المشهد اليمني الأول/
يبدأ الكيان الصهيوني مشروعه الاستيطاني من حيث ينتهي ويستمر في التوسع نحو المنطقة العربية ويزداد اهتمامه مرحلة بعد أخرى بالمنافذ البحرية والموانئ والجزر الأكثر أهمية واستراتيجية في المنطقة .
وهكذا يستمر في قضم الدول العربية واحدة تلو الأخرى وقد وجد في دول الخليج دليلاً ومساعداً كما يحدث في المحافظات الجنوبية من انتهاك للسيادة واحتلال للأرض بالتزامن مع عملية التطبيع المفضوح مع ما يسمى ” المجلس الانتقالي ” التابع للإمارات .
فماهي مطامع كيان العدو في جنوب اليمن؟ ولماذا يحرص على ان يكون له موطئ قدم هناك ؟ وهل سينجح في مساعيه ؟
هذا ما سنسلط الضوء عليه من خلال هذا التقرير .. إلى التفاصيل :
بعد الحرب العالمية الثانية والقضاء على “ألمانيا النازية” كانت الدول العربية تعيش تحت وطأة احتلال الدول الاستعمارية منها بريطانيا التي كانت تحتل دولا عربية منها فلسطين وأيضا جنوب اليمن , ومع بداية ظهور حركات التحرر العربي من الاستعمار آنذاك سعت بريطانيا إلى حماية نفوذها في المنطقة بشكل آخر
وهو ما تمثل بتسليم فلسطين لليهود عبر وعد بلفور المشؤوم عام 1948م الذي منذ تـاريخه وضعت بريطانيا شكلاً جديداً للاحتلال قائما على الاعتماد على “الوكلاء” سواء بزرع كيانات داخلية كالكيان الإسرائيلي وليس فقط الاستعمار المباشر وهذا ما اتضح جلياً مؤخراً فيما يحدث بجنوب اليمن بداية من الاحتلال وصولاً إلى سعي الكيان مؤخراً بمعية دويلة الإمارات لفصل جنوب اليمن عن شماله.
جيواستراتيجية اليمن في المنطقة
يتمتع اليمن بموقع استراتيجي مميز حيث يطل على أهم طرق الملاحة البحرية التي تمر عبر (البحر الأحمر – البحر العربي – خليج عدن) بالإضافة إلى إشرافه على باب المندب ويبلغ طول الشريط الساحلي لليمن 2500 كم , يبدأ من البحر الأحمر مروراً بخليج عدن وصولاً إلى البحر العربي المطل على المحيط الهندي ,
هذه المساحة البحرية الجيواستراتيجية تمكن اليمن من التحكم بأهم مضيق في البحر الأحمر هو ” مضيق باب المندب ” الذي يعتبر مفتاح البحر الأحمر من جهة الجنوب , وهمزة الوصل بين شرق العالم وغربه وتمر منه سنوياً ما يقارب 125 الف سفينة ومنه تعبر خطوط إمداد النفط التي تصل إلى أربعة ملايين برميل يومياً , لذا يمثل باب المندب 38 % من النشاط الملاحي البحري العالمي .
وقد زادت أهمية المضيق بالنسبة لأوروبا بعد حفر قناة السويس ، لذلك حرص الكيان الصهيوني على إنشاء قواعد عسكرية استخباراتية بالقرب منه ,بالإضافة إلى الموانئ والجزر التي تقع ضمن نطاق الجغرافية اليمنية, حيث لليمن اكثر من 20 ميناء تتوزع من ساحل الحديدة إلى المكلا منها موانئ الصليف والحديدة والمخأ وعدن والمكلا ونشطون و ثلاثة موانئ نفطية هي ( ميناء الشحر – ميناء بلحاف – ميناء رأس عيسى) إلا أن ” ميناء عدن” جنوب اليمن الواقع مؤخرا تحت الاحتلال الإماراتي يصنف بأنه من بين افضل 5 موانئ طبيعية في العالم.
كما يمتلك اليمن عددا كبيرا من الجزر يصل عددها إلى 216 جزيرة بحسب الجهاز المركزي للإحصاء تتوزع على ثلاثة قطاعات رئيسية هي (البحر الأحمر –البحر العربي –خليج عدن) جميعها تتميز إما بالموقع الاستراتيجي أو الثروات النفطية أو التفرد بالطبيعة والنباتات والأشجار النادرة أو جميع ما سبق كجزيرة سقطرة وتمثل كثير منها أهمية في سياسة كيان العدو الصهيوني من نواح أمنية وعسكرية اقتصادية منها جزيرة ميون التي تقع في قلب باب المندب ,
وأيضا جزيرة حنيش الكبرى التي بحكم موقعها تتحكم في خطوط الملاحة الرئيسية وجزيرة زقر التي تقع فيها اعلى قمة جبلية في البحر الأحمر يصل ارتفاعها إلى 624 متراً عن سطح البحر أي يسهل من خلالها مراقبة الحركة الملاحية في البحر الأحمر.
أما جزيرة سُقطرى المسماة بـ “درة التاج” فتعتبر ملكة الجزر في البحر العربي لتفردها بالموقع الجيواستراتيجي والثروات المعدنية والنباتية والبيئية وتبلغ مساحتها 3600 كم مربع فهي تشرف على طرق الملاحة البحرية المارة من أمام رأس جورد موي على ساحل الصومال والمحيط الهندي, بالإضافة إلى الطريق البحري إلى رأس الرجاء الصالح وشبه القارة الهندية وشرق آسيا,
وهي بذلك تعتبر نقطة إسناد عسكرية قوية لظهير باب المندب من الناحية الجنوبية, لذا فهي تشكل أهمية استراتيجية بالنسبة لكيان العدو حيث أن وجوده فيها يعزز قدرته الاستخباراتية لصالح دول أخرى كبريطانيا والولايات المتحدة .
مطامع الكيان الصهيوني في الجنوب اليمني
بعد عقد ونيف من وعد بلفور تحرك اليمن شمالاً وجنوباً ضد الاحتلال البريطاني آنذاك وطرد آخر جندي له في الـ 30 نوفمبر 1967م, في المقابل تحرك كيان العدو عام 1970م ليجد لنفسه موضع قدم في البحر الأحمر وتحديداً في جزيرة ” حالب ” الإرتيرية القريبة من باب المندب, مما يؤكد أن الكيان الصهيوني يواصل العمل على تنفيذ الأجندة الاستعمارية للدول الغربية خاصة بريطانيا في المنطقة العربية وبالأخص في جنوب اليمن.
ومن هذه الأجندة سعي الكيان للهيمنة على البحر الأحمر لمعالجة مخاوفه وتعزيز مطامعه، ولعل تقسيم اليمن إلى عدة دويلات يخدم الأجندة الصهيونية، ويخشى قادة الكيان الإسرائيلي من وصول نظام وطني إلى السلطة في اليمن، هذه المخاوف أكدها نتنياهو رئيس وزراء كيان العدو بعد ثورة الـ 21 من سبتمبر 2014م عندما خرج محذراً من خطورة وصول ” الحوثيين ” حسب وصفه إلى باب المندب , وهو ما أشار محللون سياسيون إلى أن إسرائيل عبرت مبكراً عن هواجس ومخاوف من صعود دولة عربية جديدة إلى خط الصراع الأول مع كيان العدو .
حالياً مع تعاظم قوة الجيش واللجان الشعبية وتغيير المعادلات العسكرية على اكثر من جبهة شكل ذلك عامل تهديد للكيان الصهيوني في المنطقة خاصة في البحر الأحمر وزيادة فرصة دعم محور المقاومة في المنطقة ككل ,في المقابل سعى العدو الصهيوني لبناء علاقات مع القوى الانفصالية في الجنوب حيث تمثل هذه القوى بالنسبة للعدو ورقة يمكن من خلالها تشطير اليمن والتمركز في الجنوب أو الجنوب الغربي وبذلك يتحول الوضع من تهديد لأمن الكيان إلى فرصة للتوسع والاستيطان وقد لعبت قوى العدوان دوراً في خلق هذه العلاقة مع الكيانات الانفصالية .
القلق الإسرائيلي وهاجس زيادة قوة محور المقاومة والذي يعتبر تهديداً واقعياً على الكيان يمثل احد اهم أسباب استغلال إسرائيل العدوان الأمريكي السعودي على اليمن وحالة الانقسام التي تعيشها المحافظات الجنوبية لدعم وجودها العسكري في البحر الأحمر وقطع خطوط الاتصال بين دول المحور.
الجنوب.. من الاحتلال إلى الترحيب بالتطبيع
تزداد إسرائيل قوة مع كل انقسام وحرب في المنطقة وتسعى دائما لاستغلال كل الأحداث لتحقيق مصالحها وتثبيت وجودها وتنفيذ مخططاتها وأجنداتها من خلال وكيلتها الإمارات التي تقوم بتنفيذ تلك الأجندات والسيناريوهات مطبقة سياسة “فرِّق تسد” البريطانية اليهودية منها ما يحدث في اليمن خاصة في الجنوب من خلال مخطط تقسيمه وتشتيت القوى الوطنية المضادة لها , يؤكد ذلك ما كشفته صحيفة إسرائيل توداي العبرية عن وجود علاقات سرية بين المجلس الانفصالي الجنوبي الكيان الصهيوني.
بالإضافة إلى أن المجلس الانتقالي في الجنوب تبنى دعم فكرة أن تكون هناك علاقات تربط بين الطرفين وفق ما جاء على لسان بعض قياداته الذين صرحوا بأنه ” من الممكن أن يكون للمجلس علاقات مع الكيان الإسرائيلي ما دام ذلك يخدم أجنداتهم ومصالحهم وقد تجسدت هذه العلاقات بعد احتلال قوى العدوان لجزيرة سقطرى وما تلاها من تنسيق مع دولة الكيان، من خلال إقامة مراكز عسكرية للتجسس في الجزيرة بمشاركة الإمارات وكيان العدو ” .
الهرولة نحو التطبيع
تعمل السعودية والإمارات بكل جد في الضغط على الدول العربية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بكافة الوسائل سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً كما يحدث في جنوب اليمن، فخلال السنوات الماضية عملت الإمارات في الجنوب على إنشاء مكونات سياسية مختلفة تتصارع فيما بينها وخلقت ما يسمى بالمجلس الانتقالي والذي من خلاله أيضا تسعى الإمارات تدريجياً للدفع باليمن نحو الانفصال وإلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وقد اتضح ذلك جلياً في مواقف قيادات هذا المجلس من كيان العدو وكذلك إزاء تطبيع الإمارات مع إسرائيل،
وفي ذلك يتحدث السفير عبدالاله حجر مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى لشؤون العلاقات الدبلوماسية لـ” الثورة” قائلاً : في حقيقة الأمر عندما يرتهن أي مكون لدولة احتلال فلا غرابة أن ينهج نهجها ” حيث يرى حجر أن الانتقالي رضي بتسليم مقاليد الجنوب لدويلة الإمارات وباحتلالها للجزر اليمنية وجزيرة سقطرى والتحكم في إدارة عدن .
مضيفاً ” أن الإمارات أعلنت عن العلاقة بينها وإسرائيل بعد أن كانت سرية لفترة طويلة , لذا فمن المؤكد أن الانتقالي سيهرول لإرضاء حكام الإمارات ” ويرى حجر أن ما تسمى بالشرعية أيضاً ستهرول للتطبيع مع الكيان حال إعلان السعودية أولاً بذلك .
غضب الجنوب
بالرغم من كل ما تبذله الإمارات لنسج العلاقات بين المكونات الانفصالية في جنوب اليمن ممثلاً بما يدعى المجلس الانتقالي مع الكيان الصهيوني إلا أن الشارع اليمن الجنوبي يبدي موقف الرفض القاطع لأي نوع من العلاقات مع كيان العدو معلناً تمسكه بالقضية الأم ” القضية الفلسطينية ..
ففي تصريح لـ”الثورة” يقول سمير المسني عضو المكتب التنفيذي لملتقى التسامح والتصالح الجنوبي: إن أداة الإمارات المتمثلة في المجلس الانتقالي لم تعد تمثل تطلعات المواطنين في الجنوب وان أطروحاته لم تعد تؤثر في وعي الناس الذي بدأ يتنامى يومياً لدى أوساط الشارع الجنوبي , مضيفاً أن الانتقالي مارس أساليب ممنهجة لحرف الفكر الثوري الأمر الذي سوف ينعكس سلباً على سياسة الإمارات والانتقالي .
ويرى المسني أن حالة السخط الشعبي والتظاهرات الشبه يومية ضد السياسات الهوجاء التي تمارسها الإمارات بأداتها الانتقالي في الجنوب هي مؤشرات واضحة على اقتراب موعد سقوط هذا الفصيل غير الوطني , بالتالي سقوط المخطط والسيناريو المرسوم له من قبل أسياده في الإمارات ما يؤكد أن الجانب الشعبي لن ينجر نحو التطبيع باي حال من الأحوال .
ختاماً يمكن القول إنه لا سبيل للخلاص من هذا الكيان إلا بالتحرك الجاد والموحد ضده بكافة الوسائل وعلى رأسها التوعية ،فالمجتمعات العربية تدرك مخاطر هذا الكيان الذي يحاول التغلغل في أوطانها من خلال حكومات العمالة في معظم الدول العربية ليتسنى له التحكم بمصائر الشعوب العربية ,
لذا فالمعركة القادمة معه تتطلب رفع مستوى الوعي المجتمعي في اليمن وفي المنطقة العربية بشكل عام بالتزامن مع التخطيط المدروس لما تتطلبه المرحلة القادمة ومن خلال تعزيز العلاقات ما بين اليمن ودول محور المقاومة في كل المجالات.
صحيفة الثورة