المشهد اليمني الأول/
يبدو أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “المُنتهية ولايته” لا يزال لا يعترف بنتيجة الانتخابات التي فاز فيها مُنافسه الديمقراطي جو بايدن، بل إنّ ترامب الجمهوري، بدأ يحظى ببعض الأصوات الجمهوريّة التي تُطالبه بعدم الاعتراف بالنتيجة والقتال بشراسةٍ كالعُضو الجمهوري البارز ليندسي غراهام، وتقديم الطعون القضائيّة، والحديث عن تزوير، ويبدو أنّ المعركة القضائيّة يقودها محاميه، وصديقه المُقرّب رودي جولياني الذي يتحدّث عن تزوير بعشر ولايات، وأبرزها مُفتاح الفوز ولاية بنسيلفانيا.
الرئيس ترامب، يقول في إحدى تغريداته، في ظُهور علني مُقتصر على “تويتر” ولعب الغولف، أنّه لم ير في سابق عهده، أنّ الانتخابات أو نتائجها، يجري إعلانها عبر وسائل الإعلام، ولعلّ الرئيس مُصيبٌ بذلك الأمر، فبعض الولايات لا تزال تفرز الأصوات، بل إن دولاً مثل البرازيل، والصين، وروسيا، لم تُهنّئ بايدن حتى الآن.
وكانت تركيا قد قالت قبل التهنئة المُتأخّرة بساعات من قبل الرئيس رجب طيّب أردوغان لبايدن على سبيل المثال، إنها ستنتظر نتائج الانتخابات الرسميّة احترامًا للشعب الأمريكي، والعديد من زعماء العالم قاموا بتهنئة جو بايدن بفوزه، ومن بينهم السعوديّة، وإسرائيل، حُلفاء ترامب.
الرئيس ترامب غرّد أخيرًا، وقال إنه سيجري إعادة فرز الأصوات، وأنه يُحرز تقدّماً، وأنه سيجري إعلان نتائج جديدة الأسبوعين المُقبلين، وهو ما يعني أن لا نيّة مُطلقًا بتسليم السلطة، فهو الفائز وفق نتائجه، فيما وسائل إعلام أمريكيّة تقول إنّ التقدّم لصالح بايدن لا يزال.
وبغض النّظر عن واقعيّة تغيّر النتائج التي يُعوّل عليها ترامب قضائيّاً، فإن العديد من المُؤشّرات تدل على أنّ الرجل قد يُشكّل مُعضلة أمام إدارة بايدن، ونقل السلطة، ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكيّة، باتت أمام سيناريو وجود رئيسين فعليّاً، واحد داخل البيت الأبيض، وآخر يُحاول دخوله، عن طريق بدء المرحلة الانتقاليّة.
مسؤولة في إدارة الرئيس ترامب بحسب صحيفة “الواشنطن بوست” وهي إميلي ميرفي والمُعيّنة من قبل ترامب، منعت أو رفضت التوقيع على ورقة تسهيل عمل الفريق الانتقالي التابع لإدارة بايدن هذا الأسبوع، وهو إجراء ضروري، يجب أن يتم، حتى يتسنّى للإدارة الجديدة، استلام مهام نظيرتها تدريجيّاً، حتى يوم التنصيب ظهر 20 يناير العام 2021، أيّ بعد حوالي 70 يوماً على انتهاء سلطة ترامب رسميّاً.
الرئيس المُنتخب بايدن، يلجأ للظهور الإعلامي، مُنذ لحظة فوزه، وهو أمرٌ لا يفعله عادةً الرئيس المُنتخب الفائز، لكنّ العقبات التي تضعها إدارة ترامب أمامه، دفعته للخُروج، وهو أمرٌ نادر الحُصول، للتّعليق على اللقاح الجديد الجاري الحديث عنه لفيروس كورونا.
واللافت أنّ الأنباء القادمة من البيت الأبيض تتحدّث عن خليّة أزمة شكّلها ترامب، وترأس اجتماع الأخير لمُناقشة ذلك اللقاح التجريبي الذي أنتجته شركة “فايزر”، وليس لتلك اللجنة أيّ تنسيق أو علاقة بفريق بايدن، وهو ما يُظهِر أنّ الولايات المتحدة باتت تُدار من قبل إدارتين، وفي ملف بارز مثل تفشّي فيروس كورونا في أمريكا.
على صعيد تنامي التخوّفات من تصادم بين أنصار المُرشّحين، يبدو أن ترامب أيضاً يأخذ الأمريكيين إلى مزيدٍ من حالة القلق، والترقّب، وسوف ينتقل من مرحلة التحريض على رفض الانتخابات عبر حسابه في “تويتر”، ونقلها إلى أرض الواقع، وبحسب موقع “أكسيوس” الإخباري، فإنّ ترامب الخاسر، سيقوم بالفعل بحشد أنصاره في تجمّعات مُماثلة، كتلك التي كان يحشدها أثناء حملته الانتخابيّة، وللاعتراض على نتائج الانتخابات.
ويجدر الإشارة إلى أنّ ترامب يُباهي بحُصوله على أكثر من 71 مليون صوتاً، وهو ما يُشكّل تقريباً نصف أنصار بايدن، وهؤلاء مُسلّحون، وغاضبون كما تُحذّر منهم وسائل إعلام أمريكيّة، ومدى خُطورتهم في حال قناعتهم، أنّ مُرشّحهم قد هُزِم بالتزوير بالفِعل.
الرئيس ترامب كذلك، وفي مُؤشّراتٍ أخرى، على نوايا قد تُبشّر بعدم رغبته نقل السلطة، إعلانه إقالة وزير الدفاع مارك إسبر، وتعيينه بالوكالة بحسبه مدير المركز الوطني لمُحاربة الإرهاب كريستوفر ميلر، وزيرًا للدفاع بالوكالة، وهو ما يُوحي بتشكيل إدارة بعد خسارته، تُدين بالولاء له، ومُعيّنة من قبله.
تماماً كما يحدث في الأنظمة الديكتاتوريّة التي ترغب في مُواصلة الحُكم، ولم يصدر عن وزارة الدفاع الأمريكيّة تعليق حول إقالة الوزير إسبر، والذي كان قد طلب منه ترامب استخدام الجيش الأمريكي لمُواجهة الاحتجاجات في الشارع ضدّ العنصريّة خلال الصيف، ورفض ذلك.
وفي الجانب النفسي، فيبدو أن على الأمريكيين، التحضّر جيّدًا لما يُمكن أن يصدر عن الرئيس ترامب بعد خسارته، فالرجل بكل الأحوال لا يزال يملك 70 يوماً، يستطيع فيهم أن يأخذ انتقامه، وتحذيرات ابنة شقيق الرئيس ترامب ماري ترامب، واضحة وجليّة، حيث حذّرت من أن عمها سيكون عُرضة لانهيارات عصبيّة، وتحديدًا في الفترة ما بين هزيمته الانتخابيّة، وتنصيب الرئيس المُنتخب بايدن.
وأضافت ماري ترامب في تصريحات لصحيفة “الغارديان” البريطانيّة من أنّ عمها ترامب “يُواجه انهيارات مُتتالية، خُصوصًا أنه لم يشهد وضعًا مُشابهًا من قبل”، مضيفة أن عمها “لن يقر بالهزيمة ولن يُشارك في أنشطة عادية تضمن انتقالاً سلميّاً للسلطة”.
واللافت في تصريحات ماري، بأنها تأتي من تقييم نفسي دقيق لحالة عمها، فهي تتحدّث من خلفيّة كونها “طبيبة نفسيّة”، وتُحذّر: “”أنا قلقة بشأن ما سيفعله دونالد في ذلك الوقت للهجوم، سيذهب إلى أبعد ما في وسعه لنزع الشرعية عن الإدارة الجديدة، وبعد ذلك سيمرر العفو الذي سيضعف معنوياتنا، ويوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية”.
كُل هذه المُؤشّرات، ستحبس أنفاس الأمريكيين، والعالم من خلفهم بطبيعة الحال، أمام شكل المشهد النهائي الذي سيكون من توقيع الرئيس الأشقر المُنتهية ولايته، ولعلّ تحذيرات ابنة شقيقه ماري، يجب أن تُؤخذ بالحُسبان، فهي تُؤكّد أنّ كُل ما لدى عمها هو تحطيم الأشياء، وسيفعل ذلك بطريقةٍ انتقاميّة.