المشهد اليمني الأول/
الخطاب، بكل اشكاله وانواعه يحتوي على ثلاثة مكونات: أولها، الكلمات والألفاظ والعبارات.. يليها المضمون، وبعدها يأتي ما هو الأهم وهو الفعل.
هذه المكونات اضحت السمه الرئيسية والمكون للخطاب العسكري اليمني التي اضحت أمريكا وإسرائيل تدرك ابعاده وحيثياته وتأخذه على محمل الجد، كيف لا وقد اعلن العدو الاسرائيلي في وقت سابق عبر احد مسؤولي الموساد أنه يجب متابعة الوضع اليمني عن كثب ورصد ما يجري من افعال واقوال بجدية ووضعها بعين الاعتبار، ولعل هذا ما لم تدركه السعودية بعد.
ونتيجة لعدم هذا الادراك فقد بات النظام السعودي اليوم في موقف محرج، فبعد نجاح القوة الصاروخية اليمنية بدك العديد من المواقع التابعة لشركة ارامكو في ابقيق وحقل الشيبة وجيزان وغيرها خلال العامين الماضيين، تأتي الأزمات الاقتصادية والسياسة والاجتماعية التي تمر بها المملكة منذ اعلانها الحرب على اليمن لتزيد من العبء على هذا النظام الفاسد الذي لم يستفد من الفرص السابقة ومنها مبادرة رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط في 2019م التي اعلن فيها وقف استهداف الأراضي السعودية طالبا الاخيرة بإعلان مماثل من جانبها وحلفائها.
وقد رحب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث حينها بالعرض والدعوة إلى حل سياسي.
وبحسب بيان صادر عن مكتبه، قال “المبعوث الأممي يؤكد على أهمية اغتنام هذه الفرصة والمضي قدما باتخاذ الخطوات الضرورية لتقليل العنف والتصعيد العسكري”.
الا أن السعودية وكعادتها لم تغتنم مثل هذه الفرصة ليكون الهدف هذه المرة محطة توزيع شركة ارامكو في جدة، هدفا سائغا لدى القوات المسلحة اليمنية حيث تأتي الضربة العسكرية للقوة الصاروخية اليمنية على محطة توزيع أرامكو في جدة بصواريـخ مجنحة نوع قدس٢ لتضع محمد بن سلمان في موقف محرج، خاصة بعد حديثه قبل أيام عن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها المملكة والتي كان يفترض عليه أن ينصت لصوت العقل بوقف العدوان على اليمن لمعالجة احطأه السابقة.
فقبل نحو اسبوعين من اليوم أطلق المتحدث باسم القوات المسلحة العميد يحيى سريع تحذيراً للسعودية قائلاً إن المنشآت السعودية العسكرية والاقتصادية الحيوية ذات الطابع العسكري ستكون هدفاً مشروعاً من أهداف قواتنا العسكرية رداً على استمرار العدوان والحصار والتصعيد.
تحذيرات مسبقة
وكان قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، دعا في 26 مارس/آذار الماضي، تحالف العدوان إلى إعادة النظر في علاقته مع اليمنيين.
وقال السيد القائد “على تحالف العدوان الاستفادة من إخفاقاته في كل المجالات بعد أن بات تقييم الكل على ذلك، والحالة الاقتصادية التي يعاني منها النظامان السعودي والإماراتي هي مرحلة أزمة وتراجع مستمر”.
واستمر بقوله “الإخفاق العسكري السعودي واقع رغم الحماية والسخرية والابتزاز الأمريكي، فمن يسعى لإذلال الشعب اليمني هو يسعى للخيال والسراب”.
واستدرك قائلا “أدعو تحالف العدوان لوقف عدوانه ورفع الحصار بشكل واضح وقرار صريح وبشكل عملي”.
ومن منطلق الاستراتيجية لقائد الثورة وجه العميد سريع رسالة تحذيرية إلى الشركات لأجنبية العاملة في السعودية، ودعت المواطنين والمقيمين إلى الابتعاد عن المنشآت العسكرية أو ذات الطابع العسكري كافة، منبّهةً إلى أن جميع المطارات والموانئ والمنشآت العسكرية والاقتصادية السعودية هدف مشروع للقوة الصاروخية والطيران المسيّر اليمني خلال الفترة المقبلة.
وأكد سريع أنه: “رداً على استمرار العدوان الظالم والحصار الغاشم والتصعيد العسكري المستمر والإصرار على استمرار إغلاق المطارات والموانئ على بلدنا فإن القوات المسلحة اليمنية والصواريـخ اليمنية لن تتردد في اتخاذ خطوات تصعيدية مماثلة خلال الأيام المقبلة”.
كما اطلق الرئيس مهدي المشاط قبل ايام رسالة تحذيرية للسعودية قال فيها: لا يجب أن يشعر المندوب السعودي في مجلس الأمن بالتفاؤل، وأقول له تفاؤلك في غير محله طالما استمر العدوان والحصار، إذا أراد السعوديون أن يشعروا بالتفاؤل فعليهم الدخول إلى بوابة السلام عبر الجوانب الإنسانية، لا يجب أن يشعر أحد من مسؤولي دول العدوان بالطمأنينة أو الإيجابية، حتى يدخلوا للسلام وللحلول السلمية”.
الا أن النظام السعودي لم يدرك فحوى الرسائل ولم يتعاطى مع تصريح متحدث القوات المسلحة العميد سريع بعين الاعتبار؛ ليعلن الاخير في بيان صحافي له فجر اليوم الاثنين عن استهداف العمق السعودي بصاروخ من الجيل الجديد من الصواريـخ المجنحة التي تنتجها القوة الصاروخية اليمنية.
أهمية المنشأة
ودكت صواريـخ مجنحة نوع قدس٢ محطة توزيع أرامكو في جدة، وتأتي هذه العملية مختلفة عن غيرها كونها نفذت بصاروخ جديد بالإضافة الى استهدافها لمنشأة جديدة تابعة لأرامكو حيث تقع منشآت أرامكو لإنتاج وتصدير النفط في الغالب في المنطقة الشرقية بالمملكة السعودية على بعد أكثر من ألف كيلومتر عبر المملكة من جدة.
ونشر العميد سريع صورة بالأقمار الصناعية تحمل خرائط جوجل التي تظهر منشأة ارامكو الواقعة على المشارف الشمالية لمدينة جدة.
ونشرت عدة مواقع متخصصة بصور الأقمار الصناعية، صوراً جوية لموقع الاستهداف، تظهر فيه رغوة إخماد الحريق بجانب أحد الخزانات التي تم استهدافها.
وعلقت مواقع أجنبية بأن دلالات الضربة الصاروخية اليمنية تكمن في اختراق الدفاعات الجوية التي تمتلكها السعودية، ووصول الصواريـخ إلى الهدف بتلك الدقة.
تجدر الإشارة إلى أن شركة أرامكو تمتلك محطتين اثنتين لتوزيع للمنتجات البترولية في مدينة جدة، إحداهما في جنوب جدة داخل مصفاة أرامكو، والأخرى تقع في منطقة بريمان وتسمى محطة ‘توزيع شمال جدة’ وهي التي تم استهدافها من قبل القوات المسلحة اليمنية.
وتعود أهمية محطة توزيع المشتقات النفطية شمال جدة، التي استهدفت بصاروخ “قدس2″، لوجودها وجودها في حي بريمان، حيث تقع في شمال الحي قاعدة جوية، ومطار الملك عبد العزيز الدولي، حيث تساهم محطة توزيع شمال جدة بتزويد مطار الملك عبد العزيز الدولي – إضافة الى محطتي توزيع في المدينة المنورة ومحطة توزيع ينبع-، بأكثر من 12 ألف برميل يوميا من وقود الطائرات.
ردود الفعل
وعن ردود الفعل التي احدثتها الضربة الصاروخية الناجعة فقد حذرت القنصلية الأمريكية في جدة، الأمريكيين على “مراجعة الاحتياطات الفورية التي يجب اتخاذها في حالة وقوع هجوم والبقاء في حالة تأهب في حالة وقوع هجمات إضافية في المستقبل”.
اما على المستوى اليمني فقال رئيس الوزراء في حكومة الإنقاذ الوطني ان كل أهداف الجيش اليمني في دول العدوان مشروعة.
وأعرب بن حبتور عن تبريكه للعملية النوعية التي نفذتها القوات الصاروخية بصواريـخ وطالت هدفاً نفطياً في مدينة جدة السعودية مؤكداً أن الرد اليمني حق مشروع لتذكير العالم بأن الشعب اليمني يخضع منذ ست سنوات تحت عدوان غاشم وحصار مستمر.
واضاف: نهنئ وزارة الدفاع والقوات المسلحة على الإنجاز النوعي باستهداف محطة أرامكو في جدة بصاروخ من نوع صواريـخ قدس2 المجنح.
واكد رئيس الوزراء في حكومة الإنقاذ الوطني في اليمن انه من يريد السلم عليه أن يوقف العدوان والحصار، واستمرار الحصار لا يمكن أن يبقى دون رد.
وهو ما اكد عليه ايضا رئيس الوفد اليمني المفاوض “محمد عبد السلام” بقوله: “إن قصف منشأة ارامكو في جدة يأتي ردا على استمرار الحصار والعدوان الامريكي السعودي على اليمن”.
وأضاف محمد عبدالسلام أن الرد مفتوح ومتاح إلا في حال توقف العدوان وأنه طالما كان هناك عدوان على اليمن، فسيتم الرد، مؤكدا أن العمليات العسكرية اليمنية تأتي في ظل تطور نوعي ولن يستطيع العدوان وقفها.
وقال الخبير العسكري عبد الله الجفري أنّ العمليّة النوعيّة بصاروخ قدس 2، تؤكد تطوّر القوات المسلحة.. مؤكداً أنّ “العملية حققت هدفها وتأتي في سياق الرد الطبيعي على جرائم العدوان”.
ولفت الى أنّ “النظام السعودي يعتّم على الضربة لأنها كانت مؤلمة بالنسبة إليه”.
ويوجه الكثير من المراقبين للوضع في اليمن بأن على السعودية ان تدرك انها مهما فعلت فلن تنجح في أن تقضي على هذه الروح الجهادية القوية لليمنيين، فلا يمكن أبدا حسب النظريات الأيديولوجية والمنطقية والسيكولوجية. وبالتالي قد تكون هذه ضربات الصواريـخ الانتقائية والموجعة والمؤلمة في السعودية سببا مباشرا إما لوقف الحرب نهائيا أو الجلوس وجهًا لوجه مع اليمنيين اصحاب الارض لتوقيع عقد صلح حقيقي.
وإذا لم تستجب السعودية لهذا المطلب الإنساني والعقلاني، فدائرة الاستهداف ستستمر كما سيرتفع بنك اهداف القوات اليمنية داخل الاراضي السعودية من شمالها الى جنوبها ومن غربها الى شرقها بما فيها في مدينة نيوم السعودية التي يحضر فيها بن سلمان للتطبيع مع العدو الاسرائيلي.
لتأتي رسالة اليمنيين بان من يخون القدس سيكون معرضا لصواريـخ القدس