المشهد اليمني الأول/
رغم التأثيرات القوية التي أحدثتها حملات المقاطعة للمنتجات الفرنسية التي انطلقت في البلدان الإسلامية رداً على إساءة ماكرون للنبي محمد، والتي أسفرت مؤخرا عن مطالبة الخارجية الفرنسية للمسلمين بعدم مقاطعة المنتجات في بيان رسمي، إلا أن نظامي الحكم في كلاً من السعودية والإمارات وعبر أذرعهم الإعلامية كان لهم رأي آخر، حيث استمروا كعادتهم في معاداة قضايا الأمة والانحياز إلي أعدائها على حساب الدين والقيم والمقدسات.
لقاء ودي
وفي الوقت الذي تشتعل فيه البلدان الإسلامية غضباً من فرنسا بسبب إساءتها للنبي، أثار أمير منطقة مكة المكرمة غضباً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي؛ بعد استقباله السفير الفرنسي لدى السعودية، بالتزامن مع حملة فرنسية للإساءة إلى النبي محمد والإسلام، قابلتها موجة مقاطعة إسلامية للمنتجات الفرنسية.
ونشرت وكالة “واس” الحكومية السعودية، أمس الأحد، خبر استقبال أمير منطقة مكة المكرمة خالد الفيصل، السفير الفرنسي لدى السعودية لودفيك بوي، وقالت إنهما تبادلا أحاديث “ودية”.
وأشارت الوكالة إلى أنهما ناقشا خلال الاجتماع، “الموضوعات ذات الاهتمام المشترك”، دون مزيد من التفاصيل.
ونشرت إمارة منطقة مكة على “تويتر” خبراً مقتضباً عن اللقاء، وعلق عليه السفير الفرنسي باللغة العربية قائلاً: “أشكر صاحب السمو خالد الفيصل، أمير منطقة مكة، على استقباله الحار اليوم في مقر الإمارة. تشرفت بهذا اللقاء الودي بمناسبة زيارتي الأولى لجدة”.
ولم تتطرق الوكالة الرسمية إلى أي حديث حول تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي دافع فيها عن الرسوم المسيئة للنبي محمد عليه السلام.
وعبر ناشطون عن غضبهم الشديد تجاه الاستقبال الودي للسفير الفرنسي من قبل أمير مكة، في ظل موجة سخط عارمة في العالمين العربي والإسلامي ضد فرنسا.
وأوضح ناشطون أن ما زاد من استهجانهم هو غياب أي موقف رسمي للسعودية تجاه ماكرون، رغم أن المملكة دائما ما تقدم نفسها على أنها دولة إسلامية.
احاديث ودية وهم يسيئون للرسول ( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ)
— Ehab Desuoky (@ehab_desuoky) October 25, 2020
وعلق آخر قائلا: “في الوقت الذي كنا نتوقع أن يتم استدعاء السفراء والاحتجاج من بلاد الحرمين الشريفين على الإساءة لنبي الإسلام والدين الحنيف؛ فإذا بهم أحاديث ودية وتنسيق عالٍ لزيادة مواجهة تركيا”.
في الوقت الذي كنا نتوقع أن يتم استدعاء السفراء والاحتجاج من بلاد الحرمين الشريفين على الإساءة لنبي الإسلام والدين الحنيف فإذا بهم أحاديث ودية وتنسيق عالي لزيادة مواجهة #تركيا
اعلموا انكم سقطتم من نظر المسلمين كحامي للحرمين في مقابل زيادة في رصيد #تركيا كمدافع عن الإسلام— محمد الكدهي (@mkadahy) October 25, 2020
ويري مراقبون أن هذا اللقاء يعتبر ترجمة حقيقية لسياسة المملكة الحالية في تعاملها مع القضايا الإسلامية، حيث دائماً ما تسعى السعودية لاسترضاء الغرب وأمريكا، حتى وإن كان ذلك على حساب المقدسات والثوابت الدينية كما هو الحال مؤخراً في عدم استنكارها رسمياً للإساءة الفرنسية للنبي الكريم.
الدفاع عن ماكرون
وبينما انتفض العالم الإسلامي ضد الرسوم المسيئة للنبي، كانت النخب والمثقفون السعوديون والإماراتيون يتصدرون المشهد دفاعاً عن فرنسا، بل ويوجهون هجوماً على أنقرة بالوقوف وراء افتعال أزمة بين المسلمين وباريس على ضوء الحوادث الأخيرة في فرنسا.
وانبرى عدد من الكتاب السعوديين يدافعون عن تصريحات ماكرون المسيئة للإسلام، حيث كتب الصحفي السعودي عضوان الأحمري، رئيس تحرير صحيفة “إندبندنت” عربية، قائلاً: إن “تركيا هي العدو الأول للسعودية وأمنها وليست فرنسا”، معتبراً أن الرسوم المسيئة للنبي “تصرف فردي إدانته هو ما يمكن فعله”، متجاهلاً سماح السلطات الفرنسية بنشر تلك الرسومات بشكل واسع.
فيما اعتبر هجوم ماكرون وتصريحاته “رد فعل طبيعياً على جريمة وحشية ارتكبها إرهابي أهوج”، مضيفاً: “مقاطعة تركيا مستمرة، والذين يحاولون صرف النظر عنها وتخفيف أثرها بحرف البوصلة نحو باريس لن ينجحوا”.
وفي ذات السياق، برر الكاتب السعودي تركي الحمد تصريحات ماكرون ضد الإسلام قائلاً: “نعم.. ماكرون شن حملة على الإسلام السياسي وليس الإسلام، ولكن الإخوان يريدونها حملة على الإسلام ككل”، وأكمل قائلاً: “هناك خلط واضح بين الإسلام وفكر البنا وقطب، وهذا غير صحيح.. الإخوان يريدون احتكار الإسلام؛ ففرنسا فتحت لهم أبواب الهجرة، فكيف تتنكر لهم؟”.
أما الإماراتي عبد الخالق عبد الله، المستشار السابق لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، فوصف ما حدث من مقاطعة لمنتجات فرنسا بأنها “حملة الإخوان ضد حرب فرنسا المحقة على الغلو والتطرف”، زاعماً أنها “ليست مخلصة لوجه الله، وليست دفاعاً عن الإسلام، بل هي متاجرة بالدين”.
رئيس مركز أبوظبي للغة العربية (يتبع لدائرة الثقافة والسياحة) علي بن تميم، وهو أكاديمي وإعلامي إماراتي، قال إنه يدعم مقاطعة تركيا “التي أساءت إلى إرث الرسالة المحمدية وتراث العرب والمسلمين”، وأضاف: “لا بل ألف لا لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية؛ لأن فرنسا سعت دون كلل ولا ملل إلى عدم الارتهان للجماعات الإسلاموية المتطرفة التي تريد احتكار الصواب ونشر الاحتراب بالزيف والسراب وفتاوى الإرهاب”.
مهاجمة حملات المقاطعة
ولم يقتصر الأمر علي النخب السياسية والصحفيين، بل شاركت وسائل إعلام تمولها الحكومات الرسمية في السعودية والإمارات، حيث خصصت قنوات الدولتين، وفي مقدمتها “سكاي نيوز عربية” الإماراتية، و”العربية السعودية”، تغطيات للنيل من حملة المقاطعة لمنتجات فرنسا.
واعتبرت “سكاي نيوز”، في تقرير لها (24 أكتوبر 2020)، أن “حملة مقاطعة البضائع الفرنسية بدا من الجهات التي تدعم الحملة وتروج لها أنها ترتبط بأنقرة وحلفائها من الإخوان للتشويش على الحملة التي تستهدف مقاطعة البضائع التركية”.
وأضافت: “لكن نظرة فاحصة للحسابات الناشطة لهذه الحملة تظهر أنها مرتبطة بقطر وتركيا وتنظيم الإخوان، حيث أمطرت فرنسا بالهجمات، حيث لعبت هذه الهجمات الكلامية على العاطفة الدينية لتأجيج مشاعر الغضب ضد فرنسا وتحويلها إلى دعوة لقبول المنتجات التركية كبديل مسلم للمنتجات الفرنسية”.
أما قناة “العربية السعودية” فقد نشرت تقريراً يدافع عن الرئيس الفرنسي ماكرون، وقالت إنه يتبنى رأياً “لحماية فرنسا من التطرف”.
ولم تتوقف القناة عند ذلك فقط، بل حولت هجومها نحو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونشرت تقارير ومقالات تتحدث عن أهمية استمرار مقاطعة المنتجات التركية.