في رحيل المنصور.. الأمة انطفأت والرائد غاب إلى الأبد

535
مأرب خطف النساء عار عبدالرحمن الأهنومي حسن زيد
مأرب خطف النساء عار عبدالرحمن الأهنومي حسن زيد قدس2
المشهد اليمني الأول/

يوم أمس يوم حزين ومفجع، مات الأستاذ محمد المنصور، وموت العمالقة قاتل، لقد رحل الأستاذ وترك فراغاً لا يملأه إلا اليقين برحيله، الأستاذ محمد المنصور رئيس وكالة سبأ للأنباء، ورئيس تحرير الثورة ومجلس إدارتها سابقاً، مات بالأمس بعد عناء مع المرض الخبيث «السرطان»، خلال الفترة الماضية ظل متردداً على المستشفيات بجسده الذي كان يتآكل بالسرطان، ظل حاضراً يسأل عن الأحوال ويتابع ويحضر بعض المناسبات ويخرج لقضاء حوائجه، حتى انهارت أعضاء جسده، ووافته المنية بعد ظهر أمس الجمعة في العاصمة صنعاء.

وفاة الأستاذ محمد يحيى المنصور فاجعة للوسط الإعلامي والصحفي والأدبي للعلاقة التي تجمع الراحل بهذا الوسط الزاخر، فهو أستاذنا ومعلمنا جميعاً، وحين رحل المنصور تَيَتَّمْنا، تَيَتَّم رعيل كبير من الصحفيين والشعراء والأدباء والنقاد وحتى السياسيين، لقد تَيتَّمتْ «سبأ»، و” الثورة”، وشاحت وزارة الإعلام بالحزن والأسى، وتيتَّم جمهور كبير من القراء والمتابعين والمجاهدين والشعراء، فبالأمس غاب عنهم رمز من رموز الصحافة وعلم من أعلامها.

عظيم العزاء والمواساة للأخ أحمد محمد المنصور نجل الفقيد وزوجته الكريمة وبناته، وكذلك للإخوة الأعزاء مطهر وإبراهيم وعبدالحفيظ وعادل إخوة الفقيد المرحوم، وكافة بيت المنصور، ونعزي فيه محافظة حجة التي فقدت علماً من إعلامها كان أباً للجميع وأستاذا للجميع ومنارة مضيئة من منارات الأدب والسياسة والصحافة والإعلام.. تتلمذت أنا وغيري على يد هذا الأستاذ الكريم النبيل وتعلمتُ منه وكان نِعْمَ الأستاذ والمربي..وكان حجر زاوية لنا جميعاً نرجع إليه ونحتكم في أعمالنا ومهامنا ورؤانا..أصابه داء السرطان وخلال زياراتي له لم أجده إلا صابراً حامداً محتسباً مسلماً أمره لله ذاكراً له..

الحديث يطول في رحيل قامة كبيرة مثل الأستاذ محمد المنصور، وخسارتنا فيه كبيرة وعظيمة، لقد رحل أبرز وجوه الصحافة والإعلام والقصيدة والنقد والأدب وقُلْ ما شئت عنه فقد كان كل ذلك…فقد كان الأستاذ محمد يحيى المنصور حاضراً ببصماته في ساحات وفي مجالات وفي زوايا وفي آفاق كثيرة، لقد كان من النادرين الذي يمكن أن تأخذ منه الكثير من الأفكار والرؤى في وقت أقل، الأستاذ تتلمذنا على يديه وتعلمنا منه ولم ينقطع يوماً عنا برأيه، وعزاؤنا فيه أنه رحل آمناً مطمئناً محتسباً مسلماً أمره، وفي سلامة من دينه وعن حياة حافلة بالصالحات والمليئة بالخير والجهاد.

منذ اللحظات الأولى لخبر وفاته كتب الكثيُر وقالوا عن الراحل بما يستحق من ثناء وحُسن تقدير، ولكن ليس فقط ما قيل ويقال عنه على رغم كثرته، يجسد خلاصة إنسان مبدع ومثقف نقي، وسياسي محنك، وصحافي رصين مثله، فالأستاذ المنصور هو ذلك الانسان الذي غرف من المعرفة والاطلاع غزيراً، وهو الأستاذ الذي انفتح على السياسة ومارسها في ذروة الحياة الحزبية ودخل معتركها، متمسكاً بموقفه الوطني غير متزحزح عن مبدأ ولا متنازل عن قيمة، لقد ظل ذلك الانسان اليمني الأصيل المجاهد والمناضل، في مرحلة سابقة وتحديداً خلال ربيع فبراير 2011،

وحينها كان ضمن أهم قيادات اللقاء المشترك الذين كُلِّفوا بالتواصلات واللقاءات مع الشباب في الساحات ومع الفعاليات السياسية المختلفة، ولا أخفي أني حين التقيته في ساحة التغيير وسألته في ندوة كان أحد المحاضرين فيها عن مسار الثورة مع سطوة الإصلاح على المشترك، وقد كنت أتوقع منه جواباً يقدم رؤية مواكبة ومسايرة لما كان يطرحه أعضاء المشترك الذين حضروا تلك الندوة منهم أبو اصبع والصراري والأستاذ الرداعي شافاه الله، وآخرون لا أتذكرهم، لكنه كان صادقاً وصريحاً وقد كان صادقاً في رده وفي موقفه،

هو الذي ظل محافظاً أصيلاً لم تبهره الأضواء الإعلامية ولم تبعده النشاطات الحزبية عن المبادئ والقيم التي حملها، أما الصحافة فقد وفرت له مكانته المتميزة التزاماً ومهنية وموضوعية، وأما الشعر والأدب فقد جعلت منه إنسانا ودوداً جميلاً وراقياً خلوقاً كريماً يجمع بين فضائل الأخلاق وجميل الصفات.

محمد المنصور قدَّم في مسيرته المهنية والشخصية نموذجاً للعلاقة الحية بين الصحافة والسياسة، منذ أن عرفته عن قرب في بداية الألفين، وقد سبق لي أن سمعت به وقرأت فهو ابن بلادنا وهو أستاذ لجيل كامل تعلموا على يديه، وأنا أتساءل كيف استطاع المنصور أن يكون شاعراً وأديباً ومثقفاً وسياسياً وصحفياً وقبل كل ذلك كان أستاذاً تربوياً، منذ أن عرفت الأستاذ محمد المنصور عن قرب في بداية الألفين، وأنا أتساءل كيف يمكن لي أن أتعلم من هذا الإنسان أكبر قدر وأستفيد أكثر مما لديه من معلومات وسعة اطلاع ومعرفة، ونضج ورؤية وإلمام بالأمور في القضايا المختلفة، ومعرفة تامة بالصراعات والتحالفات والرؤى والاستراتيجيات، والتزام بموقف وطني وقومي وإسلامي وفق الأسس السليمة والصحيحة؟.

حين أتذكره وأتذكر الأيام واللقاءات والمجالس التي جمعتنا، لا أتذكر أستاذاً فحسب، بل أباً وصديقاً وأخاً نبيلا رائعاً وفياً، فحسب، أتذكر ذلك الكاتب والصحفي الذي كنت أنتظر تعليقه عن حدث أو قرار أو قضية، هو الوحيد الذي كان يعرف كيف يوفق بين عمق ثقافي، وبين معلومة يستخلصها من عصارات ما يقرأ من سائر الكتب والصحف ويتابع من أخبار في الإذاعات والشاشات، وبين قدرته على استقراء الواقع، وتقديم استنتاجات موضوعية لا إنشاء، يحمل قدراً عالياً من التلاوة والليونة في الفكر، وقدراً لازماً من الصلابة الناضجة في المواقف من كل الأحداث.

كان المنصور صاحب نموذج فريد على صعيد المقالة السياسية والتحليل السياسي وقراءة المواقف وما بين السطور، كان أستاذاً في المقالة السياسية والتحليل السياسي، ويا لروعة النص الذي كان يخطه المنصور بيمناه، رصانة وبساطة وسهولة ومتعة وجذباً ولغة واصطلاحاً سياسياً ورؤية عميقة وشاملة.

صاحب رؤية استشرافية عميقة ورصينة، مُطَّلع على كافة قضايا المنطقة والعالم وصراعاته، قارئ للإشكاليات والأزمات العربية بعمق وبمتابعة متخصصة، دارس متفحص لفكر اليسار واليمين والوسط، متابع للصحافة الأمريكية والأوروبية، كان صاحب قضية وموقف وطني مخلص، لم يغب عن فلسطين والقضايا العربية بمرارتها وانكساراتها وآلامها، وفواجعها .

هو (الوحيد) فينا ومنا الذي تجده يقرأ الأحداث بتأمل واستشراف وعمق، يتابع المستجدات بعين راصدة ثم يقدمها بعمق أهميتها وخطورتها، هو الوحيد الذي كان يشعرنا بأهمية الخبر من مضمونه وسياقه وزمانه، ثم يقدمها بشكل مقنع وذكي وسلاسة منطقية ممتعة، حين كنا نعمل تحت إشرافه في صحيفة الأمة، كان الأستاذ والمعلم، أما بعد تغير المراحل وحين صرنا في قيادة العمل الإعلامي كان وظل البوصلة التي تصحح مساراتنا السياسية والصحفية والمهنية، في هذه المراحل كنت شخصياً أعود إليه باعتباره مرجعية سياسية وفكرية، وأحيانا أنتظر ما يكتبه حول الموضوع، على حائطه التفاعلي كل المسائل كانت بالنسبة له واضحة ودائماً، فالمعايير لديه ثابتة، فلسطين قضية الأمة، إسرائيل عدو وأمريكا كذلك، وعلى تلك الرؤية ينطلق.

كان الأستاذ المنصور صاحب تجربة سياسية ناضجة، عاصر الكثير وخبر الكثير من التيارات وقرأ عن الكثير من الأفكار والايدلوجيات الحزبية والسياسية، وشهد التحولات وانكسارات المعارضة وفشلها وابتعادها عن قضايا الشعب، وتجيير القضايا الملحة والوطنية لمصالحها الضيقة، وكان المنصور تجاه ذلك إنسانا صادقاً وطنياً غير مجامل ولا صامت عن حق ولا كاتم لحقيقة.

خسارتنا فيه كبيرة، وشخصياً أشعر بألم كبير على فراقه ولكنه قَدَرُ الحياة وسُنَّتها التي لا تتبدل أبداً، رحل المنصور بالأمس وأيقنت أن صحيفة الأمة لن تعود من جديد أبداً، وأن سبأ لن تحفل بعد اليوم بمقالة سياسية توجه المسار للجميع، وأننا لن نظفر بيوميات للثورة تحت اسمه الكبير بعد اليوم أبداً.

لأهله وأسرته، للصحفيين والإعلاميين، للشعراء للمثقفين للسياسيين للمناضلين لليمنيين جميعاً، للمحابشة وبلاد الشرفين، لحَجَّة وجبالها الشماء، لصنعاء وبيوتها القديمة، للذين علموا وعرفوا وأحبوا المنصور وقلمه، للزميلة سبأ التي رَأَسَ تحريرها، وللثورة التي كان منها وفيها القلم الناهض واللامع، والإداري المحنك، حتى صار رئيسها، لأبناء الفقيد لإخوانه لزوجته، لابنته التي انتظرت بالأمس عودة أبيها من المستشفى في نافذة المنزل..نشاطرهم الألم والحزن ونشعر بما يشعرون ونقول «إنا لله وإنا إليه راجعون»، ورحمة الله تغشاه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
_______
عبد الرحمن الأهنومي