواصُلِ مع المؤتمر الشعبي العام بشأن الوضع الداخلي.
وكان لقاءُ العاشر من رمضان خطوةً مهمةً في هذا السياق، إذ وضع السيدُ عَبدالملك معاييرَ وثوابتَ الموقف الوطني من العدوان أمام كُـلِّ وجهاء اليمن وتبلورت تلك الثوابتُ في “وثيقة العاشر من رمضان”؛ لكي لا تكونَ هناك أية حُجّة بيد مَن يحاولُ الخروجَ عن هذه الثوابت، وهو ما حَدَثَ.
في خطابه بمناسبة الذكرى السنوية للصرخة (21 يوليو 2017) خصّص السيدُ جُزءاً من حديثه لحزب المؤتمر، الذي كان نشطاؤه آنذاك قد وصلوا في حملاتهم الإعلامية إلى الحديث عن “الانتخابات” ليقول لهم بوضوح: إن المرحلة مرحلة “اقتحامات لا انتخابات”، بل وكشف أن “نشاطاً استقطابياً من قبل العدوان يطالُ أعضاءَ المؤتمر.
وتحدث عن اختراق داخل الحزب، وتحدّث أَيْـضاً عن استقطابِ أعضاء “البرلمان”، وخاطب المؤتمرَ بأنه “لا يَحِقُّ لأحد حمايةُ أعضاء مجلس النواب الخَوَنَةِ من الإجراءات القضائية”، في إشارة إلى نواب المؤتمر المنضمين للعدوان.. كشف كلامُ قائد الثورة حينها عن محاولةَ “صالح” لتغطية انقلابِه بغطاء البرلمان، حَيْــثُ كان البرلمان -الذي يسيطر فيه المؤتمر على أغلبية قوامه- قد تبنى مبادرةً مجحِفة للاستسلام للعدوان.
اجتماع موسّع لعقلاء وحكماء اليمن
ومع تزايد التحَرُّكات المشبوهة لأتباع صالح في الميدان تزامُناً مع اقتراب فعالية 24 أغسطس، دعا السيدُ إلى اجتماعٍ موسّع لعقلاء وحكماء اليمن (19 أغسطُس 2017) وضعهم فيه بشكل واضح أمام حقيقة الوضع وأبلغهم بأن العدوانَ يجهّز لخطةٍ جديدةٍ تستهدفُ الجبهةَ الداخليةَ بشكل مباشر بالتزامُنِ مع احتدام المواجهات في الجبهات الأُخرى، على أمل حسم المعركة من خلال ذلك.
كشف قائدُ الثورة بوضوحٍ خطةَ “صالح” من فعالية أغسطُس، حَيْــثُ أوضح خلال الكلمة أن مخطّطَ العدوان يتضمَّنُ: “إبراز قضايا هامشية حزبية تطغى على المشهد الداخلي، والعمل على حشد ما يمكن حشدُه من الناس تحت عناوينَ ثانوية بعيدة عن مواجهة العدوان”.
وتحدث السيد بشكل صريح عن اختراق المكونات السياسيّة في الداخل من قبَل العدوان لشَقِّ الصَّــفِّ الوطني، وكرّر التنبيه على الاهتمام المشبوه بـ”الحزبية” بل وقدّم توضيحاتٍ ردَّ بها على الحملات الإعلامية التشويهية، إذ أكّـد أن “أنصارَ الله أقلُّ حضوراً في الهيكل الإداري للدولة”.
وجدّد التنبيهَ على غياب أية إجراءات ضد البرلمانيين الخوَنة، وأوضح أن “أنصارَ الله يتلقون طعناتٍ في الظهر”، وأشَارَ أَيْـضاً إلى مبادرة البرلمان الاستسلامية، مؤكّـداً أنها مساومةٌ على بيع البلد، واختتم الخطاب بوضع حكماء وعقلاء اليمن في الصورة كـ”مرجعية تحكيم” وطلب منهم إبلاغ من يريدون شق الصَّــفِّ الداخلي وتنبيههم.
نسف قائدُ الثورة بهذا الخطاب العملَ الذي كان “صالح” يرتب له، وجرّده من أية أغطية كان يحاول أن يمرِّرَ تحتَها ترتيباته الغادرة، ووضعه في واجهة المشهد أمام الاستحقاقات الوطنية وأمام حكماء وعقلاء اليمن الذين مثّل دخولهم على الخط عائقا أمام أية محاولات من قبل “صالح” لخداع القبائل والمجتمع من أجل تمرير الانقلاب.
ومع نهاية نوفمبر 2017، وفي الوقت الذي فيه كان “صالح” على أُهبةِ الاستعدادِ لبدء تصعيده الأخير، ظل قائدُ الثورة يوجّه خلال محاضراته السابقة للمولد النبوي بـ”الكف عن المناكفات الإعلامية” التي كان أتباعُ صالح يثيرونها باستمرار.
صباح السبت، 2 ديسمبر 2017، ظهر قائدُ الثورة مجدّداً في خطابٍ هو الأولُ من نوعه، إذ خُصّص كاملاً للحديث بصراحة عن المشكلة مع مليشيات “المؤتمر”، مفنّداً كُـلَّ التبريرات التي ساقها الأخيرُ لاعتداءاته، ومستعرِضاً الروايةَ الحقيقيةَ للأحداث، واستمر في التأكيد على “أولوية مواجهة العدوان”.
داعياً المؤتمرَ إلى وقف هذه التصرُّفات، كما دعا حكماءَ اليمن إلى التدخل، ووجّه تقريعاً شديدَ اللهجة لمليشيات طارق، مذكراً إيّاها بأنها كانت “كالأرانب الضعيفة” عند اقتحام قوات الفارِّ هادي لجامع الصالح وقناة اليمن اليوم.
دعا قائدُ الثورة المؤتمرَ إلى الاحتكام للعقلاء والحكماء، ووصل به حرصُه على إيقاف الفتنة إلى “مناشدة” شخص “صالح” بأن يكونَ “أعقلَ وأنضحَ من هذه المليشيات”.
وجاءت الكلمةُ الثانيةُ لقائد الثورة مساء اليوم نفسه مركَّزةً بشكلٍ أكبرَ على إبراز الحقيقة التي “انكشفت” و”العار” الذي تقلّده “صالح” من خلال دعوتِه الفاضحةِ للاقتتال بين المواطنين والجرائم التي ارتكبتها مليشياتُه، والحديث عن “الخديعة” التي تعرّض لها من “تحالف العدوان” أَيْـضاً.
وعلى الرغم من أن المواجهاتِ كانت مستمرَّةً آنذاك بين مليشيات الخيانة وقوات الأمن، إلا أن قائدَ الثورة لم يستخدم في خطابه لهجةَ القوة العسكريَّة، بل لهجة الثوابتِ والمبادئ الوطنية التي يعرفها الشعبُ كله ويعرفُ أن مخالفتَها عمالةٌ وخيانة.
فتنة ديسمبر
عشية الذكرى الثالثة لـ”الفتنة” أصدرت دائرة الوجيه المعنوي كتاباً (كتاب_فتنة_ديسمبر) احتوى على تفاصيل دقيقة للجريمة الفاشلة، منطلقاً من خلفية تاريخية تسرد كيفية وصول صالح إلى السلطة مروراً بمنهجيته في كيفية تثبيت حكمه بما اتسمت به من مكر ودهاء، وانتهاء بالفتنة.
في قراءة الكتاب نجد الكثير من السياقات التاريخية المدعومة بالوثائق تكشف عن تلك المرحلة من تاريخ الوطن، ونورد في ما سيلي أجزاء منها، فيذهب الكتاب إلى أن علي صالح اهتم من البدء بخلق حالة من الصراعات، فاستغل مرحلة الثمانينيات وانتهاء حروب المناطق الوسطى لإشغال المجتمع بعضه ببعض.
وكذا مجتمع القبيلة اليمنية التي شهدت الكثير من المشكلات وإثارة الثارات واستهداف رموزها والاستثمار السيئ في التباينات المجتمعية والعمل على تشكيل بيئة اجتماعية مضطربة وهشة بحيث لا تستطيع مواجهته أو مطالبته بأي إصلاح أو تقدم في الأوضاع أو تطوير.. ويستشهد الكتاب ببعض الأحداث التي شهدتها فترة حكم صالح، التي تظهر كيف أن التآمر كان طبيعة في الرجل.
موضوعية تاريخية
لا ينطلق الكتاب- كما جاء في السياق- من محاكمة أحد ولا إلصاق التهم الجزافية بأحد، بقدر غايته –كما يأتي في الكتاب- في تصفح تاريخ مهم لم يعد حكرا على شخص أو مجموعة أو حزب معين، بتاريخ يخص كل اليمنيين.
وهم دون غيرهم المعنيون اليوم بقراءته وتفحصه حتى لا يقعوا في أخطائه مرة أخرى لاسيما تلك الأخطاء التي ما يزال الشعب يدفع ثمنها حتى اللحظة نتيجة غياب مشروع الدولة وحضور مشروع السلطة، هذا المشروع الذي رسخه صالح ومضى نحو تطبيقه لتحقيق هدف الاستمرار في الحكم والسيطرة على ثروات البلد ونهب خيراته.
واستنادا إلى ما استعرضه قبلاً، يؤكد الكتاب “أن صالحاً وبهدف الاستمرار في الاستحواذ الكامل على السلطة كانت الرغبة لديه في القضاء على كل خصومه وضرب بعضهم ببعض وذلك بإتباعه العهود المتعارف عليها باللجوء إلى أساليب المكر والخداع تارة بالوقيعة والدسيسة.
وتارةً بشراء الذمم، بل وقد يصل الأمر إلى استخدام القوة واتهام طرف ثالث بها بغية إشعال الصراع بين المتخاصمين جميعاً في الوقت الذي يحاول فيه زعيم مليشيا الخيانة الظهور كطرف محايد.”
حـروب صعدة السـت
تمثل حـروب صعدة السـت نموذجا لم يـدرس بعد، لعبـث صالح ومنظومته الفاسدة باليمـن وشـعب اليمـن ومقـدرات اليمـن وجيـش اليمـن والتفريـط بـكل شيء واسـتهداف السـلم والاستقرار والنسـيج الاجتماعي المتجانس والمتكامـل في اليمن لمصلحة الأجندة الخارجية بدرجـة رئيسـية ثـم خدمـة لأجندته الخاصة القائمـة على حكـم يمـن ضعيف مشـتت وقـوى اجتماعية مسـلوبة الإرادة، فيما يتفـرغ لبناء مجده الشخصي القائـم على جمع المال الحرام وإفقـار الشـعب وتجويعه وحرمانه من خيرات اليمـن وإنسانها القـادر على صنع المستحيل.
“والملاحظ من خلال تاريخ صالح أنه لا يوجد لديه خطوط حمراء فهو يتخذ مواقف متناقضة في ذات الوقت، فبإمكانه أن يستخدم الجماعات التكفيرية لضرب حزب أو جماعة وكذلك يستخدم حزبا ضد آخر، ويحرض جماعة مسلحة ضد أخرى، ومجموعة قبائل لاستهداف قبيلة..
وهكذا تتعدد أساليبه وتتنوع طرقه الماكرة في استغلال السلطة إلى المال واستخدام الجيش والأمن وبقية المؤسسات وإدارة الصراعات المسلحة وكذلك ما يعتمل من صراعات خفية على الثروات والشركات والمصالح الاقتصادية.
وتروي الوثائق والقصص المتداولة تفاصيل ماكرة ومؤلمة عن أساليب صالح الخيانية والتآمرية ضد كل من حوله وكل من تحالف معه، فالملفات كثيرة وفتحها يحتاج مجلدات وأبحاثا ليس هنا مكانها ولكن الإشارة إليها في هذا السياق الذي فرضه تحول صالح الأخير بمؤامراته على الشعب اليمني في أحداث الثاني من ديسمبر الأسود وما قبله.
“وأثبتت الأيام وتواليها أن هذا الرجل تاريخ متخم بالخيانات والمؤامرات على الجميع، ومنطلقاً من العمالة للخارج وفقدان الإيمان والروح السوية جعل من صالح فاقدا للأمل والثقة في الشعب اليمني كافة مما يوضح دائما تمسكه بأهداف أمريكا والسعودية وصولا إلى الارتماء في حضن الإمارات وعيال زايد والرضوخ المذل للتآمر معهم على الوطن والشعب اليمني ورفضه دائما تحويل المؤتمر الشعبي العام إلى مؤسسة حزبية خارج نطاق العائلة ليجعله مطيته للتآمر والخيانات.
الخيانات التي أفضت إلى أحداث الثاني من ديسمبر 2017 وانتهاء صالح بخيانة مكشوفة وغير مواربة مثل كل خياناته السابقة وسقوطه صريعا وهو يحاول الفرار خارج صنعاء ليتحد مع الغزاة والمحتلين بعد أن فشل في أن يسقط صنعاء من داخلها ويحقق للعدوان السعودي الأمريكي ما عجز عنه بكل آلة القتل والدمار والحصار والتجويع على مدى ثلاث سنوات.”
التواصل مع الأعداء
رصد الكتاب تحركات علي صالح وتواصله بدول العدوان والتنسيق معها للحدث الذي صدم الكثير من اليمنيين، وهو ما تجلى في دعوته يوم الثاني من ديسمبر لانتفاضة كل مدينة ومديرية وعزلة وقرية ضد الوطن.
يؤكد الكتاب قبل ذلك، أن “صالح كان يحاول فتح قنوات للتواصل مع دول العدوان ويرسل لها رسائل مشفرة منها معلنة وأخرى عبر وسطاء.
وأنه “ظل يبعث بالرسائل واحدة تلو الأخرى في وقت كانت فيه السعودية تحديداً قد أغلقت جميع الأبواب أمامه ورفضت الاستماع إلى ما يقوله وهو يروج لنفسه بأنه القادر على تحقيق أهدافها في اليمن، وفي الحقيقة أن رسائله لم تكن للسعودية فقط، بل لروسيا والولايات المتحدة وكذلك إلى الإمارات.
فقد أبدى استعداده لتلبية مطالب أهداف تلك الدول في اليمن مقابل مساعدته في العودة إلى السلطة، فروسيا وعدها بإنشاء قاعدة عسكرية لها (المصدر لقاء مع قناة روسيا اليوم في إبريل 2016م)، بل وذهب بعيداً جداً إلى استعداده للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وكان قد أشار إلى ذلك ضمنياً في أحد لقاءاته مع قناة الميادين”.
“ونورد هنا شهادة لأحد المقربين منه أدلى بها في شهر أبريل من عام 2018 أي بعد أكثر من ثلاثة أعوام على العدوان، فأحمد الصوفي وهو السكرتير الإعلامي لصالح يؤكد في لقاء مع قناة ما تسمى بالشرعية أن اللقاءات تمت بين علي عبدالله صالح والسفير السعودي بصنعاء أحمد آل جابر قبل21سبتمبر 2014.
وذلك للتوصل إلى صيغة تحالف عريض يضم كافة القوى ضد أنصار الله، وبحسب الصوفي فإن صالحاً التقى بآل جابر لعدة ساعات (من الثامنة مساء إلى الثانية فجراً ) ثم خرج اجتماع صالح بآل جابر بوثيقة تتضمن أساسيات هذا التحالف أن الجميع يقف في خندق واحد ضد أنصار الله، ومن ثم قام صالح بعرضها على اجتماع لقادة المؤتمر ثم قام كلٌّ من القربي والبركاني بالتعديل عليها وهو ما أفقدها الأهمية.
بحسب رأي الصوفي الذي كرر الحديث عن نفس الموقف في لقاء آخر مع قناة (رشد) في تاريخ 6/ 4/ 2018، وكشف الصوفي في لقائه مع قناة ما تسمى بـ(الشرعية) أن صالحاً اضطر إلى التحالف مع أنصار الله لأن السعودية أغلقت الأبواب أمامه وأنه – الصوفي- حاول فتح قناة اتصال مع السعودية عن طريق رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية.
وفي الحقيقة أن صالحاً حاول التواصل بالنظام السعودي عن طريق الكثير من القنوات منها قنوات عربية ودولية ويمنية، فأرسل الرسائل والتعهدات بأنه سيحقق للعدوان أهدافه مقابل إعادته للسلطة، غير أنه فشل في ذلك حتى توصلت قيادة العدوان إلى ضرورة استخدام هذه الورقة بعد أن فشلت كل أوراقها الأخرى.”
في المقتطفات السابقة- كما أورد الكتاب- ما يكشف عن حرص شديد كان لدى علي صالح لإيجاد قنوات تواصل مع قوى العدوان لعرض خدماته، مقابل استعادة السلطة.
شيء من التأكيد
“يُذكر أن وزير الدولة الإماراتية أنور قرقاش، أكد وجود تواصل مع علي عبدالله صالح قبل فتنة ديسمبر، وأشار إلى الكثير من المعلومات التي وردت هنا، وذلك في لقاء له مع قناة الـ«بي.بي.سي”
“وفي رسالة أخرى بعث بها إلى الأمير محمد نايف بن عبد العزيز في تاريخ 5/ 3/ 2015م (طالع الوثيقة ص ١١٠) حاول توضيح موقفه من مجريات الأحداث باليمن والسعودية، مقدماً المؤتمر كقوة سياسية قادرة على الحفاظ على البلاد من الوقوع في حرب قد تؤثر على الأوضاع في المنطقة.
بقوله : ((فإننا في المؤتمر الشعبي العام كتنظيم سياسي عميق الجذور في المجتمع اليمني قادرون على التحرك السياسي السلمي لتغيير مسار الأحداث سواء الآن أو بعد المرحلة الانتقالية))، ثم طلب من السعودية التدخل عن طريق مبادرة لإنقاذ اليمن من الانزلاق نحو العنف والصراعات وأن المؤتمر سوف يساند تلك المبادرة،”
“وأما موقف السعودية من حركة الثاني من ديسمبر الخيانية، فقد اتضح من خلال تواصل السفير السعودي في اليمن مع صالح أثناء تلك الأحداث لعرض خدمات السعودية وتأكيد دعمها له، وكذلك كان الموقف السعودي أكثر وضوحاً في وسائل الإعلام السعودية التي تحولت إلى وسائل إعلام مؤتمرية مؤيدة لتحركات صالح حتى أن قناة «العربية» أصبحت تقوم بعمل قناة «اليمن اليوم » بعد إغلاقها من قبل أنصار الله.، وكان يتم إرسال الأموال بواسطة بعض التجار الموالين للطرفين.”
استراتيجية مواجهة أنصار الله
كما “تكشف الوثائق التي تركها صالح وراءه في منزله جنوب صنعاء، الكثير من المؤامرات التي حاكها على حركة أنصار الله وخاصة في الفترة الأخيرة وحتى بعد توقيع اتفاق الشراكة الذي أنتج المجلس السياسي الأعلى الذي مثل لصالح واحدة من حركات التآمر لصالحه لا التكامل من أجل الوطن، وهو ما أصبح جلياً لكل المتابعين وصولاً إلى أعمال الفتنة والخيانة.”
ويورد الكتاب وثيقة هامة، ويقول” ..إنها استراتيجية كاملة لم يجتهد صالح وفريقه في وضع مثلها لأي مشروع تنموي أو خدمي أو استثماري.. إنها استراتيجية تدميرية وهي كل ما يحسنه عفاش في حياته وأتت تحت عنوان استراتيجية مواجهة أنصار الله (طالع ص 7٦- 7٧ ).
تتكون الاستراتيجية من مقدمة تمثل خلفية الأحداث وبروز الحركة والوضع السياسي العام وخاصة من 2011م وعلاقة الحركة ببقية المكونات السياسية وصولا إلى مؤتمر الحوار الوطني.
وتقدم الاستراتيجية تفصيلا منهجيا لعوامل ضعف وقوة الحركة في مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والعسكرية والاقتصادية، ومن وجهة نظر صالح وفريقه الخائن المتآمر ومن الجهة التي جرى تسويق هذه الاستراتيجية إليها وفق الاتفاقات والمراسلات بينه وبين دولة الإمارات وعيال زايد.
وفي تزمين الاستراتيجية يأتي استهداف الحركة سياسيا واجتماعيا بنسج التحالفات ضدها وشراء الذمم واستمالة القوى الاجتماعية في مقدمة آليات العمل، ثم تركز الاستراتيجية على عودة المؤتمر بصيغته العفاشية كدولة أصيلة تستعيد المؤسسات وتنزع السلاح.
وفي المحور الثالث يتم التركيز على دور منظمات المجتمع المدني، وفي المحور الرابع المواجهة على المستوى الإعلامي، وفي المحور الخامس تفعيل العمل الاستخباري والعسكري بما في طياته من أعمال الخيانة والغدر واستقطاب القادة والأفراد خارج سياق المواجهة مع العدو والعدوان.
ويأتي المحور السادس ليؤكد الخيانة والعمالة والارتهان بتفصيله لأهمية الرعاية الإقليمية لدعم الداخل في مواجهة حركة الحوثي- كما يصفها- وتشمل الاستراتيجية النفقات المالية للتنفيذ شهريا- سنويا وعليها تعديل بخط صالح وبإجمالي67 مليون دولار شهريا وسبع مائة واثنين وثلاثين مليون دولار سنويا.. حتى القضاء على حركة أنصار الله نهائيا.
وهنا يمكن أن نؤكد على أن استراتيجية مواجهة أنصار الله المتفق عليها بين صالح والإمارات منذ أشهر خلت للفتنة، تنفذت حرفيا بما تحويه من مراحل وخطوات وتكتيكات.
الوثائق الخاصة بغرفة عمليات
تؤكد الوثائق أن صالحاً كان يقوم بعمليات مسح يومي لكل الأعمال الأمنية التي تقوم بها الدولة وأجهزتها الأمنية لصالحه الشخصي ولصالح العدوان، وتتابع يوميات العمليات الخاصة بعلي صالح النقاط الأمنية في العاصمة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وترصد الفعاليات في القاعات العامة وترسل من يخترقها ويتجسس عليها ويرفع بالأسماء والصور وطبيعة المناسبة مع اختراق أجهزة الاتصالات الشخصية والأمنية والعسكرية وتسجيل المكالمات وتتبع الأشخاص وأعمال التحشيد للجبهات ومحاولة تشتيتها..
كما تكشف مئات الوثائق الخاصة بغرفة عمليات علي صالح، التركيز على مربع حدة ومربع الحي السياسي لأمنه الشخصي وأمن أبنائه وأبناء أخيه.»
وتشرح وثائق أخرى، خطط تقسيم العاصمة إلى مربعات، وهي الأهداف الحقيقية لفتنة ديسمبر والعمليات المصاحبة والسابقة وما كان سينتج لاحقا من أعمال عسكرية وأمنية بعد إسقاط العاصمة وتسهيل مهام عجز عنها العدوان من الجو ليحاول «حصان طروادة» علي صالح وأدواته تحقيقها من الداخل وتحقيق السيطرة على العاصمة في كل مربع وبحيث يتكفل كل قائد قطاع بمسؤولية ونطاق قطاعه، كما توضح الوثائق حدود كل قطاع ونوعية العتاد والسلاح المستخدم.
خطة إسقاط صنعاء
في جزء من خطة إسقاط صنعاء ضمن تفاصيل الفتنة المؤودة، جاء في الكتاب بأن هذه المؤامرة لم تكن عفوية أو ردة فعل على أحداث وقعت قبلها وإنما كانت مؤامرة تم الإعداد لها منذ فترة طويلة، وقد يكون الإعداد لها قد تم بالتزامن مع بداية الحرب، فالخطة التي تم اكتشافها تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الإعداد والتجهيز للمؤامرة كان دقيقاً ومحكماً بالتنسيق مع دول العدوان، بحيث تم استبعاد احتمالات الوقوع في الأخطاء التي قد تؤدي إلى الفشل.
وقد تركزت الخطة على النقاط التالية: تقسيم العاصمة صنعاء، توزيع الضباط و الأفراد، تجهيز الأسلحة المناسبة، توفير شبكة اتصالات خاصة، توفير الأموال اللازمة.
وعليه جرى تقسيم العاصمة صنعاء إلى أربع مناطق عسكرية محددة، وتم وضع حدود كل منطقة بشوارع رئيسية وتوضيح هذه الحدود على خرائط تم إعدادها وإرفاقها بالخطة، وكان لكل منطقة قيادة عسكرية محترفة من الضباط الكبار الذين كانوا يعملون مع صالح أثناء حكمه، وتتكون هذه القيادة من قائد للمنطقة وأركان حرب و رئيس عمليات إضافة إلى عدد من المساعدين، كما تم تقسيم المنطقة إلى عدة قطاعات عسكرية.
وكان لكل قطاع منطقة محددة وموضحة على الخرائط وتشرف عليها قيادة عسكرية تتكون أيضاً من قائد القطاع وأركان حرب ورئيس عمليات وعدد من الضباط والأفراد، ثم تقسيم كل قطاع إلى عدة مربعات و لكل مربع قائد يساعده عدد مع الضباط، يتبع قائد المربع عدد من المجموعات العسكرية وهي المكلفة بالتنفيذ المباشر للخطة المذكورة بعد أن يتم تغطية كافة أحياء العاصمة ونشر الأعداد اللازمة من الأفراد.
وقد تضمنت الخطة بالنسبة للقطاعات رصدا دقيقا لمداخل القطاع ولمحتوى القطاع من منشآت عامة وحكومية ومنازل القيادات والشخصيات الهامة والمعسكرات وأي منشآت حيوية أو مرتفعات قد تكون موجودة في القطاع، وكما حددت الخطة مكان قيادة المنطقة أو القطاع أو المربع.
إلى ذلك عمل زعيم مليشيات الغدر و الخيانة منذ وقت مبكر على تجهيز شبكة اتصالات خاصة لاستخدامها أثناء التجهيز لأحداث الثاني من ديسمبر وأثناء التنفيذ، وقد تم تجهيز هذه الشبكة التي أطلق عليها اسم ((ووكر)) بصورة سرية حتى لا تتمكن الأجهزة الرسمية من رصدها واكتشاف المؤامرة، كما تم تجهيز وحدات اتصالات نقالة في سيارات مدرعة، وشبكات تنصت على المكالمات والاتصالات العسكرية، وكان الهدف من ذلك هو التجهيز لتنفيذ المؤامرة