المشهد اليمني الأول/
ماكرون أصبح رمز الكراهية في العالم الإسلامي.. ومواقفه مبنية على مصالح شخصية، ربما لم يتوقع المعلم الفرنسي -صموئيل باتي- أن تصرفه بإثارة مشاعر المسلمين في فصله قد تؤدي في يوم من الأيام إلى صراع بين الدول والحضارات.
على الرغم من أن تلك الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد التي عرضها في درسه قد أدت إلى أزمة سابقة للمجلة ناشرة الرسومات، لكن الواقع الآن، أن ذات الأزمة عادت من جديد بل وبصورة أشد.
في السادس من أكتوبر/تشرين الأول قام باتي – مدرس التاريخ والجغرافيا في إحدى مدارس باريس، بعرض رسوم كاريكاتورية تصور النبي محمد -في تصرف محرم في الإسلام-، بدعوى حرية الرأي والتعبير، لكن فعلته أدت إلى مقتله على يد فتى في سن المراهقة من أصول شيشانية، ومن ثم إلى نشوب أزمة عالمية بين فرنسا والمسلمين.
مانويل ماكرون – الرئيس الفرنسي- بدوره انتفض لمقتل المدرس، وبدلاً من محاولة حل الأزمة، ساهم في زيادة الاحتقان وقاد حملة شرسة ضد الإسلام جعلته رمزاً للكراهية والعنصرية في المجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم، بل أكد ماكرون على أن فرنسا ” تتراجع عن نشر الرسومات الكاريكاتورية”.
خطاب ماكرون الذي وصفه المسلمون وبعض المفكرين والمحللين الغربيين أنه خطاب كراهية في المقام الأول، أثار غضب الشعوب والقادة المسلمين، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على سبيل المثال وصف ماكرون بأنه مريض عقلياً بحاجة إلى فحوصات نفسية وذهنية.
ودعا إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية في بلاده، وهي ذات الدعوات التي انتشرت في العالم العربي، فمن صنعاء إلى الرياض، رُفعت المنتجات الفرنسية من أغلب المحال التجارية، مع بيانات تنديد بموقف ماكرون من كبار المسؤولين في تلك البلدان.
في ظل الظروف الحالية التي تعاني فيها البلدان من أزمة اقتصادية بسبب فيروس كورونا، بما فيها فرنسا، توقع الكثيرون أن ماكرون سيتراجع عن تصريحاته ويعتذر عنها، إلا أنه فعل العكس تماماً، حيث بدأ بتصريحات معادية للمسلمين.
ثم اتصل بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لحثه على مضاعفة جهود روسيا للتعاون في مكافحة الإرهاب، كون أن قاتل باتي من أصول شيشانية، مع تجاهل الأسباب التي دفعت هذا الشاب صغير السن إلى ارتكاب مثل هذا التصرف.
يحاول ماكرون الترويج لمواقفه بأنها تهدف إلى مواجهة التطرف أو حتى نشر العلمانية، في حين أنها في الواقع تخدم مصالحه الشخصية.
موقف ماكرون الأخير من الإسلام، في نظره هو استثمار جيد لحشد الأصوات في الانتخابات الرئاسية المقبلة في أبريل/نيسان 2022، خاصة مع التحديات التي يواجهها من أحزاب اليمين ذات العقلية الأمنية، سواء من يمين الوسط Les Républicains أو اليمين المتطرف مارين لوبان، إذ يرى أن مواقفه الصارمة من الإسلام ستصب في مصلحته.
الأكيد الآن، أن هذه المواقف لم تخدم أجندته العلمانية، وقد لا تخدمه في الانتخابات، فمن جهة يُنظر لماكرون على أنه رمز للكراهية والعنصرية، ومن جهة يواجه اقتصاد فرنسا هزة حادة بسبب المقاطعات العربية والإسلامية للبضائع الفرنسية.
ولعل هذا ما يدفع ماكرون إلى جعل الآخرين يدركون أنهم لا يستطيعون البقاء على الحياد.
تصريحات ماكرون بعد وفاة المعلم باتي لم تكن الأولى في استفزازه لمشاعر المسلمين، فقبل الواقعة بحوالي أربعة أيام، ألقى ماكرون خطاباً حول العلمانية، شن خلاله هجوماً على الإسلام بقوله إن “الإسلام دين يمر بأزمة في جميع أنحاء العالم”، مضيفاً “نحن لا نؤمن بالإسلام السياسي الذي لا يتوافق مع الاستقرار والسلام في العالم”.
الخطاب أثار جدلاً واسعاً في دول العالم الإسلامي، ولا سيما تركيا، إذ يعد نصف أئمة المساجد في فرنسا من الأتراك، حيث طالب ماكرون بإعادة تنظيم المساجد والأئمة، في تدخل واضح في الشؤون الداخلية الإسلامية.
ادعى ماكرون أن خطابه كان حيادياً، لكن خطاب معقد مثل هذا من السهل استخدامه ليصبح مصدراً لإثارة الخلافات مع الخارج المتمثل في الدول الإسلامية، وعلى رأسهم كما ذُكر أعلاه تركيا، البلد التي تعتبرها فرنسا عدو الآن بسبب عدد من الخلافات والنزاعات التي نشبت بينهما مؤخراً بسبب قضايا إقليمية.
هذه الخلافات -حول سوريا وليبيا وحلف الناتو والتنقيب عن الغاز في شرق البحر المتوسط وأرمينيا – لكل منها سياقها وتفاصيلها الخاصة، لكنها كلها تنبع من رفض فرنسا وجود أي منافس آخر على الساحة، وقد يدفعها ذلك إلى الإضرار بمصالح الدول الأخرى ان لزم الأمر.
يشعر العديد من الأوروبيين بالقلق من نهج ماكرون “الديجولي” ]المنشق[ إلى حد ما، أو نهج الذي يتبع شعار “فرنسا أولاً”.
يقول برونو تيرتريس من المؤسسة الفرنسية للأبحاث الاستراتيجية: “فرنسا نفسها لا تستشير حلفائها دائمًا أو تسعى للحصول على دعمهم قبل اتخاذ مبادرات دبلوماسية، بالكاد فعلت ذلك في ليبيا ولم تفعل ذلك على الإطلاق فيما يتعلق بإعادة ضبط روسيا.
ربما لو كان ماكرون قد عزز العلاقات مع حلفاء فرنسا في أوروبا الشرقية في الناتو وأعضاء الاتحاد الأوروبي، لكان قد حصل على المزيد من الدعم المبكر لموقفه ضد تركيا والمزيد من الثقة لدبلوماسيته مع روسيا”.
كان ماكرون يعتمد في صراعه مع تركيا وغيرها دون اللجوء إلى أحد على ضرب الاقتصاد التركي، إلا أنه الآن، وفي الوقت الذي يخسر فيه ماكرون بسبب تصريحاته العنصرية، يستمد أردوغان قوته من إدانات ماكرون عبر العالم العربي، كما انضم صراحة إلى الدعوة إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، قائلاً: “أصبح من الصعب أكثر فأكثر أن تكون مسلمًا وأن تعيش أسلوب حياة إسلامي في الدول الغربية”.