المشهد اليمني الأول/
يستمرّ الصراع بين وكلاء كلّ من السعودية والإمارات للسيطرة على منابع النفط ومرافئ تصديره وفق مشاريع مختلفة، وحسابات متباعدة.
وتتداخل، في هذا الإطار، المصالح المحلية مع المصالح والأجندات الإقليمية. وفيما تعتبر ثروة النفط والغاز المورد الاقتصادي الوحيد الذي يُغذّي موازنة ما يُسمّى «الشرعية»، يسعى «المجلس الانتقالي الجنوبي»، بكلّ جهده، إلى السيطرة على الثروة النفطية لتعذّر نجاح مشروعه الانفصالي من دون النفط الذي يتركّز في المحافظات الشرقية، وبالتحديد محافظتَي حضرموت وشبوة الواقعتين تحت سيطرة «الشرعية»، ما عدا المرافئ فيهما.
في الأسابيع الماضية، وصل الصراع إلى ذروته بتوقّف تصدير النفط، في ظلّ استمرار تحكّم دولة الإمارات بالمرافئ والشواطئ. واللافت في الأمر أن الجانب السعودي، الداعم الأساسي لـ« لشريعة الرياض»، يقف موقف المتفرّج من دون أن يُحرّك ساكناً، على رغم المناشدات والدعوات اليومية من قِبَل مسؤولين حكوميين إلى ضرورة تدخّله.
وفي سياق هذا الصراع، صدر، في خلال الأيام الماضية، قرار عن مدير مكتب الفار هادي، موجّهٌ إلى وزير الداخلية، يقضي بإنشاء لواء مُخصّص لحماية المنشآت النفطية، ونشره في الهضبة الحضرمية حيث تتواجد القطاعات النفطية.
جاء ذلك بالتزامن مع قيام قيادة «المنطقة العسكرية الثانية»، الموالية لهادي، بدمج لواء عسكري تابع لها مع «النخبة الحضرمية»، في خطوة اعتُبرت حلقة من حلقات تفكيك «النخبة» التي تدين بالولاء للإمارات،
على رغم أن قائدها هو محافظ حضرموت، فرج البحسني، الذي يترأس في الوقت عينه قيادة «المنطقة الثانية»، ويحاول خدمة الطرفين المتنازعين وموازنة العلاقة بينهما، فيما يلجأ في لحظات الافتراق إلى الجانب السعودي.
وسبق تلك الخطوات قيامُ محافظ حضرموت، الشهر الماضي، بدعم من القوى القبلية والمحلية، بإيقاف تصدير الثروة النفطية من المحافظة، التي يُقدّر إنتاجها بـ40 ألف برميل يومياً من حقول وميناء الضبّة، الواقع شرق مدينة المكلا.
وتُعدّ حضرموت من المحافظات اليمنية الغنية بالثروة النفطية، ويعمل فيها عدد من الشركات، أهمّها الشركة الحكومية «بترومسيلة»، التي تمتلك أربعة قطاعات نفطية في المحافظة.
وكانت وزارة النفط في حكومة هادي أعلنت، في وقت سابق من العام الحالي، عن خطط لزيادة إنتاج البلاد من الخام إلى 110 آلاف برميل يومياً، إلا أن الصراعات الداخلية بين وكلاء «التحالف» حالت دون تحقيق الهدف المذكور.
يقف الجانب السعودي موقف المتفرّج حيال الصراع من دون أن يُحرّك ساكناً
وتضع محافظة حضرموت ثلاثة شروط للسماح بتصدير النفط،
وهي على النحو الآتي:
1- دفع رواتب منتسبي وأفراد المنطقة العسكرية الثانية، والمتوقّفة منذ نحو ستة أشهر.
2- سداد فواتير محروقات الكهرباء، التي تشهد تقنيناً قاسياً منذ شهور.
3- استئناف دفع حصة المحافظة من ثرواتها، والتي تُقدَّر بنحو 20% من عائدات بيع النفط.
وفي محافظة شبوة أيضاً، تستمرّ الاحتجاجات الشعبية (بدعم من حزب الإصلاح الإخواني) للشهر الثاني على التوالي، للمطالبة بإخلاء منشأة بلحاف من القوات الإماراتية، المُتَّهمة بتحويل المنشأة إلى ثكنة عسكرية، والوقوف حجر عثرة في طريق إعادة تشغيلها وتصدير ثروة الغاز منها، للسنة الخامسة على التوالي. ويقود محافظ شبوة، محمد صالح بن عديو، المحسوب على «الإصلاح»، حركة الاحتجاج.
وقَدّم بن عديو، منتصف الشهر الماضي، عرضاً للإماراتيين بتوفير مكان بديل لقواتهم، مقابل إخلائهم المنشأة وسماحهم بمعاودة التصدير، «لأننا بلد يعتمد في موازنته على عائدات الغاز بنسبة 70%، ونواجه ضغطاً شعبياً لأن هناك آلاف العمّال تمّ تسريحهم وأصبحوا بلا عمل».
ويدأب بن عديو على مطالبة السعودية التي تقود «التحالف» بالتدخل لإخلاء المنشأة وإعادة تشغيلها، فيما تُصدر شركة «توتال» الفرنسية، والتي تملك 49% من منشأة بلحاف، بيانات بشكل مستمر تعلن فيها تعذّر إمكانية استئناف عمليات تصدير الغاز الطبيعي المسال، لفقدان الأمان في ظلّ الوضع الأمني والسياسي على الصعيدين الوطني والمحلي.
وفي خلال الأسبوع الماضي، نقل المحتجّون تحرّكهم إلى أمام معسكر العلم، الواقع في صحراء عياذ جردان، غرب مدينة عتق، في محافظة شبوة، علماً أن المعسكر المذكور محسوب على ما تُسمّى «قوات الواجب» التي تضمّ عناصر سعوديين وإماراتيين، بالإضافة إلى خبراء بريطانيين. وطالب المعتصمون القوات الإماراتية بالوفاء بالتزامها التعويض عن الجرائم التي ارتكبتها «النخبة الشبوانية» التابعة لها بحق أبناء مديرية مرخة السفلى، وتحديداً آل المحضار، عام 2019.
وتزامناً مع الاعتصام، حلّقت طائرات حربية إماراتية، على علوّ منخفض، فوق المحتجّين، في محاولة لتخويفهم وإجبارهم على ترك المكان.