المشهد اليمني الأول/
عبر تاريخ البشرية ثمة حقب زمنية تكتسب أهمية كبرى لما تشهده في غالب الأحيان من قلق وخوف. وعادة ما تشهد تلك الحقب نهاية حرب أو بداية ثورة تتخلل حركة الانتقال من مرحلة تاريخية إلى أخرى.
هكذا استهل زاني منتون بِدوس رئيس تحرير مجلة إيكونوميست البريطانية، مقاله حول توقعاته لعام 2021، تساءل فيه عن القوى التي ستعيد صياغة العالم بعد جائحة فيروس كورونا “كوفيد-19”.
يقول بدوس إن هزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة تمثل نهاية “واحدة من أكثر الرئاسيات إثارة للانقسام والضرر في التاريخ الأميركي”.
ويضيف أن جائحة تفشٍ مرة في كل 100 عام أوجدت فرصة لإعادة ضبط الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تضاهي “الحقبة التقدمية”، وهي فترة من النشاط الاجتماعي والإصلاح السياسي امتدت على نطاق واسع في جميع أنحاء الولايات المتحدة من عشرينيات القرن العشرين وحتى الستينيات منه.
ويبقى السؤال الكبير -في نظره- ما إذا كانت لدى السياسيين الجرأة الكافية لانتهاز تلك الفرصة خلال عام 2021.
إن “كوفيد-19” -وفقا لكاتب المقال في مجلة الإيكونوميست- لم يضرب الاقتصاد العالمي وحده، بل غيّر مسار 3 من القوى الكبرى التي تصوغ العالم الحديث. “فالعولمة تقلصت، والثورة الرقمية تسارعت وتيرتها، والتنافس على الصعيد الجيوسياسي بين أميركا والصين اشتد أواره”.
وفي الوقت نفسه، فاقمت الجائحة الظلم وعدم المساواة، وهما أعظم بلايا هذا الزمان. ومع تلك الحالة لم يعد هناك مجال للعودة إلى عالم ما قبل “كوفيد-19”.
ويرى بِدوس أن عالم ما بعد “كوفيد-19” سيصبح أكثر رقمية. فمن العمل عن بُعد إلى التسوق عبر الإنترنت، استطاعت الجائحة أن تختزل سنوات من التحول إلى شهور رافقها تغير مفاجئ في نمط حياة الناس، وتحديدا في تسوقهم ومكان عملهم.
ومن بين المنتفعين من هذه “النوبة من التدمير الخلاّق” -كما يصفها رئيس تحرير المجلة البريطانية، في إشارة إلى جائحة كورونا- شركات التكنولوجيا العملاقة (التي زادت أرباحها وأسعار أسهمها بشكل حاد) والشركات الكبرى التي تمتلك ثروة هائلة من البيانات والمعلومات وإمكانيات مالية كبيرة استثمرتها في التحول الرقمي.
ورغم أن نطاق العولمة سيظل قاصرا على السلع والبضائع ورؤوس الأموال العابرة للحدود، فإن تنقل البشر سيقل. ثم إن الدول الآسيوية التي تمكّنت من السيطرة على الفيروس بشكل فعّال، هي التي ستُحكم إغلاق حدودها. كما أن تجاربها مع الجائحة ستشكل سياسات الدول الأخرى.
ويمضي الكاتب في توقعاته لعام 2021 إلى القول إن إغلاق الدول لحدودها وفرضها إجراءات الحجر الصحي على سكانها ستظل سارية إلى ما بعد انجلاء الأعباء الناجمة عن “كوفيد-19”.
وحتى بعد استئناف حركة السياحة، فإن الهجرة ستزداد صعوبة، وهو ما سيؤثر سلبا على مستقبل الدول الفقيرة التي تعتمد على تحويلات مواطنيها العاملين بالخارج، مما يفاقم الأضرار التي تحدثها الجائحة نفسها.
وستدار التجارة الدولية -يقول بدوس- على خلفية جيوسياسية يغلب عليها التشاؤم. وستنجلي النزعة التجارية “المتذبذبة” لترامب، إلا أن ارتياب أميركا من الصين لن يتلاشى بمغادرة “رجل التعريفة الجمركية”، كما يصف الرئيس الأميركي نفسه.
وسيتواصل انقسام العالم الرقمي وسلاسل الإمدادات إلى قسمين، أحدهما تهيمن عليه الصين والثاني تقوده أميركا. ولن يكون التنافس الصيني الأميركي هو الوحيد الذي سيكون له تأثيره على العولمة. فهناك حكومات من أوروبا إلى الهند ستعيد تحديد نطاق الصناعات الإستراتيجية التي تستوجب الحماية.
كل ذلك -بحسب مقال إيكونوميست- سيجعل الاقتصاد العالمي منقسما ومتضائلا، وستظل الفجوة بين قوة الصين وضعف الآخرين جلية. فاقتصاد الصين هو الوحيد الذي حقق نموا في عام 2020، وسيتجاوز معدل نموه 7% في عام 2021 أسرع بكثير من وتيرة تعافي الاقتصادات في أوروبا وأميركا.
وبحسب بِدوس، ستكون الفوارق بين الصين والغرب شديدة الوضوح. فأميركا ستدخل العام الجديد بنمو متذبذب غير ثابت، ولا يقتصر السبب في ذلك على إخفاقها في المصادقة على حزمة تحفيز في الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب.
أما اقتصادات أوروبا فسيطول ركودها في ظل برامج تسريح الموظفين مؤقتا. وعلى جانبي المحيط الأطلنطي، سيصبح تباين تأثير “كوفيد-19” أكثر وضوحا، “فالدول الأكثر هشاشة هي التي سيضربها الفيروس بشدة، وسيتركز فقدان الوظائف على شرائح العاملين الأقل مهارة، وسيضر انقطاع الدراسة بمستقبل أطفال الأسر الفقيرة أكثر من غيرهم”.
ويواصل كاتب المقال في مجلة الإيكونوميست رسم صورة للعالم في عام 2021، فيقول إن الغضب الشعبي سيتعاظم، ولا سيما في أميركا التي ستلج العام الجديد وهي أشد انقساما.
غير أنه يرى ثمة بارقة أمل في أميركا بعد أن يعتلي جو بايدن سدة الرئاسة في واشنطن، واصفا إياه بأنه الشخص المناسب. وأشار إلى أن للرئيس المنتخب برنامجا سياسيا طموحا، فعلى صعيد السياسة الخارجية سيعمل بايدن على ترميم العلاقات مع دول العالم وسيعيد تأكيد القيم الأميركية ودور الولايات المتحدة في الساحة الدولية.
وتابع بدوس القول إن بايدن سيعيد أميركا إلى اتفاقية باريس للتغير المناخي، وسيُبقي على عضوية بلاده في منظمة الصحة العالمية، وسينضم إلى آلية العمل من أجل إتاحة لقاحات “كوفيد-19” على الصعيد العالمي بشكل منصف.
كما أن أميركا ستظل في عهد بايدن قلقة من التهديد الذي يشكله صعود الصين عالميا، وذلك من خلال تركيزه على بناء تحالف متعدد الأطراف لمواجهتها.
وخلص بدوس إلى التأكيد على وجود فرصة لإقامة نظام عالمي جديد تقوده الولايات المتحدة، ويقوم على ربط الديمقراطيات الآسيوية بالتحالف الغربي في مواجهة الصين.
وسيبقى السؤال حول ما إذا كان بايدن سيغتنم هذه الفرصة أم لا؟، حسب “الجزيرة نت”