المشهد اليمني الأول/
متأخرا اعترف النظام السعودي مساء أمس، بالضربة الصاروخية التي نفذتها القوة الصاروخية بصاروخ قدس2، مستهدفة منشأة نفطية في جدة، ورغم ما ينطوي عليه الاعتراف السعودي المتأخر من تدليس أراد به إخفاء الحقيقة وحجبها، إلا أنه لم يستطع على الأقل إخفاء الموضوع نهائيا اتباعا لاستراتيجيته الإعلامية التي لم تتغير منذ سنوات، وتعتمد على التخفي وراء جوقة الأبواق والأكاذيب والتي تنتهي بالفضيحة في الغالب.
لن نتحدث عن تفاصيل العملية، ولن نسهب في الحديث عن الرسائل التي أوصلتها، ليس تواضعا فيها، ولا تقليلا من حجمها، إنما قناعة بأن العملية النوعية بالأمس – وغيرها من العمليات التي سبقت – تأتي في سياق طبيعي هو الحق المشروع في الدفاع عن النفس وهذا مكفول بالشرائع الإلهية والمواثيق الوضعية، ولا يوجد أمام الشعب اليمني – مقابل إصرار النظام السعودي على موقفه العدواني – إلا خيار القوة واستخدام الفعل العسكري، بتوقيت اليمن وأبطالها البواسل وتوقيت انتصاراتهم، لا بتوقيت اللقاءات التي يعقدها المشبوهون في ” نيوم”،
ولعل بن سلمان معني وهو يلتقي نتنياهو بأن يتعلم أنماطا أخرى لامتصاص وابتلاع الهزائم وإخفائها، وقبل الذهاب إلى نيوم لعقد اللقاءات السرية مع نتنياهو، وقبل ارتكاب حماقة التطبيع الذي سيكون المسمار الأخير في نعشه ونعش أبيه، يَنبغي على بن سلمان ونتنياهو التأكد من أن قدس2 صاروخ يماني قد يصل مداه إلى “نيوم” أيضا وحتى تل أبيب، ، وسيصل حتما بتوقيت اليمن الذي يحتضن فلسطين قضية وانتماء، ويجذر المقاومة للصهاينة وأحلافهم بالسلاح لا بغيره.
على مدى الأشهر الثلاثة الماضية لم تتوقف أسراب الطائرات والقاذفات السعودية عن القصف والغارات الجوية لحظة، وكل المحاولات لإقناع النظام السعودي بضرورة التوقف وإتاحة المجال للتفاوضات السياسية انتهت دون جدوى، وقد حول تلك المساعي إلى منصات ذرائعية للاستمرار في العدوان والتصعيد والقصف الجوي المكثف،
وحوّل التحركات الأممية إلى مجرد استهلاك للوقت ليس إلا، واستمر في التعنت والغي والتعدي، وقام بتشديد الحصار على النفط والموانئ وممارسة المزيد من الضغوطات والإرهاب الاقتصادي على الشعب اليمني، وقام بتوظيف المجاعة التي تسبب بها في سياق الضغوط واستخدام التجويع كأسلوب للإرضاخ.
إن النظام السعودي المعتدي وأدواته وحلفاءه، قد أرادوا من الوقت والضغوط والإرهاب سلما لتحقيق أهدافهم وعملوا على تكريس واقع يوفر لهم ذرائع العدوان والبقاء والاستمرار في الحرب على اليمن، في المقابل عمل الشعب اليمني على الأرض وحقق الإنجازات والمعجزات، والمقارنة العملية بين ما يفعله النظام السعودي وجوقته وتحالفه المجرم والإرهابي، وبين ما يقوم به الشعب اليمني، يكشف الفارق بين حق شرعي مكفول، وبين عدوان غاشم يستخدم كل القذارات لتحقيق أطماعه،
وبالتأكيد فإن النظام السعودي لن يوقف العدوان العسكري ويرفع الحصار، في ظل واقع غير هذا .. والأمر الوحيد الذي يجعله يعيد حساباته هو ضرب مفاصل القوة والنفط، بالتوازي مع هزيمة مرتزقته على الأرض وتحرير المناطق بالقوة العسكرية، سيرغم النظام السعودي ويدفعه للتوقف عند حده، فمن المعلوم أنه لن يترك منطقة احتلها مرتزقته من ذات نفسه ولن يخرج إلا بالقوة، وبالتأكيد لن يوقف عربدة الطائرات إلا بالقوة، وكل ما يقال من تصريحات حول الحلول السياسية مجرد أكاذيب لن تتحول إلى واقع إلا بعمل عسكري نوعي يدك الضرع الحلوب، إن صح التوصيف هنا.
مراهنات بن سلمان في تحصيل مواقف سياسية للتغطية على الجرائم والمجازر التي ارتكبها ويرتكبها في اليمن من خلال استضافته وترؤسه لـ «قمة العشرين الاقتصادية» قد أطيح بها، ومراهناته على قوانين أمريكية بحق الشعب اليمني ستسقط لا محالة، وسواء وَصلت الرسالة التي حملتها عملية الأمس أم لم تصل، فإن ما بات عليه إدراكه أن مارب لن يطول الوقت بها قبل الإعلان عن تحريرها واستعادتها،
ذلك أن دحر ما تبقى من فلول الارتزاق والعدوان سيكون تحصيل حاصل لما قد أنجزته القوات المسلحة في عملياتها العسكرية الكبرى حول مارب ومديرياتها، وأن دك المنشآت العسكرية والاقتصادية لمملكته لن يتوقف، وقد سبق للقوات المسلحة في أكثر من مناسبة التأكيد على أنها لن تتوانى في استهداف المصالح السعودية ما دام العدوان قائما ومستمرا.
وعليه أن يدرك أن الاستمرار في العدوان على اليمن ينطوي على مخاطر تلامس اقتصاده ومصالحه الحيوية، ذلك أن القوة التي بات اليمنيون يمتلكونها، وبنك الأهداف الواسع الذي أعلنته القوات المسلحة، تضع خيار السلام وإيقاف العدوان أمامه المخرج الوحيد له من متواليات الهزائم والانتكاسات التي يتعرض لها في مختلف الصعد، وأن السلام في المنطقة وفي اليمن وفي السعودية طبعا يبدأ بإيقاف العدوان العسكري ورفع الحصار، وذلك هو الذي سيؤمن له مصالحه ومنشآته ومصالح المستثمرين على أراضيه،
وليس التطبيع والخيانة والبيع لكل مقدس، أما الإقامة الجبرية رهن جوقة الحمقى والتخفي بها ومن خلالها فهي أزمة بن سلمان المستفحلة وهي مشكلته وستكون القاتلة له حتما، خصوصا وهو يرى تعاظم أزماته وانتكاساته على مختلف الصعد، ويشهد انهزام أدواته ومرتزقته في مختلف الجبهات.
يخطئ النظام السعودي الباغي في قراءة واقعه الداخلي من جهة، ويخطئ في تقييم المخاطر التي تواجهه كارتدادات فعائله القبيحة بالعدوان على اليمن من جهة أخرى، يخطئ وهو يثير الكثير من الصخب، ويكاثر الأكاذيب والأوهام، ويحاول استغلال بقاء ترامب لإطلاق التهديدات وقرارات التصنيف والترهيب، فهو ورغم التحشيد والتحريض والتهديد بالعقوبات والتصنيفات يواجه مآزقه ويراكم من أزماته دون أن يشعر بعد فقدانه الاتزان والواقعية، كل ما يفعله النظام السعودي تحت إمرة بن سلمان إنما يعمق مآزقه ويضيق الخيارات أمامه وعلى النحو الذي يظهره عاجزا فاشلا مهددا بالإفلاس والانفجار والانهيار والنهاية الوشيكة.
قبل اليوم توافرت للنظام السعودي المعتدي فرص وممكنات للخروج أفضل مما هو متوافر اليوم، وبعد اليوم لن يجد ما هو قائم طبعا، وقد كان على بن سلمان أن ينصاع للمبادرات المتتالية التي قدمتها القيادة السياسية والحلول التي طرحت على الطاولات الأممية والدولية، وكان عليه أن يستجيب للأصوات الداعية للسلام والنزول عند منطق الحلول والمبادرات السياسية، واتخاذ قرار إيقاف العدوان قبل الغرق في بحر الأزمات والمشاكل والانهيارات التي تنتظره. من يعتقد أنه بالقصف الجوي وتصعيد الغارات قادر على كسر إرادة الشعب اليمني فهو واهم وحالم بالمستحيل،
ومن يعتقد أنه بالتهديد والإرهاب النفسي والمعنوي والحصار وبالحرب الإعلامية قادر على التأثير في مواقف اليمنيين وثباتهم وصمودهم وفصلهم عن قيادتهم، فهو واهم وعليه مراجعة حساباته، عليه فقط أن ينظر إلى حجم التأييد والالتفاف الشعبي الكبير لكل عمليات وانتصارات أبطال الجيش واللجان الشعبية.
_____
عبد الرحمن الأهنومي