المشهد اليمني الأول/
صحيفة “يديعوت أحرنوت” تقول إن السعودية هي التي من حاكت العلاقات السرية بين “إسرائيل” والسودان. “ورؤساء أجهزة المخابرات في السعودية وولي العهد بن سلمان كانوا شركاء في الدائرة السرية للمفاوضات تمهيداً للإعلان عن إنشاء علاقات بين “إسرائيل” والإمارات العربية”.
ذكرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” أنه في التاسع من شهر أيار/مايو الماضي، أبلغ رئيس الموساد يوسي كوهين أربعة مسؤولين بأن رئيس الحكومة الإسرائيلي “صادق”، ولكن مع الحفاظ الصارم على ممارسات الإبلاغ والسرية. والمصادقة بحسب مسؤول كبير مطلع على الأحداث الدراماتيكة، تتطرق إلى إجراء اتصالات مع رجل أعمال سعودي ذي تأثير. وفيما يلي نص التقرير المترجم.
منظومة العلاقات هذه هدفت إلى خدمة الأمن القومي الإسرائيلي بعدة طرق، وعلى رأسها – مساعدة السعوديين في تجنيد الرئيس للسودان ضد إيران. وفعلاً، بفضل هذه الخطوة عُقد بعد ذلك لقاء قمة سري بين الرئيس السوداني عبد الفتاح البرهان ووزير الأم بيني غانتس في فيلا يملكها ملياردير سعودي، وتحت رعاية حاكم أفريقي مركزي، من أجل التداول في كيف بإمكان السودان مساعدة “إسرائيل”.
وبعدما بدأت السعودية بالتعاون مع الموساد من أجل قطع الاتصال مع إيران، حركت عملية وصلت ذروتها بلقاء نتنياهو والبرهان، الذي استضافه رئيس أوغندا.
واستغرقت أجهزة المخابرات الإسرائيلية وقتاً طويلاً لتحديد المحور الاستراتيجي الإيراني – السوداني، الذي استخدمه الإيرانيون لنقل الأسلحة إلى قطاع غزة.
على هذه الخلفية، حاولت “إسرائيل” المناورة السعودية مرة أخرى وتوجهت إلى الرياض بطلب للمساعدة.
وخلال اجتماعه الأخير كرئيس للموساد مع مستشار الأمن القومي للملك سلمان، الأمير بند بن سلطان، الذي جرى في دولة ثالثة نهاية العام 2010، طلب مئي ردغان أن تضغط السعودية على عمر البشير لقطع علاقاته مع إيران، أو على الأقل قطع إيقاف سلسلة التزويد الأساسية التي تعمل في بلاده، والأمير بندر تعهد بفحص الأمر.
السعوديون ضغطوا على البشير ليس فقط لأن “إسرائيل” طلبت. فالمعركة مع إيران هي عنصر أساسي في نظريتهم الأمنية، وهم طلبوا من البشير أن يمنع نقل أسلحة من إيران إلى جماعة أنصار الله في اليمن، وذلك لأن قسماً من هذه الأسلحة كانت تنقل عبر السودان.
مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع قال إن “السعوديين استثمروا الكثير من المال في السودان. كما وعدوا البشير بلجوء سياسي في حال سقوط حكمه. وتعهد البشير بقطع الطريق على الإيرانيين. ونحن كنا متأكدين بأنه يخادع، وأنه يقول ذلك تجاه الخارج فقط، من أجل إرضاء بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية السابق، وولي العهد محمد بن سلمان. وفوجئنا بأنه وفى بتعهده وسد الطريق أمام الإيرانيين”.
السعودية هي التي من حاكت العلاقات السرية بين “إسرائيل” والسودان. رؤساء أجهزة المخابرات في السعودية وولي العهد بن سلمان كانوا شركاء في الدائرة السرية للمفاوضات تمهيداً للإعلان عن إنشاء علاقات بين “إسرائيل” والإمارات العربية، بل وساعد في الحصول على دعم من عدة دول مهمة في المنطقة حتى قبل الإعلان عن الاتصالات.
من حينها مارست إدارة ترامب ضغوطاً على السعودية من أجل تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل”. ولو وافق، لكان ابن سلمان قد دُعي إلى واشنطن لحضور حفل التوقيع الشهر الماضي، إلى جانب سلسلة من الاجتماعات والفعاليات الأخرى التي ستكون بمثابة تكريم من إدارة ترامب لولي العهد بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
في المحادثات التي قُدم فيها الاقتراح، أُبلغ ابن سلمان أنه حتى لو تم انتخاب المرشح جو بايدن رئيساً، فإن الزيارة نفسها، التي تتمتع ببعض الشرعية لنظامه وخاصة لنفسه، “لن يتمكن بايدن من القيام بها”.
لكن ابن سلمان رفض العرض المغري وقال إن السعودية ليست مستعدة بعد لمثل هذه الخطوة. وتشير التقديرات في “إسرائيل” والولايات المتحدة إلى أن الملك سلمان، وربما شخصيات قوية أخرى في العائلة المالكة في الرياض، هم الذين يقودون هذه الخطوة وليس ابن سلمان نفسه، على الرغم من الفوائد الكامنة فيها.
صحيح أن ولي العهد السعودي وافق على سلسلة من الإجراءات التي تشير إلى اتجاه عام، بما في ذلك إصدار أول إذن من جميع دول الخليج لشركة طيران “آيير إينديا”، للطيران فوق أراضي المملكة إلى “إسرائيل”، لكن في هذه الأخيرة يقدرون أن العائلة المالكة المحافظة، الحذرة، المتخوفة والتي ترى بنفسها حارساً للأماكن المقدسة الإسلامية، لن توافق على تطبيع في هذه المرحلة، رغم المنافع الكامنة في خطوة كهذه لها”.
ابن سلمان لم يرد الخروج من الخزانة لوحده، لكنه استجاب لطلبات كوهين، اللذين تربطهما علاقات متشعبة تستند إلى ثقة عميقة، بالمساعدة في العلاقة السرية مع السودان. إلا أن “إسرائيل” بحثت طوال الوقت عن الجانب المعلن، الاعتراف.
هنا دخل إلى الحلبة لاعب آخر، أو لاعبة، إلى الساحة: نجوى غاضديم، مستشارة الرئيس الأوغندي موسواني، التي كانت تشغل سابقاً منصباً رفيعاً في الأمم المتحدة. وهي تعتبر مقربة جداً من الحاكم العسكري للسودان، البرهان، وكانت في الواقع مكلفة بإجراء المفاوضات نيابة عنه.
أيضاً في الجولات السابقة من الاتصالات بين “إسرائيل” والسودان، نهاية السبعينيات، كان للسعوديين دوراً مركزياً، وأيضاً حينها كان الموساد المحور الأساسي، كما الآن في وظيفته يوسي كوهين، رئيس الموساد اليوم، كذلك أيضاَ يتسحاق حوفي حينها.
المبادرون إلى العلاقة مع المملكة العربية السعودية والسودان، كانوا أربعة من خريجي الأجهزة الاستخبارية في “إسرائيل”، الشويمر، ويعقوب نمرودي، ورحفيا فاردي، ويتسحاق الموغ. قاموا ببناء جسر للملياردير السعودي عدنان خاشجقي الذي تلقى الضوء الأخضر من الديوان الملكي بالرياض وعمل بالتنسيق معه.
الخاشقجي عرف الجميع، خاصة يعقوب نمرودي. وعلى متن يخته، الذي بيع بعد ذلك لشخص واحد، دونالد ترامب، نسجت الصفقات والمناورات السرية حول العالم. كانت فكرة استبدال رهائن حزب الله الغربيين بأسلحة زودت بها طهران، والتي عُرفت فيما بعد بقضية “إيران غايت”، مجرد فكرة واحدة منها.
الخاشقجي ربط الإسرائيليين بالسوداني جعفر النميري. الهدف الأول كان الحصول على موافقته، مقابل المال، للسماح بهجرة اليهود الذين بدأوا يتجمعون في مخيمات اللاجئين على الحدود مع إثيوبيا.
“موضوع آخر”، يذكره عوديد شامير، الذي تولى حينها منصب السكرتير العسكري لوزير الأمن الإسرائيلي، وهو “محاولة التنسيق مع النميري الصراع السري ضد القذافي، التي شغل من لسبيا منظومة استخبارات وإرهاب في أنحاء العالم”.
في العام 1979 سقط نظام الشاه. إيران تحولت من إحدى الدول الصديقة جداً للولايات المتحدة و”إسرائيل” إلى أشد أعدائهما. في أعقاب ذلك طلب نمرودي وشويمر من خاشقجي تجنيد النميري لهدف جديد – استخدام السودان كمخزن أسلحة وموقع تدريب لقوة الموالين للشاه الإيراني المخلوع، حتى يتمكن من الذهاب إلى إيران والإطاحة بالنظام.
نمرودي، بوساطة خاشقجي، نظم لقاءاً تاريخياً بين وزير الأمن أريئيل شارون والنميري. في أيام من العام 1982 سافر شارون إلى كينيا مع ناحوم أدموني، رئيس الموساد، مدير عام وزارة الخارجية ديفيد كمحي وعوديد شامير، إضافة إلى طاقم من الأشخاص وعناصر حماية.
صحيح أن محاولة إسقاط نظام الخميني فشلت، لكن في أعقاب اللقاء في كينيا غض النميري النظر عن بعض عمليات الموساد في جلب يهود أثيوبيا، بل وسمح بإنشاء بعثة دائمة للموساد في بلاده.