المشهد اليمني الأول/
تُركّز الأوساط السعودية، ومنصّاتها هذه الأيّام، على مسألة التأكيد، على أنّ العلاقة التي تجمع المملكة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، هي علاقة قائمة مُنذ 75 عاماً، وهي علاقة إدارات مُتعاقبة، وليست علاقة أشخاص (دونالد ترامب)، وهذا التركيز يأتي في ظل وصول جو بايدن أو اقترابه من دخول البيت الأبيض، حيث الأخير كان صريحاً بخُصوص مواقفه المُتعلّقة بتعامله مع السعوديّة، حيث لا يُريد أن يبيعها أسلحة، ويرغب بوقف حربها على اليمن.
في ذات السياق المُتزامن، تستمر ألمانيا، وهي التي تُعوّل على عودة علاقاتها الجيّدة مع أمريكا بايدن، بقرار حظر بيع الأسلحة إلى السعوديّة (جرى تمديده ثلاث مرّات)، وبسبب حرب اليمن، وهو القرار الذي يبدو أنه يُزعج الحكومة السعودية، كما ودفعها لرد حاد غير مسبوق أخيرًا، ويطرح تساؤلات فيما إذا كانت ألمانيا ستُمدّد قرار الحظر هذا، حيث ينتهي موعد هذا الحظر 31 كانون الأوّل/ ديسمبر.
وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجيّة عادل الجبير، تصدّر الرد على قرار الحظر الألماني عبر الوكالة الألمانيّة (د ب أ)، وقال إنّ بلاده ليست بحاجة أسلحة ألمانيّة، وأكّد أنّ حظرها فكرة غير منطقيّة، وأنّ السعوديّة أضاف تستطيع أن تشتري الأسلحة من عدد من الدول، ولا تأثير لقرار ألمانيا على المملكة بحسبه، وأنّ بلاده من أكبر مُستورد للأسلحة في العالم.
لم يذكر الوزير الجبير، من هي الدول التي تستطيع بلاده شراء أسلحة كبديل عن ألمانيا، وقد تتّجه الولايات المتحدة الأمريكيّة هي الأخرى إلى فرض حظر على الشراء السعودي لأسلحتها، فالرئيس المُنتخب بايدن، قال إنه لن يُقدّم المصلحة السياسيّة على الإنسانيّة، وجاء تعليقه هذا، في معرض حديثه عن حرب اليمن، وجريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي،
وهو ما قد يعني وجود تحفّظ أمريكي وفقاً لتصريحاته على بيع السلاح من أساسه للسعوديّة، في ظل مشاريع أمريكيّة قائمة أساسًا لوقف بيعها السلاح، كما حصل مع إيران، بفارق أنّ الأخيرة تتطوّر على الصعيد التسليحي، لكن الأوساط السعوديّة تُؤكّد على وجود علاقة استراتيجيّة مع المملكة السعودية ، تمنع أمريكا التفكير بمنطق العُقوبات على بلادهم.
العربيّة السعوديّة، تتمسّك بمسألة دخولها إلى اليمن، من باب إعادة الشرعيّة لحُكومة هادي، وها هي تدخل عامها الخامس، ولا جديد يُذكر على صعيد هزيمة الحوثيين في صنعاء، رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان، أشار في مُقابلته الأخيرة إلى رغبة السعوديين الواضحة في اختيار خيار الحرب على اليمن، وفتح إيران بابها للمُفاوضات، وأكّد أنّ السعوديين رفضوا خِيار التفاوض، لكنّ السعودية تقول إنها حرب أُجبِرَت عليها، وعُنوانها استعادة الشرعيّة.
تصريحات الجبير ردًّا على الحظر الألماني، أخذت حيّزًا واسعاً من اهتمام النخب، والمنصّات، وتفاعل معها الأمير سطام بن خالد آل سعود، الذي اعتبر في تغريدات أنّ ردّ الوزير الجبير على قرار ألمانيا، “هو بمثابة رسالة للجميع” بأنه لا مجال لعمليّة ابتزاز سياسي، قد تقوم به بعض الدول على حساب الأمن القومي السعودي،
ولم يذكر الأمير من هي هذه الدول التي تقوم بالابتزاز، وفيما إذا كانت هذه الرسالة (رسالة الجبير) مُوجّهة أيضاً للولايات المتحدة الأمريكيّة، وإن كانت بلاده لا تحتاج أيضاً إلى السلاح الأمريكي، فالرئيس ترامب اعتاد أن يتحدّث على الملأ، بما دار بينه، وبين الملك سلمان، وطلبه الأموال منهم مُقابل الحماية، وغيرها من الأمور التي تعتبرها المُعارضة السعوديّة في الخارج مُهينةً لبلادهم.
واللافت في تصريحات الجبير المُنتقدة، وغير المُكترثة بحاجة بلاده للسلاح الألماني، أنها تأتي قبل موعد عودة النقاش الألماني حول رفع الحظر من عدمه عن المملكة القريب (ديسمبر)، وبلغة حادّة، لم يستخدمها قبله وزير الخارجيّة السعودي فيصل بن فرحان، والذي خاطب ألمانيا قبل أشهر، وفي مقابلة لوكالة الأنباء الألمانيّة، بلغة المُناشدة،
وأنه يأمل أن تفهم بأنهم يحتاجون إلى وسائل للدفاع عن أنفسهم، على عكس الجبير الذي بدا غير معنيّاً بالسلاح الألماني، وهو ما يطرح التساؤلات عن وجود البدائل، ونبرة الثقة التي تحدّث بها الجبير، وتوافر الأنظمة التي تحمي الرياض من هجمات حركات أنصار الله الحوثيّة، كمُبرّر ساقه الوزير فرحان في معرض مُناشدته للألمان، وأسباب حاجة بلاده لسلاحهم للحِماية من الحوثيين.
وكانت السلطات الألمانيّة لم تتشدّد في قرار حظر الأسلحة للسعوديّة بعد إقراره، وطبّقت قرار الحظر الكامل بالفِعل، بعد جريمة مقتل الصحافي خاشقجي، ويبدو أنّ سلطات المملكة تختار وتتعمّد التعليق على مسألة حظر السلاح الألماني لها، مع كُل لحظة اقتراب اتّخاذ ألمانيا قرارًا بتمديد الحظر من عدمه، وبدا أنّ مُناشدة بن فرحان، لم تأخذ حيّزها الإيجابي في برلين في حينها.
وبحسب دراسات بيع الأسلحة، تحتل ألمانيا المركز الرابع عالميّاً في بيع الأسلحة، وتأتي في المُقدّمة أمريكا، روسيا ثانياً، الصين ثالثاً، ألمانيا رابعاً، وفرنسا خامساً، وهو ما يعني أنّ الحكومة السعودية، ستكون ضمن تلك الخِيارات الأربعة الأخرى، وبحسب الوزير الجبير الذي أكّد أنها تستطيع شراء السلاح من عدد من الدول الأخرى، لكنّ السعوديّة وما قبل حرب اليمن، ووفقاً للتقارير الحكوميّة، هي الزبون الأوّل لأنظمة التسليح الألمانيّة، وهو ما قد يُضيّق خياراتها بالتالي.
تجدر الإشارة إلى أن خيارات السعودية فيما يتعلّق بشراء السلاح من دول أخرى، كالأمريكي والبريطاني، قد تكون آخذةٌ بالتراجع والانحسار، فمجلس الشيوخ الأمريكي أساساً، كان قد عارض خطّة الرئيس ترامب لإتمام بيع صفقات أسلحة، وهو على رأس السلطة وحليف السعوديّة، فكيف سيكون الأمر بوجود الديمقراطي جو بايدن، الذي توعّد المملكة بوقف صفقات السلاح معها، وبخُصوص بريطانيا، فقد قضت محكمة بريطانيّة بأنّ مبيعات حكومتها للأسلحة قد خالفت القانون، وهذا القرار يعني تعليق منح تراخيص جديدة لتصدير السلاح للسعوديّة، وهي أكبر مُشتر للسلاح البريطاني أيضاً.
خالد الجيوسي: