المشهد اليمني الأول/
يبدو أن مفهوم الحريات وصيانة حق التعبير أمام كل إنسان في الغرب أخذ بعداً آخر، فالإنسان الغربي والصهيوني يمكنه أن يعبر عن أفكاره كيفما يشاء وإن كانت مسيئة للعقائد والمقدسات الدينية، المهم أن تصب في مصلحة التوجه الأمريكي الأوروبي وتخدم نزواتهم الذاتية، أما إذا كان عربياً أو مسلماً فالأمور تختلف تماماً،
لأنهم قد وضّعوه منذ زمن مبكر في دائرة الخطر كما أرادت أن تسميهم أمريكا بعد أن صنعت قاعدة الانطلاق لهذا الخطر وزيفت الكثير من القيم والمبادئ الإسلامية كي تصل إلى هذه الغاية ولو على حساب الأخلاق والمبادئ والقيم، إنها أكبر صدمة يتعرض لها الإنسان حينما تتغير القيم والمبادئ وتتحول إلى وهم لا وجود له إلا في أذهان الذين ابتكروا تلك المسميات، وهذا ما يمكن أن نستوحي منه أسباب ودوافع البذاءات التي صدرت عن الرئيس الفرنسي ورسام الكاريكاتير.
والحقيقة أن “ماكرون ” حاول التنصل مما قاله لكنها مجرد عبارات ساذجة سعت لتلطيف الجوء والضحك على الذقون، أما الحقيقة فهي أن ماكرون والإمارات والسعودية والكيان الصهيوني كلهم يعملون لصالح المهيمن الأكبر وهي أمريكا التي تستخدمهم كدمى أو مجرد مناديل ورقية للنظافة تُزيل ما تعتقد أنها نجاسة في نظرها، وهي في الواقع حصون للطهارة وأماكن مكرمة ثم ترميها في مستوعبات القمامة، فهي منطلق للاستهانة بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والانتقاص من الإسلام، كمحاولات بائسة من أمريكا للتقليل من الإسلام وإخضاع المسلمين لإرادتها الذاتية كما حدث عقب أحداث 11سبتمبر 2001م ،
فلقد تحولت أمريكا من مدانة إلى ضحية ومن ثم حولت العرب والمسلمين إلى دمى تحركهم كيفما شاءت، ومن شذ عن الطاعة أو حاول أن يعتد بإرادته ويتمسك بدينه واستقلاله يتحول إلى إرهابي خطير أو كما يقال المتطرفين الإسلاميين، وهذا ما يحدث مع محور المقاومة لأن أمريكا هدفها واضح وهو الترويج لجعل الكيان الصهيوني طرفاً مقبولاً في المنطقة ومن سلم بهذه القاعدة فهو من أشد المناصرين لحقوق الإنسان والمجاهدين في سبيلها بل والداعمين للحريات ، وهي مأساة فعلاً.. فأين ذهبت المعايير ؟! وأين القيم التي تباهت بها فرنسا ؟! وأين التميز الذي تحدث عنه العالم بالنسبة للثورة الفرنسية؟! بعد أن تحول ماكرون إلى مجرد وصيف ينفذ ما يُملى عليه من واشنطن .
الواقع يؤكد أن كل شيء تحول إلى سراب وأوهام كاذبة في ظل استمرار التربص الأمريكي الصهيوني، فها هي فرنسا وبعد أن حاول رئيسها تلطيف الأجواء مع العرب والمسلمين، تعلن على لسان وزير داخليتها عن ترحيل من أسمتهم بالمتطرفين الإسلاميين إلى بلدانهم، ووصفهم الوزير الفرنسي بالحرف الواحد ( أنهم المخدوعون بالآيديولوجية الإسلامية الخسيسة )،
لاحظوا عبارته الخسيسة التي سبقها بالإسلامية لتدركوا أن الهدف ليس لحظياً أو وقتياً وإنما برنامج تم وضعه سلفاً لاستهداف الإسلام والمسلمين، ومع أن المواقف ما تزال متأزمة ومعقدة ومتشابكة ، إلا أن تصريح الوزير الفرنسي زادها اشتعالاً وهو يتحدث عن الإسلام المتطرف،
ومن السفه أن يعقبه موقف صادر عن وزير إماراتي، هذا الوزير كله قبح وسفاهة وتنكر لقيم العروبة والإسلام، فموقفه الحالي يذكرنا بموقف سابق عام 2012م عندما أنتج باسيلي نقولا وجوزيف نصرالله فيلماً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غاية في السقوط والبذاءة والسخرية والانتقاص من الرسول الأعظم،
فلقد حاولت الإمارات أن تقلل مما جرى ودعمها آنذاك الإخوان المسلمين لأنهم كانوا قد استولوا على الحكم في عدد من الدول العربية عقب ما سُمي بثورة الربيع العربي، وبدلاً من أن ينتصروا للرسول ويدافعوا عنه ذهبوا إلى تبرير ما حدث رغم أن الفيلم مّثل أعظم إساءة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأقبح تشويه للإسلام، ومع ذلك كان الإخوان هم من بادر إلى الدفاع عن ما جرى ومارسوا بأنفسهم قمع المسيرات الاحتجاجية التي حدثت في مصر وتونس والسودان حرصاً على بقاء العلاقة كما هي مع أمريكا.
ومع أن الموقف يُظهر بجلاء حقيقة هؤلاء الناس إلا أنه بالمقابل يضعنا أمام الدور المشبوه لأمريكا والمؤسسات الصهيونية في تبني مثل هذه الأعمال المسيئة ، ليؤكد أن فرنسا وبريطانيا والإمارات والسعودية والإخوان مجرد أدوات للتشهير تستخدمها أمريكا متى ما شاءت، ثم تقذف بها عرض البحر وهذا ما حدث للإخوان.
فبعد أن اتخذوا ذلك الموقف المهين بادرت أمريكا إلى تكليف الإمارات بمحاربتهم ووضعهم في قائمة الإرهاب، وهذه هي حقيقة ناصعة تكشف بجلاء ما يجري في الواقع وما تسعى إليه أمريكا والهدف الأكبر كما قلنا هو توفير مقومات الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، وعلى هذا الأساس تتبع الإمارات منطقاً خاصاً في تبرير جرائم أمريكا والغرب وتوظف ما تقوم به فرق التطرف الإسلامي للنيل من الإسلام وسمعته ومكانته ودوره التاريخي في بناء الحضارة الإنسانية .
إنها كارثة أن يصل الأمر إلى هذا المستوى من التدني، والمطلوب أن يتم تحري الدقة في التعاطي مع الإسلام من قبل أمريكا والغرب بشكل عام، وعليهم أن يضعوا معايير صحيحة وأسساً سليمة لإحداث التوازن مع الإسلام والمسلمين وأن ينظروا للموقف بعقلانية مالم فإن الأمور ستسير من السيئ إلى الأسوأ، وعليهم أن لا يركنوا إلى تطمين القيادات التي أصبحت تحت هيمنتهم ، فالجماهير الإسلامية قادرة على أن ترد الصاع صاعين كلما أحست بالأذى يمس الرسول الأعظم وينتقص من دوره أو يسيء إلى الإسلام ،
وهذه أبسط رسالة نضعها بين يدي “ماكرون” الذي لابد أن يُدرك أن فرنسا لم تصل إلى هذا المستوى من الحضارة والتقدم إلا لأنها أعلت شعار العدالة، ومن العيب أن تتحول هذه الدولة العريقة إلى مجرد وصيف لأمريكا .. أكرر وصيف لأمريكا .. أنها قمة الخزي وعلى الشعب الفرنسي أن ينتفض لكرامته المسفوحة .. والله من وراء القصد ..
______
أحمد يحيى الديلمي