المشهد اليمني الأول/
تعصف بالمحافظات الجنوبية والشرقية جملة من الصراعات السياسية والمناطقية والمذهبية، منذ حوالي خمس سنوات، حين وضع المحتلون أقدامهم في هذه المحافظات اليمنية.
حيث تعتقد الفصائل المناوئة لما يسمى بالمجلس الانتقالي أن المجلس يعمل من أجل احتكار العمل السياسي والادعاء أنه المكون السياسي الأوحد الذي يمثل المحافظات الجنوبية والشرقية بدعم من المحتل الإماراتي، بينما يرى المجلس الانتقالي أنه هو المسيطر على الوضع في عدن وبالتالي من حقه الادعاء بتمثيل هذه المحافظات،
إلى جانب رؤية الحراك الذي يرى أنه الأقدم بطرح القضية الجنوبية، وبالتالي من حقه تمثيل هذه المحافظات وذلك في صراع عبثي هدفه التقزيم والتفتيت والتشرذم الذي يضر أبناء هذه المحافظات أكثر مما يخدمهم، علاوة على إضراره باليمن بشكل عام.
صراع سياسي مذهبي
هذه الصراعات بين المكونات السياسية المختلفة يغذيها وينميها المحتل الأجنبي بهدف زعزعة الأوضاع في هذه المحافظات، حيث يعتبر المحتل استقرار الأوضاع والالتفاف حول رؤية وطنية موحدة، ضد مصالحه..
وعدم الاستقرار السياسي والأمني هو المسيطر منذ خمس سنوات في هذه المحافظات الذي يأتي علاوة على تلك الصراعات المذهبية التي راح ضحيتها مئات الضحايا بين مكون الإخوان المسلمين بما يسمى الإصلاح والتيار السلفي، حيث شهدت هذه المحافظات جملة من الصراعات والاغتيالات التي تعصف بأبناء هذه المحافظات في خلافات وصلت إلى إزهاق أرواح الكثير من الناشطين الشباب وخطباء وأئمة الجوامع.
تدمير معالم إسلامية
علاوة على ذلك سيطرة السلفيين والتكفيريين والإصلاح على بعض المناطق في فترات مختلفة ما أدى إلى صراعات حادة في هذه المناطق وهدم وتدمير معالم وقبب وأضرحة ..
وكان من بين تلك الأعمال هدم مسجد تاريخي في طريق العيدروس بحي كريتر في نوفمبر2015 كان يسمى مسجد الخوجة أو مسجد الحسيني فيما بعد، عملية الهدم التي قامت بها عناصر القاعدة كانت استكمالا للعملية التي بدأها طيران العدوان السعودي، حين شن غارة جوية على المسجد قبل أشهر من عملية القاعدة التي استخدمت بها الجرافات على مرأى السلطات التي تسيطر على المدينة ..
هدم مسجد الخوجة كان ضمن حملة لتهديم الأضرحة والقباب والمساجد التاريخية في حضرموت ولحج، حيث أقدم مسلحون في سبتمبر 2015 على اقتحام زاوية الطريق الأحمدية بالشيخ عثمان، وفي 4 سبتمبر من ذات العام جرى تحطيم ضريح رجل الدين الحبيب محمد علوي الشاطري في حي المعلا بعدن، وفي محافظة لحج تم تدمير أهم معلم إسلامي بالمحافظة وهو مسجد وضريح العالم الجليل سفيان بن عبدالله في حوطة لحج في يناير 2015 والذي يعود تاريخه إلى ما قبل 800عام .
كما شملت الحملة تفجير عدد من القباب والأضرحة في مديريات لحج والضالع.. ومحافظة تعز هي الأخرى شملتها الحملة وكان أبرزها تفجير مسجد وضريح العالم الجليل عبد الهادي السودي في الحي القديم بمدينة تعز في يوليو2016.
صراع مناطقي
ولم يكتف المحتلون بذلك وحسب بل غذوا الصراعات المناطقية فدعموا أبناء مناطق ضد أبناء مناطق أخرى وكونوا تيارات ومكونات مناطقية من ذلك ما يسمى بـ”مثلث الدوم” الذي يعني سيطرة أبناء الضالع ويافع وردفان على الأوضاع في المحافظات الجنوبية وسقطرى، وتهميش أبناء بقية المحافظات وخصوصا أبناء عدن التي سيطر أبناء الضالع على الأوضاع فيها فنشأت صراعات دامية بين أبناء المناطق بما في ذلك الصبيحة الذين هم من محافظة لحج .
مثلث الدوم
وفي إطار الصراع السياسي برزت مصطلحات تعبر عن السخرية من هيمنة بعض المناطق على القرار السياسي في الجنوب، منها مصطلح “مثلث الدوم” وكلمة الدوم تعني في بعض مناطق اليمن “البعار” بضم الباء، وهي عبارة عن حبوب كروية تنتجها أشجار السدر “العلب” التي تتغذى منها النحل لتنتج العسل .
وهم هنا يسخرون من أبناء مناطق كانت فقيرة وأصبحوا يسيطرون على القرار السياسي في الجنوب، ولذلك فمثلث الدوم مقصود به مناطق الضالع ويافع وردفان التي كونت الإمارات منها الأحزمة الأمنية وسيطرت على عدن وهمشت بقية المناطق.
إلى جانب تكوين نخب عسكرية في المحافظات تخدم توجه وفلسفة المحتلين مثل النخب الشبوانية والحضرمية والأحزمة الأمنية التي تعمل ضد أبناء هذه المحافظات ولم تستطع توفير الأمن والاستقرار ولا الخدمات وخصوصا خدمات الكهرباء والمياه والتعليم والصحة وغيرها بل ذهب ضحيتها المئات من أبناء هذه المحافظات
وتحفز مناعة المشاريع الضيقة، التي تحاول تفتيت التراب الواحد، وضرب النسيج الاجتماعي للأمة، وتهدد مناعة الدولة، من خلال حقنها بالميكروبات المناطقية، وتطعيمها بثقافات عنصرية وتشطيرية ومليشيات انفصالية.
ثقافة الحقد والكراهية
وباء مصطنع من قبل بعض الدول الاستكبارية في منظومة التحالف، سعت إلى خلخلة وتفكيك المجتمع اليمني، من خلال اللعب على ثنائيات المناطقية، للوصول إلى مبتغاها التوسعي الذي يسير بالتوازي مع القضاء على مناعة الدولة اليمنية وتفتيت ترابها الواحد، هذا الوباء الذي بدأ بالتفشي بشكل مخيف خلال سنوات الحرب، نتيجة انحراف بوصلة التحالف العربي، الغارقة في مستنقع الحرب باليمن.
هو السلوك المارق الذي نهجه التحالف العربي، وخاصة الشريك الثاني “الإمارات”، خلال سنوات الحرب، وتسبب بمضاعفات وجودية منعها من إنتاج الأجسام المضادة التي تكافح، هذه النعرات المناطقية والعنصرية قبل استفحالها، في إذكاء مبتكر للصراع في البلاد المنهك- يقول البعض.
فريق آخر يرى أن ثقافة الحقد والكراهية والنعرات العصبوية، التي تمارسها أبوظبي، عبر حلفائها في مايعرف بالانتقالي الجنوبي، حاملة في مضامينها وأهدافها معاول هدم، لتفتيت النسيج الاجتماعي والكيان الوطني، في أثواب جديدة باختلاف شعاراتها وأدواتها ودوافعها، ستقود حتما إلى تكرار سيناريو مشابه لمذبحة 1986، بين رفقاء الحزب الاشتراكي آنذاك، أو ما يعرف بصراع، “الطُّغمة” و”الزمرة”.
اغتيالات مناطقية
تنامت هذه الثقافة المحدثة بدعم إماراتي، في عدن، وبعض المحافظات الجنوبية، عقب الفشل الذريع الذي مني به اتفاق الرياض ، وبالتزامن مع احتدام الصراع بين قوات المستقيل هادي ومليشيا الانتقالي التي بدأ يتقلص مؤشر نفوذها العسكري في محافظات أبين جنوب البلاد، الأمر الذي أسفر عن تصاعد حدة التوتر بين قادة المليشيا المدعومة من حكومة أبوظبي.
الحراك المناطقي الذي يقوده حلفاء الإمارات في محافظة عدن، وصل إلى ذروته مع تصاعد مخيف لعمليات الاغتيالات المناطقية، وتنامي الرفض الشعبي في المحافظات الجنوبية والشرقية لمليشيات الانتقالي الجنوبي ومشروع الانفصال الذي تبناه.
ويتهم ناشطون سياسيون من أبناء عدن، دولة الإمارات، بأنها تعمل باتجاه إحياء وإشعال النزعات المناطقية والعنصرية بين أبناء الجنوب، مؤكدين أن أبو ظبي تدعم أبناء الضالع ويافع، الذين يحتويهم المجلس الانتقالي ضد أبناء مدينة عدن الذين ينشدون السلام، مشيرين إلى أن قيادات المجلس الانتقالي سواء السياسية أو العسكرية أصبحت تنكر على أبناء عدن وبعض المحافظات الجنوبية الأخرى، انتماءهم لليمن بشكل عام وللجنوب بشكل خاص.
إن سيناريوهات المناطقية التي باتت تعصف بالمحافظات الجنوبية, وترتد إلى صدر ما يعرف بالانتقالي الجنوبي، الذي يشرب من ذات الكأس الخطير الذي استخدمه ولعب بناره وبنى عليه مشروعه بدعم من أبوظبي، ما لبث أن امتد إلى أعلى هرم هذا المجلس الانفصالي.
صراع فئوي
بحسب خبراء في الشأن اليمني، فإن الصراع المناطقي بين قادة الانتقالي الجنوبي، تجاوز إطاره العام بعد أن وصلت حد المواجهات بين فصائل مليشيا المجلس الانتقالي نفسها، وآخرها ما حدث من مواجهات عنيفة بين مليشيا الحزام الأمني في مديرية كريتر بعدن، التي يقودها “إمام النوبي”، إحدى القيادات السلفية، ومليشيا العاصفة بقيادة “أوسان العنشلي”، وكلاهما من الفصائل التي أنشأتها وسلحتها الإمارات وأتبعتها بالمجلس الانتقالي، الأداة الأبرز لتنفيذ أجندتها في المحافظات الجنوبية
مصادر إخبارية نقلت عن النوبي، أنه تلقى تهديدا من قوات ما يسمى بالعاصفة التي يقودها “أوسان العنشلي”، بالتصفية الجسدية هو وقواته إذا لم يخرج من عدن ويتوجه بقواته إلى أبين.
وأكد النوبي أنه سيبقى مع قواته داخل عدن رغم تهديدات مليشيا العنشلي، وأنه لن يخرج إلى أي مكان، مشددا على ما أسماه حق الدفاع عن النفس، الأمر الذي عده مراقبون مؤشرا على عودة المواجهات بين القوتين، مشيرين إلى أن أبناء كريتر هم المتضرر الأول مما سيحدث من عنف.
تصريحات النوبي جاءت بعد يوم على مواجهات وصفت بأنها حرب شوارع دارت في مديرية كريتر، بين مليشيا الحزام الأمني التي يقودها النوبي وقوات العاصفة بقيادة العنشلي، المقرب من “عيدروس الزبيدي”، رئيس مايعرف بالمجلس الانتقالي.
وعلى صعيد متصل كشفت مصادر عسكرية ، أن ما يعرف بالانتقالي الجنوبي يحاول إضفاء الصراع المناطقي عقب الخسائر العسكرية الكبيرة التي تكبدها في محافظة أبين.
وكان بعض قيادات مليشيا الانتقالي المحسوبة على محافظة الضالع، قد حملت قائد مليشياتها في أبين “عبد اللطيف السيد”، مسؤولية هذه الخسائر، واتهامه بالخيانة والتواطؤ ، فقط لأنه من محافظة أبين.
وفي أواخر العام الماضي، عصفت بقيادات المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، موجة استقالات جماعية وفردية على خلفيات مناطقية.
وبحسب تقارير صحفية، فإن من ضمن الأسباب الرئيسية التي عصفت بقيادات المجلس الانتقالي، تعود للمناطقية المتعمدة والتناقض و إصرار الأخير على التفرد في تمثيل القضية الجنوبية، ورفضه التعاطي مع غيره من المكونات الجنوبية الأخرى، التي سبقته بسنوات طوال في الميدان.
الاستقالات الجماعية لقيادات الانتقالي، دشنت من محافظة شبوة، الأمر الذي دفع رئيس ما يعرف بالانتقالي الجنوبي “عيدروس الزبيدي” لتوجيه اتهامات لقيادات الانتقالي بشبوة, بالخيانة والتآمر لإسقاط المحافظة.
الاتهامات المناطقية الصادرة عن عيدروس لم تكن الأولى فقد سبق وأن وجه إعلام الانتقالي وناشطوه ذات الاتهامات لقيادات الانتقالي بشبوة بمختلف انتماءاتها, مع استذكار حرب يناير الأسود 1986م التي اتهموها بارتكاب المجازر بحق الجنوبيين, وبيع الجنوب.
وفي لحج برزت قبائل الصبيحة في المحافظة كرأس حربة في معركة مفتوحة ضد مليشيا الانتقالي الجنوبي، بعد سلسلة من الحملات القمعية التي تعرض لها منتمون لتلك القبائل المعروفة بشراستها على أسس مناطقية، من قبل تلك المليشيا المدعومة إماراتيا.
وشهدت مدينة عدن والمدن المجاورة لها تصاعدا في وتيرة المواجهات المناطقية، بين مليشيا ما تسمى “الحزام الأمني” المدعومة من دولة الإمارات والتي يهيمن عليها أقرباء “عيدروس الزبيدي” التابع لمحافظة الضالع، وقبائل الصبيحة التابعة لمحافظة لحج جنوب البلاد، التي ينضوي معظم أفرادها في قوات العمالقة.
وتتهم قبائل لحج قيادات المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات، بجر الجنوب إلى مربع الاقتتال والصراع المناطقي من خلال عمليات الاقتحامات والاعتقالات والقتل المتعمد من قبل المليشيا المدعومة إماراتيا، محملة إياه تبعات هذه الممارسات المناطقية.
صراع قبلي
وتؤكد مصادر قبلية في محافظة لحج، رفضها القاطع لممارسات الانتقالي المتمثلة بتحويل الصراع السياسي إلى صراع قبلي ومناطقي قائم على الهوية القبلية والعرقية.
في خضم ذلك، أعلن الانتقالي الجنوبي ، ما أسموه بـ “حكما ذاتيا”، فيما رفضت محافظة حضرموت وشبوة والمهرة وأبين وسقطرى ولحج، إعلان حلفاء الإمارات مصنفين الإعلان التصعيدي من قبل الانتقالي، بالخطوة التي تعزز المناطقية في الجنوب اليمني.
وعبرت في بيان لها عن رفضها ادعاء المجلس الانتقالي تمثيل أبناء الجنوب. وأشارت إلى أن “خطوة الانتقالي تمثل محاولة جر اليمن إلى مزيد من الفوضى والعنف والتمزق والشتات”.
إلى ذلك يتضح مما سبق، أن حلفاء الإمارات “الانتقالي الجنوبي” يحاولون، الترويج لأنفسهم بأنهم “مركز مقدس”، يحتكر السلطة السياسية والعسكرية، في تمثيل القضية الجنوبية.
وقد سعى الانتقالي منذ تأسيسه منتصف عام 2017، على أن يكون الكيان الأوحد، متجاهلا غيره من المكونات الجنوبية، وهو ما جعل تلك المكونات تسعى لتوحيد جهودها ردا على هذا التهميش.
سلوك المحتلين
ولكن من المنظور الاجتماعي الشعبي، فإن الإمارات والسعودية تمارسان سلوكًا احتلاليًّا، لكن بأسلوبين مختلفين؛ فأبوظبي تمارس الاحتلال الخشن بالتخريب والعداء المعلن لوحدة اليمن وسلامة أراضيه، بينما تمارس الرياض الاحتلال الناعم القابل للإنكار والتكذيب، وإبقاء نفسها في الوعي العام على أنها دولة صديقة يمكن الاعتماد عليها في إنقاذ اليمن، بينما الواقع يقول غير ذلك.
يتجسَّد هذا السلوك الاحتلالي في نشر السعودية والإمارات قواتهما على الأرض بعيدًا عن مناطق المواجهات “المهرة-سقطرى”، وممارسة سياسة السيطرة والتحكم بالقرار العسكري عن طريق السماح بتحريك الجبهات وقتما يشاءان وعدم تحريكها حينما يريدان، أو بالتدخل السياسي المباشر من خلال: التعيين والعزل.
وقد تقاسمت السعودية والإمارات توزيع المهام والنفوذ على الجغرافية اليمنية، فالسعودية دخلت بقواتها إلى الأراضي اليمنية الحدودية في المحافظات الشرقية والشمالية، مثل: المهرة، حضرموت، شبوة، الجوف، وصعدة، وهي موضع أطماع السعودية، باعتبارها مناطق نفوذ تخصُّها ولا تقبل منازعتها فيها.
_____-
صحيفة الثورة