المشهد اليمني الأول/
قمة ثلاثية أردنية إماراتية بحرينية مُفاجئة في أبوظبي.. لماذا غابت مِصر والسعوديّة عنها إذا كانت لبحث التطوّرات في المِنطقة والقضيّة الفِلسطينيّة؟ وهل لها عُلاقة بالتّسريبات المُتزايدة حول عزم ترامب توجيه ضربات للمُنشآت النوويّة الإيرانيّة؟ وكيف يكون نِتنياهو الحاضِر الغائِب؟
تثير القمة الثلاثية التي استضافتها أبوظبي اليوم الأربعاء بدَعوةٍ من الشيخ محمد بن زايد، وليّ عهد أبو ظبي، وبحُضور العاهِلين الأردني عبد الله الثاني، والبحريني حمد بن عيسى آل خليفة العديد من علامات الاستِفهام ليس لأنّها جاءت مُفاجئةً وإنّما أيضًا لأنّها ربّما تُؤسّس لمحورٍ جديدٍ في المِنطَقة.
البيان الذي صدر عن الديوان الملكي الأردني قال إنّ هذه القمة ناقشت آخِر التطوّرات الإقليميّة والدوليّة وفي مُقدّمتها القضيّة الفِلسطينيّة، وهذه فقرةٌ تنطوي على الكثير من العُموميّة، ولا تشفي غليل أيّ مُراقب سياسي يُحاول أن يبحث عن الأسباب الحقيقيّة لعقدها.
وإذا افترضنا جدلًا أنّها ستبحث التطوّرات الإقليميّة والدوليّة والقضيّة الفِلسطينيّة، فلماذا تغيب عنها أهم دولتين في المِنطقة مِثل مِصر والمملكة العربيّة السعوديّة، ناهِيك عن السّلطة الفِلسطينيّة التي أعلنت بالأمس عودة عُلاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى سابِق عهدها بِما في ذلك استِئناف التّنسيق الأمني.
مِن المُفترض أن تكون العُلاقات بين الدّولة الدّاعية إلى هذه القمّة، أيّ الإمارات، مع كُل من مِصر والمملكة العربيّة السعوديّة في ذروة قوّتها، فالسعوديّة تُعتَبر شريكًا للإمارات في الحرب اليمنيّة، أمّا مِصر فيربطها بالإمارات والبحرين تحالفٌ استراتيجيٌّ ضدّ دولة قطر وحركة الإخوان المُسلمين، فلماذا تغيب الدّولتان عن هذه القمّة؟
بعض التّسريبات الإخباريّة تقول إنّ الدّول الثّلاث التي تلتقي على أرضيّة التّطبيع وتوقيع اتّفاقات سلام مع تل أبيب، تربطها عُلاقات قويّة مع إدارة الرئيس ترامب المهزوم في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، تُريد وضع “خطّة مُشتركة” حول كيفيّة التّعامل مع إدارة الرئيس جو بايدن القادمة على الصّعيدين الإقليمي والدّولي، خاصّةً أنّ هناك توقّعات بأن يحظى الاتّفاق النووي مع إيران الأولويّة القصوى لهذه الإدارة، وعودة التِزام الولايات المتحدة ببُنوده، مُجدَّدًا مثلما كان عليه الحال قبل انسِحاب إدارة ترامب منه، ممّا يعني رفع العُقوبات الاقتصاديّة عن إيران، وكَسر عُزلتها الدوليّة.
الأمر الآخَر الذي لا يَقِلّ أهميّةً هو احتِمالٌ غير مُستَبعدٌ، بأن تكون هذه القمة الثلاثية تأتي في إطار تحضير إدارة الحليف ترامب لضرباتٍ عسكريّةٍ تستهدف المُنشآت النوويّة الإيرانيّة في غُضون الشّهرين المُتبقّين من عُمر هذه الإدارة، فإيران تُشَكِّل العدوّ المُشترك للدّول الثّلاث.
إنّها قمة “غير عاديّة” من حيث توقيتها والأهداف التي تطمح إلى تحقيقها، وممّا يزيد غُموضها الطّابع “شِبه السرّي” لعَقدِها والتّقتير الشّديد في المَعلومات من قبل المسؤولين المُشاركين فيها، علاوةً على فترة انعِقادها الزمنيّة التي لم تَزِد عن بِضع ساعات، ممّا يعني أنّ هُناك رسالة مُهمّة لا يُمكن الكشف عن مضمونها إلا في الغُرف المُغلَقة، ووجهًا لوجهٍ بين القادة الثّلاثة.
الأمر المُؤكّد أنّ هُناك “طبخة ما” يَعكِف هؤلاء القادة على إعدادها أو الاطّلاع على تفاصيلها ويَصعُب علينا، وربّما غيرنا، التعرّف على عناصرها في ظِل حالة التّكتّم الشّديد، وليس أمامنا غير الانتِظار لمعرفة رُدود الفِعل من الدّول المعنيّة، خاصّةً المُستَبعدة منها، والجانِب الإسرائيلي الذي يُعتَبر الحاضِر الغائِب عنها.. واللُه أعلم.
افتتاحية “رأي اليوم”