المشهد اليمني الأول/
بعد أربع سنوات تقريبًا من تأدية ترامب اليمين الدستورية، فإن الوصف الأنسب للسياسة الأمريكية في المنطقة سيكون “عدم الاتساق الاستراتيجي”، ولا تكمن مشكلة نهج ترامب في الشرق الأوسط في عدم الاتساق في الواقع، بل في الجودة المتناثرة لمواجهاته مع المنطقة.
هذا ما تؤول إليه الأمور عندما يثق الرئيس في “غرائزه” أكثر من أي شيء آخر، مما يقوض ما يفترض أن يكون عملية سياسية خارجية تداولية، وما زاد الوضع سوءً هو النهج “المندفع” الذي اتبعه ترامب تجاه العالم، سياسته كانت أشبه بما يُسمي “Lazy Susans”، وهي طريقة تقديم طعام في المطاعم الصينية في السبعينات.
هذه هي الطريقة التي يتعامل بها الرئيس مع سياسته الخارجية: يهتم بسوريا، وتصبح القضية التي تشغل باله لمدة يوم أو يومين قبل أن يدور مرة أخرى للهبوط في فنزويلا، ثم ينتقل إلى الناتو؛ ثم إلى العراق؛ كوريا الشمالية.
يتنقل بين الملفات والقضايا بصورة سريعة، ودون أن يحل أي منها.
بالطبع، ترامب ليس الوحيد في واشنطن في إخفاقه في إيضاح ما تريده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لكنه العضو الأكثر أهمية في تلك المجموعة، وقد أدى خوضه في الصراعات والقضايا التي تبدو عشوائية والخروج منها إلى المخاطرة بمزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة.
يقول ترامب إنه يريد الخروج من الحروب إلى الأبد، وتحقيقا لهذه الغاية، قلل بشكل كبير من الوجود الأمريكي في العراق وأفغانستان. في الوقت نفسه، قاد حملة ضغط قصوى على إيران، وهي دوامة لا تنتهي من المزيد والمزيد من الضغط.
تبدو مخاطر التصعيد والصراع في مثل هذا النهج واضحة، مما يشير إلى أنه ربما يكون هذا ما يريده الرئيس أو المسؤولون في إدارته، ومع ذلك، لم يرد ترامب على الاستفزازات الإيرانية في الخليج العربي في صيف 2019، رغم أنه نشر الآلاف من القوات الأمريكية هناك وقتها.
في المقابل، وعلى الرغم من تجاهل هجمات إيران ضد السعودية، استهدفت قوات ترامب على قائد الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بغارة جوية أدت إلى مقتله في خطوة على الرغم من استحسانها لدى البعض، إلى أنها ظلت سبباً في التوتر في المنطقة ولا سيما من إيران التي لا يمكن الوثوق في ردة فعلها.
بعد ذلك، أتى الدور في لعبة “الكراسي المتحركة” التي يتبعها ترامب، على “صفقة القرن”، التي كان من المفترض أن تحقق ما لم يحققه أي رئيس أمريكي آخر من قبل، إذ روجت الاتفاقية إلى إيجاد حل لإنهاء الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
الحقيقة، أن ما يُعرف باسم خطة ترامب / كوشنر للسلام، لم تحقق أي من الأهداف التي روجت إليها لأنها ببساطة طالبت الفلسطينيين بالتفاوض على استسلام نهائي ومخزي، وهو أمر مرفوض تماماً لدى الفلسطينيين، ويستطيع أي شخص لديه أدنى فضول بشأن هذا الصراع، أن يخمن هذا
إن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والصمود تحت وطأة هذا الاحتلال من أهم سمات الهوية الفلسطينية، لهذا عندما أصبح من الواضح أن الفلسطينيين غير مهتمين بتلك الصفقة أحادية الجانب، فقد ترامب اهتمامه بها، وترك ملفها كسابق الملفات التي فتحها وتركها دون حل.
فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان في المنطقة، فلا يوجد ما يتم التحدث عنه في هذا الصدد، فكما يبدو، لم تكن قضايا حقوق الإنسان أبداً في قائمة اهتمامات ترامب.
طوال السنوات الأربع الماضية – سنوات حكم ترامب- ظل ترامب غير مبال بشكل واضح وفريد بمعاناة الآخرين على أيدي أصدقائه من الحكام العرب.
من المؤكد أن خيارات سياسة الرئيس الأمريكي محدودة عندما يتعلق الأمر بمنع أو إدانة انتهاكات حقوق الإنسان، خاصة تلك التي تُرتكب على أيدي شركاء الولايات المتحدة وحلفائها، على الرغم من صلاحياته اللامحدودة في وضع حداً لمثل تلك الانتهاكات، إلا أنه وبدلاً من ذلك، وصف ترامب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بـ “الديكتاتور المفضل لديه”.
كان التفسير الأكثر منطقية لتلك الحادثة هو أن ترامب يتصرف بفظاظة غير لائقة، لكن مثل هذه التصريحات غير المألوفة ليست مضحكة بالنظر إلى حجم القمع في “مصر السيسي”.
ومن السيسي إلى بن سلمان، نتساءل: ما عُذر ترامب حين قال لوسائل الإعلام أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان يجب أن يختلق قصة أكثر واقعية للتغطية على جريمة قتل جمال خاشقجي؟
لا يوجد تفسير لمثل تلك المواقف إلا أن ترامب يربط المصالح الأمريكية بضرورة العمل مع القادة الاستبداديين، مع ذلك، فيبدو أنه لم يفهم الأمر جيداً، فهناك فرق بين تكوين صداقات وتحالفات مع دول، وبين التستر على جرائم قادتها، لأن التزام الصمت حيال انتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الإنسان والحقوق السياسية سيظل جريمة مهما كانت المبررات.