المشهد اليمني الاول/
فاز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، بالانتخابات الرئاسية، ليكون الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه سيواجه إرثا سياسيا ثقيلا خلفه الرئيس السابق دونالد ترامب خاصة بمنطقة الشرق الأوسط، المليئة بالتقلبات والاضطرابات.
على صعيد القضية الفلسطينية، انتهج ترامب على مدار أربع سنوات من رئاسته، سياسة مخالفة لمبدأ “الوساطة” في القضية الفلسطينية التي كانت الإدارات الأمريكية السابقة تصرح بها، بل اختار “الانحياز التام” إلى الجانب اليميني من الاحتلال الإسرائيلي ضد الحقوق الفلسطينية.
ومن أجل العودة إلى مربع “الوساطة”، سيجد بايدن جملة قرارات من إدارة ترامب، تشكل عقبات كبيرة إزاء الوصول إلى هذا الهدف.
وتمثل هذا الانحياز، في أن ترامب اعترف بسيادة الاحتلال على الجولان، واعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، وأيد ضم تل أبيب للمناطق الاستيطانية بالضفة المحتلة، وأوقف الدعم المالي عن السلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، وأعلن عن صفقة القرن خلافا للقرارات الدولية التي تعترف بإقامة دولة فلسطينية على حدود حزيران/يونيو 1967، إضافة إلى دعمه القوي لاتفاقيات التطبيع بين دول عربية والاحتلال الإسرائيلي.
ومن خلال تصريحاته المختلفة، يبدو بايدن ممسكا بالعصا من الوسط تجاه القضية الفلسطينية، فرغم قوله إنه يدعم حل الدولتين ويعارض الضم الإسرائيلي الأحادي لمناطق الضفة الغربية المحتلة، إلا أنه لن يعيد سفارة بلاده إلى تل أبيب ولن يلغي اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وصرح نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير”، بأن الجالية العربية والإسلامية صوتت بأغلبية لصالح بايدن ضد ترامب، مقابل وعود من المرشح الديمقراطي بأن يقوم بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بالعاصمة واشنطن، وإعادة الدعم المادي لـ”الأونروا”.
وعلى صعيد العلاقة مع إيران، بلغ التوتر خلال رئاسة ترامب بين واشنطن وطهران ذروته حتى اقترب من حدود المواجهة العسكرية، وجاء ذلك على نحو متصاعد بدءا بانسحاب الإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018، مرورا بفرض عقوبات قصوى على إيران، ووصولا إلى اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، والرد الإيراني باستهداف قاعدة للقوات الأمريكية في العراق، مطلع العام الجاري.
في المقابل، يؤيد بايدن اللجوء للحل الدبلوماسي مع إيران، وكان المرشح الديمقراطي جزءا من إدارة الرئيس باراك أوباما التي توصلت إلى الاتفاق النووي مع طهران في عام 2015.
ووعد بايدن بعودة بلاده إلى الاتفاق النووي كمرحلة أولية لمفاوضات لاحقة، مشترطا لذلك عودة إيران إلى الالتزام الصارم بالاتفاق.
لكن هذا الاشتراط إلى جانب أن الحكومة الإيرانية تقترب من استحقاق انتخابي في عام 2021 وتواجه تحديا قويا من التيار المعارض للحوار مع الغرب، يجعل من فوز بايدن “غير كاف” لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي.
وعلى صعيد الأنظمة الديكتاتورية وانتهاكات حقوق الإنسان، تعامل ترامب بمنطق “رجل أعمال” مع النظام السعودي، فزارها في بداية فترته الرئاسية عام 2016، وجلب منها مليارات الدولارات على شكل استثمارات في بلاده.
وماطل ترامب في محاسبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وبقية الأشخاص المتورطين في جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، رغم مطالبة أغلبية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأمريكي بضرورة فعل ذلك.
في المقابل، فإن بايدن، وجه انتقادات لانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات السعودية، وإزاء ذلك تعهد بإعادة تقييم علاقات بلاده مع الرياض.
وحول الصراع في اليمن، كان بايدن قد تعهد بوقف دعم بلاده العسكري للحرب السعودية هناك.
وسبق أن وصف ترامب رئيس نظام الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي بأنه “الديكتاتور المفضل” بالنسبة له.
لكن بايدن أدان بشكل صريح تعرض معارضين مصريين “للاعتقال والتعذيب والنفي من بلادهم”.
وفي إشارة إلى السيسي، قال بايدن عبر حسابه بتويترك “لا مزيد من الشيكات على بياض للدكتاتور المفضل لترامب”.
ويبدو ترامب وبايدن متفقين حول ضرورة تقليص الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، لكن الأخير لم يتعهد بسحب كامل للقوات الأمريكية، بحجة البقاء من أجل “محاربة الإرهاب”.
وبالفعل، قلص ترامب من تواجد القوات الأمريكية في سوريا والعراق وأفغانستان.
وفي الأزمة الليبية، أبدت إدارة ترامب موقفا ضبابيا إزاءها، وتجلى ذلك بالتزامن مع الهجوم الذي شنه اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس في نيسان/ أبريل عام 2019، بل اتُهم مستشاره للأمن القومي آنذاك جون بولتون (مستقيل) بإعطاء الضوء الأخضر للهجوم.
ومع تصاعد انتصارات الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق مطلع العام الجاري، على حساب تمدد قوات حفتر، عادت واشنطن إلى الخط الدبلوماسي من الأزمة.
وأدى نهج “العزلة” الذي اتبعه ترامب في منطقة الشرق الأوسط، إلى زيادة النفوذ والدور الروسي بالمنطقة، في حين يُتوقع أن تنتهج إدارة بايدن الجديدة سياسة تكبح جموح النفوذ الروسي، خاصة في سوريا وليبيا.