المشهد اليمني الأول/
التطور الذي ظهر بشكل كبير خلال السنتين الماضيتين على التسليح اليمني في ما يتعلق بالصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار، أصبح يشكل تحدياً متزايداً أمام منظومة تعدّ من أهم منظومات الدفاع الجوي الغربية المنشأ.
على الرغم من أنَّ وتيرة المعارك بشكل عام في اليمن تقلَّصت بشكل كبير مقارنة بأعوام سابقة، فإنَّ العامل المشترك بين كل هذه السنوات كان الأداء المتواضع لعدد كبير من الأنظمة القتالية الغربية المنشأ، التي استخدمها التحالف السعودي خلال المعارك ضد وحدات الجيش اليمني واللجان الشعبية.
هذا التواضع في الأداء شمل ميادين القتال كافة، سواء كانت برية أم بحرية أم جوية، بطرق متفاوتة ومتعددة الأسباب بين سوء الاستخدام وعدم فاعلية التكتيكات المستخدمة.
محدودية منظومات الباتريوت
كانت القدرات الصاروخية لوحدات الجيش واللجان الشعبية من أهم الأهداف التي ركَّز عليها المجهود الجوي للتحالف السعودي منذ العام 2015 وحتى الآن، إلا أنَّ الضربات الصاروخية اليمنية وتلك التي استخدمت فيها ذخائر جوالة وطائرات هجومية من دون طيار، ظلَّت مستمرة طيلة السنوات الماضية وحتى اليوم.
وهو ما فرض تحدياً مستمراً على وحدات الدفاع الجوي السعودي، سواء في الأراضي السعودية أم في بعض المناطق اليمنية التي تم نشر وحدات للدفاع الجوي التابع للتحالف فيها.
الثقل الأساسي لوحدات الدفاع الجوي السعودية يتمثل في منظومات “باتريوت” المضادة للطائرات والصواريخ الباليستية التي تتمركز بشكل أساسي في مدن الرياض ومكة وينبع، إلى جانب الحد الجنوبي (نجران – جيزان)، وفي محيط قاعدة خميس مشيط الجوية في عسير. يضاف إلى ذلك تمركز وحدات سعودية للدفاع الجوي في المخا ومأرب في الأراضي اليمنية.
تظهر البيانات التي نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ومقرّه واشنطن، في حزيران/ يونيو الماضي، تراجع نسبة أداء بطاريات منظومات الباتريوت السعودية وتراجع كفاءتها في اعتراض الصواريخ الباليستية وطائرات من دون طيار خلال العام الجاري.
وإن وضعنا هذا الأمر جنباً إلى جنب مع حقيقة أنَّ الجيش واللجان الشعبية اليمنية تمكّنت من إدامة استهداف المطارات السعودية الجنوبية في أبها ونجران وجيزان وخميس مشيط، إلى جانب مناطق عديدة في العمق السعودي، مثل الرياض والدمام وينبع والطائف، نستطيع أن نصل إلى خلاصة مفادها أن التطور الذي ظهر بشكل كبير خلال السنتين الماضيتين على التسليح اليمني في ما يتعلق بالصواريخ الباليستية والطائرات من دون طيار، أصبح يشكل تحدياً متزايداً أمام منظومة تعدّ من أهم منظومات الدفاع الجوي.
لقد أظهرت مجريات العمليات الجوية العيوب العملياتية لمنظومات “الباتريوت”، وخصوصاً خلال تصديها لموجات متعددة من الصواريخ والطائرات من دون طيار، ناهيك بنقطة تعدّ من أهم عيوبها، وهي أنَّ راداراتها يجب تموضعها في الاتجاه المحتمل قدوم التهديدات المعادية منه، نظراً إلى أنها لا تقدم سوى تغطية بزاوية 60 درجة فقط، وليس تغطية كاملة الزوايا.
كان ذلك واضحاً بشكل كبير في منتصف أيار/ مايو 2019، حين تم قصف محطتي ضخّ للنفط في محافظتي الدوادمي وعفيف السعوديتين، وخطّ لنقل النفط بين شرق البلاد وغربها، وذلك باستخدام الذخائر الجوالة “صماد 3″، حيث فشلت بطاريات منظومات “الباتريوت” السعودية بشكل تام في التصدي لهذه الذخائر الهجومية صاحبة المقطع الراداري الصغير، والتي تتزايد خطورتها في حالة هجومها على شكل أسراب.
وقد تم الإعلان عن هذا النوع من الذخائر الجوالة في تموز/ يوليو 2019، برفقة نسخة أخرى تمت تسميتها “صماد 2″، وتم استخدام هذين النوعين في استهداف منشأة تابعة لشركة أرامكو النفطية في الرياض، وتبع ذلك هجوم على مطار أبوظبي. وقد شكل ظهورهما تحدياً أساسياً أمام وحدات الدفاع الجوي السعودي، نظراً إلى مداهما الكبير الذي يصل إلى 1500 كيلومتر.
استخدمت صنعاء في هجماتها على مطارات الحدّ الجنوبي الذّخيرة الجوالة “قاصف 1″، التي تمَّ استخدامها للمرة الأولى في نيسان/ أبريل 2018، وهي طائرة انتحارية من دون طيار مزوّدة بمحرّك يعمل بالبنزين، يوفّر لها مدى يصل إلى 100 كيلومتر، ومدة تحليق متواصل تصل إلى ساعتين، وهي مزوّدة برأس متفجر تصل زنته إلى 30 كلغ.
آخر الذخائر الجوالة التي انضمّت إلى تسليح قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية، هي الذّخيرة الجوالة “قاصف 2k”، التي تم استخدامها للمرة الأولى في كانون الثاني/ يناير 2019، لاستهداف قاعدة العند الجوية جنوب اليمن، وهي تتميّز بأنها لا تصطدم بالهدف بشكل مباشر، كما هو حال الذخائر الجوالة المماثلة، لكنها عوضاً عن ذلك تنفجر فوق الهدف بمسافة تتراوح بين 10 إلى 20 متراً، ما يساهم في نشر الموجة التدميرية بطريقة أكثر فاعلية.
في ما يتعلَّق بالصواريخ، استخدمت قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية طائفة واسعة من صواريخ المدفعية الصاروخية والصواريخ الباليستية، منها صواريخ “قاهر-1″، وهي صواريخ معدلة عن صواريخ الدفاع الجوي السوفييتية “سام 2″، لتصبح صواريخ “أرض- أرض” يبلغ مداها 250 كيلومتراً، وتستطيع حمل شحنة متفجرة تصل زنتها إلى 200 كيلوغرام، وتم استخدامها بشكل مكثف لاستهداف مطارات الحد الجنوبي السعودي، وكذلك بعض تجمعات قوات المرتزقة في الأراضي اليمنية.
يعد صاروخ “بركان 1” من أهم الصواريخ الباليستية الموجودة حالياً في الترسانة اليمنية، ظهر للمرة الأولى في أيلول/ سبتمبر 2016، حين تم استخدامه لقصف مدينة الطائف للمرة الأولى، إلى جانب مطار الملك عبد العزيز في مدينة جدة. ويتراوح مداه الأقصى ما بين 800 و900 كيلومتر، وهو تعديل محلي لصاروخ “سكود سي” السوفييتي، ويبلغ وزنه الكلي 8 أطنان تتضمَّن نحو نصف طنّ من المواد المتفجّرة.
وفي شباط/ فبراير 2017، ظهرت نسخة أحدث من هذا الصاروخ تحت اسم “بركان H2″، الذي يبلغ مداه نحو 1400 كيلومتر، وتمَّ استخدامه للمرة الأولى في شباط/ فبراير 2017 في استهداف قاعدة عسكرية سعودية غرب الرياض، وكذا في استهداف مطار الملك خالد في مدينة الرياض عدة مرات.
كذلك، ظهرت في آذار/ مارس 2017 نسخة جديدة من صواريخ “قاهر1″، تحت اسم “قاهرM2″، تم فيها زيادة الدقة وزيادة الشحنة المتفجرة لتصبح زنتها 350 كيلوغراماً.
يضاف إلى التحديات التي تواجه بطاريات منظومات الباتريوت السعودية، الصواريخ الجوالة من نوع “قدس”، التي تم استخدامها عملياتياً للمرة الأولى في استهداف مفاعل “براكة” النووي في أبوظبي أواخر العام 2017، وهي مشتقة من الصاروخ الروسي (KH-55)، مع تعديلات في البدن والمحرك، ويصل مداها إلى 150 كيلومتراً.
ناهيك بقذائف المدفعية الصاروخية “بدر1″، التي تم استخدامها للمرة الأولى في آذار/ مارس 2018، لاستهداف منشآت تابعة لشركة أرامكو النفطية في نجران، ثم تمّ في تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه الإعلان عن النسخة الموجهة من هذه الصواريخ تحت اسم “بدرB1″، والتي يصل مداها إلى 150 كيلومتراً.
في نيسان/ أبريل 2019، تم الإعلان عن الجيل الجديد من صواريخ “بدر” تحت اسم “بدرF”. يتميز هذا الصاروخ التكتيكي بدقة إصابة تقل عن 5 أمتار، وبأنه موجّه ويحمل رأساً حربياً متشظياً يصل مدى قوسه التدميري إلى 3580 متراً، وينفجر فوق الهدف مكوناً آلاف الشظايا القاتلة. وقد تم استخدامه خلال الشهرين الأخيرين بشكل مكثف في الهجمات على مطاري خميس مشيط وأبها.
_______________
محمد منصور
صحفي مصري وباحث في الشؤون العسكرية