المشهد اليمني الأول/
لبّى اليمانيون نداءَ قائدهم السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الذي دعا إلى إقامة مناسبة لا مثيلَ لها احتفاء بذكرى مولد المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكان الاحتشاد فوقَ المتوقع، والتفت العالم إلى هذا السيل البشري الضخم بميدان السبعين، فمن بين غبار الحرب انتفض اليمنيون ومن بين الحصار خرجوا رافعي الرأس، أقوياء في العزيمة، يصرخون بملء أفواههم: “إلَّا رسول” وَ”لبيك يا رسول الله”.
لم يفعلها بلدٌ آخر في العالم، وفي حين كان اليمانيون يعلنون انتصارهم ويجددون ارتباطهم لرسول الله، كانت وسائل الإعلام السعودية تنقل أنباء تدين ما يصفونه بالإرهاب الإسلامي في فرنسا، دون أن يصدر عنهم أقل موقف؛ دفاعًا عن حبيب الله، وفي حين كان الصمت العربي أَيْـضاً هو سيد الموقف.
كانت صنعاءُ طيلة الأيّام الماضية تتكلم بلغة محمدية، وتتنفس هواءً محمديًّا، وكان لافتاً المشاركة المجتمعية الفاعلة في تزيين الشوارع والمنازل بالألوان الخضراء وطلاء السيارات، حتى الجبال كان لها حضورٌ للاحتفال بمولد المصطفى، ومع كُـلّ الاستعدادات والنشاط الكبير خرج اليمنيون بهذه الصورة المشرقة واللوحة الفريدة التي لا نظير لها.
وجاء يوم الخميس 29 أُكتوبر 2020 الموافق 12 ربيع الأول 1442 هجرية ليشهدَ استنفاراً في كُـلّ القطاعات، فرجال الأمن الذين كان لهم دور كبير في تأمين الفعالية، انتشروا منذ الصباح الباكر في الطرقات والأزقة، وعلى مداخل العاصمة للتوافد الى ميدان السبعين يتفحصون بدقة وهم مبتسمين ومرحبين بضيوف الرسول كُـلّ المركبات، وما هي سوى ساعات حتى امتلأت الشوارع بالحشود المتجهة صوب ميدان السبعين من كُـلّ الاتّجاهات، رافعين الأعلام المحمدية، ومتقدمين بكل لهفة وشوق لإحياء هذه المناسبات.
لجانُ التفيش كانت متوزعةً على كُـلّ مداخل السبعين تعمل بإتقان على فحص كُـلّ الداخلين إليه، هي تدرك أن الجميع حضر لنصرة الرسول وتلبية لنداء القائد، لكن قد يأتي مندسٌ يحمل فكرا وهَّـابيا متطرفا فيفجر نفسَه ويعكر صفو الاحتفال، ولهذا كانت الأعين مفتحة وترصد المشبوهين بكل اتقانٍ، ونجحت الفعالية وخاب كيد الخائنين.
طيرانُ العدوان الأمريكي السعودي الذي اعتاد على تعكير كُـلِّ احتفال أَو مناسبة جماهيرية فضل هذه المرة الخنوع، كيف لا والتهديدات كانت تصل إليه قبل إقامة الفعالية بخمسة أَيَّـام عن طريق المسيرات والصواريخ الباليستية؟!، وهي رسائل فهمها العدوّ جيِّدًا.
وابتدأت الفعالية بتلاوة من القرآن الكريم، ثم تعددت المشاركات حتى أطل حبيب الجماهير وقائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، ليرحب بالحاضرين بابتسامة الراضي على هذا الحشد، وابتسامة أغاضت الأعداء وهزمتهم شر هزيمة.
لقد سجّل اليمنيون انتصارًا جديدًا يضافُ إلى سجلهم الناصع، وأخفق العدوان الذي ظل يسوق طيلة السنوات مصطلح الشرعية على كائنات تتخذ من فنادق الرياض مقراً دائماً، ولا تستطيع أن تتحَرّك في الشارع وبين الجماهير، ولهذا وصلت الرسالة للعالم بأنه لا شرعية فوق شرعية الشعب ولا إرادَة فوق إرادته.
ويعد حشدُ الخميس هو الأكبر في تاريخ اليمن، وحضره كُـلّ مسؤولي الدولة بصنعاء، كما حضره سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيخ حسن إيرلو وعدد من ممثلي الجاليات العربية والإسلامية.
ودأب اليمنيون منذ سنوات كثيرة على إحياء احتفالات المولد النبوي، وزاد الاهتمام بها بشكل كثيف خلال السنوات الخمس الماضية، في حين كان النظام السابق يحارب ذلك ويشجع الفتاوى التي تدَّعي بأن الاحتفالَ بالمولد النبوي بدعة.
ارتياحٌ كبيرٌ لنجاح الفعالية
ولاقت فعاليةُ المولد النبوي لهذا العام نجاحاً منقطعَ النظير؛ نتيجةً للجهود المشترك بين المواطنين وأجهزة الدولة.
ووجّه قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي وفخامة الأخ المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى، رسالةَ شكر وتقدير للجهات التي ساهمت في إنجاح فعاليات الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف،
وورد فيها ما يلي: “يسعدنا أن نعبِّرُ لكم عن بالغ اعتزازنا وامتنانا للنجاح الكبير والمميز لفعاليات المولد النبوي الشريف والتي أقيمت في أمانة العاصمة صنعاء وبقية المحافظات عصر يومنا هذا الخميس 12 ربيع أول 1442هـ الموافق 29أُكتوبر2020م، والتي عبرت في مضمونها ودلالتها عما يكنه الشعب اليمني من حب وتقدير واحترام ومكانة عظيمة للرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله في نفوس اليمنيين.
وإننا إذ نحمد الله تعالى ونشكره على توفيقه للنجاح الرائع في إقامة هذه الفعاليات نشيد ونثمن تثميناً عاليًا الجهود الجبارة المبذولة منكم ومن اللجان المنظمة من كافة منتسبي الجهات والأجهزة الأمنية واللجان الشعبيّة وكل من تعاون وساهم في تنظيم وتأمين هذه الفعاليات.
ونتمنى لكم مزيداً من النجاح والتقدم والتوفيق”.
وتفوقت الجهودُ الأمنية والتنظيمية والطبية والإعلامية والخدمية والفنية في تأمين الاحتشاد الجماهيري المليوني في 15 ساحةً احتفالية توزعت على 12 محافظة يمنية.
ووصفت اللجنة العليا للمناسبات ما حدث بأنه: “زخم غير مسبوق في تاريخ المناسبات، مؤكّـدة عدم تسجيل أي حوادث أمنية في الاحتفالات الرئيسية تعكر صفو المناسبة.
وتكاتفت الجهود في مختلف الجهات المختصة لإنجاح الاحتفالات الشعبيّة والرسمية التي أُقيمت بالمناسبة في العاصمة صنعاء بميدان السبعين والمحافظات بشكل مشرف وغير مسبوق، وبما يليق بحجم المناسبة وعظمتها والتي وصفها بيان اللجنة العليا للمناسبات “بخلية نحل” عملت على التجهيز والتحضير والتنظيم والتأمين والتغطية الإعلامية للاحتشاد المليوني للشعب اليمني وجاليات عشرين دولة عربية وإسلامية شاركت في الاحتفالات الرئيسية ممثلة بميدان السبعين التي عبرت عن حب الرسول الكريم والتمسك بالقيم النبوية والإسلام المحمدي..
واعتبر وزير الداخلية اللواء عبد الكريم أمير الدين الحوثي، نجاحَ الاحتفال وَتأمينَ الحشود من قبل الوحدات الأمنية والعسكرية، بالعمل الأمني “المتميز”.
ولفت إلى أن الأداءَ الأمني كان مشرفاً ومعبراً عن عظمة المناسبة مثمناً تفاعل المواطنين وما أبدوه من تعاون مع رجال الأمن، والتزامهم بالتعليمات والإرشادات الأمنية.
وواكبت الجهودُ الطبية والصحية المناسبةَ من خلال تأمين الكوادر الطبية بالمستشفيات وطواقم سيارات الإسعاف بين المحافظات وفي ساحات الاحتفالات بعد أن توزعت 250 سيارة إسعاف مزودة بكوادر طبية توزعت على الساحات والطرق وألف 733 كادرا طبيا إسعافيا في جميع الساحات.
ولفت وزير الصحة الدكتور طه المتوكل إلى أنه تم تجهيز 40 مستشفى ميدانياً ومخيماً مجهزة بالأدوية والكوادر والمستلزمات الطبية، بالإضافة إلى تهيئة 97 مستشفى حكومياً و95 مستشفى خاصًّا.
وساعد انضباطُ الحشود الشعبيّة بالتعليمات الأمنية في نجاح الفعاليات الجماهيرية بميدان السبعين وبقية الساحات، حَيثُ شكر رئيسُ جهاز الأمن والمخابرات اللواء الركن عبدالحكيم الخيواني، المواطنين على تعاونهم مع الأجهزة الأمنية والتزامهم بالتعليمات والذي كان له الأثر في إنجاح الفعاليات الاحتفائية بذكرى المولد النبوي الشريف، مشيداً بمستوى الأداء الأمني العالي والمشرف للوحدات الأمنية.
وتأهبت الساحات استعدادا لاستقبال الحشود، حَيثُ بدأ العملُ في العاصمة صنعاء والسبعين مند عشرين يوماً في ميدان السبعين من موعد المولد النبوي الشريف، حَيثُ تم تقسيم الساحة إلى 28 مربعاً وتم توزيع الحواجز الإسمنتية بالاستعانة بالبوكتات لتحريكها، إضافةً إلى ترتيب الدخول للساحة من الجانب الخلفي للمنصة بمساحة 15 متراً لكل مربع، حَيثُ يكون الدخولُ ابتداءً بالمربع الأول حتى يمتلئ، ثم الثاني والثالث، فيما خصصت المساحة المقابلة لضريح الشهيد الصماد للجانب الخدمي وَللحالات الطارئة مثل الإسعافات وغيرها، إضافة إلى توفير خمسة مواقف للسيارات ثلاثة منها في الجهة الجنوبية واثنان في الجهتين الشمالية الشرقية..
وَاختتمت فعالياتُ الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بعد أن شَـــكَّلَ اليمنيون لوحةً جماليةً إيمانية، وأرسلوا رسائلَ محمديه في حب عَلَمِ الهدى وَصوراً لثبات وتحدي الشعب الذي يُقصَفُ ليفنــى فيزهر ربيعُه صــموداً..
صحيفة المسيرة – أحمد داوود