المشهد اليمني الأول/
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن السعودية اعتقلت أفراد عائلة مسؤول هرب إلى الخارج في محاولة منها للضغط عليه.
وفي التقرير الذي أعده مراسلها بن هبارد من بيروت، قال فيه إن سعد الجبري عمل ولسنوات في مجال الاستخبارات وكخبير في مجال الذكاء الاصطناعي، ولعب دورا مهما في الحرب التي شنتها الحكومة ضد تنظيم القاعدة وفي التنسيق الأمني بين الولايات المتحدة والمملكة.
ولكن الجبري هرب إلى كندا منذ عام 2017 خوفا على حياته، ورفض الضغوط المتزايدة عليه من ولي العهد محمد بن سلمان العودة إلى السعودية، حسبما يقول أولاده ومقربون منه ووصل الضغط الآن إلى عائلته.
فمنذ آذار/ مارس اعتقلت المخابرات السعودية اثنين من أولاده وأحد أشقائه وتم احتجازهم في أماكن مجهولة.
وقال ابنه الطبيب خالد الذي يعيش في كندا الآن: “مرت أسابيع ولا نعرف مكانهم” و”تم اختطافهم من فراشهم ولا أعرف إن كانوا أمواتا أو أحياء”. ولم تؤكد السلطات السعودية اعتقالهم، فيما لم ترد السفارة السعودية في واشنطن على أسئلة الصحيفة حول الاعتقال ولا حول الجبري.
وبالنسبة للجبري الذي شعر أنه يعيش بمأمن من السلطات، فإن الضغط عليه يأتي وسط المخاوف التي تدور وسط المنفيين السعوديين بعد جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي في سفارة بلاده في اسطنبول في الثاني من تشرين الثاني/أكتوبر.
ويقول ابنه ومسؤول أمريكي تعاون مع الجبري، إن محمد بن سلمان يريد عودة الجبري؛ لأنه لا يريد شخصا له اطلاع واسع على ملفات سرية، أن يظل بعيدا عن سيطرته في الخارج.
وقال جيرالد فييرستاين، نائب المدير في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: “القضية الأوسع هي أن (م ب س) يشعر بالعصبية عندما يكون هناك شخص خارج عن سيطرته”. وشارك الجبري في عدد من الملفات الحساسة أثناء عمله الطويل في الاستخبارات السعودية، ويعرف كما يقول فييرستاين الذي عمل أيضا سفيرا في اليمن “أين دفنت الجثث” في السعودية، وربما كانت لديه معلومات حساسة عن محمد بن سلمان نفسه.
وانتهت مسيرة الجبري العملية في الصراع بين أميريين قويين، وأصبح مثالا عن المدى الذي يذهب إليه محمد بن سلمان لسحق أي تهديد له. فقد لاحق أي شخص اعتبره خطرا في داخل السعودية وخارجها بمن فيهم جمال خاشقجي الذي قتل لمجرد نشره مقالات رأي في صحيفة “واشنطن بوست”.
ولم يصدر أي انتقاد من الجبري لمحمد بن سلمان، لكنه كان محسوبا على معسكر الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق. واعتقل ابن نايف في آذار/ مارس، بعدما صدرت منه شكاوى في أحاديث خاصة حول الطريقة التي يحكم فيها محمد بن سلمان السعودية.
وعمل الجبري الخبير اللغوي والمتخصص في علوم الكمبيوتر والحائز على درجة الدكتوراة بالذكاء الاصطناعي من جامعة أدنبرة في اسكتلندا، عمل في وزارة الداخلية لمدة أربعة عقود، حيث ترفّع إلى درجة لواء، وأصبح الساعد الأيمن لمحمد بن نايف، وعيّنه الملك سلمان في منصب وزير. وكان منفتحا ويتقن اللغة الإنكليزية أكثر من رئيسه، وأقام علاقات قوية مع المسؤولين الأمنيين الأمريكيين والبريطانيين ومن دول مختلفة.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الجبري لعب دورا في الكثير من الملفات الحساسة بالمملكة، بما فيها الحرب ضد القاعدة وحماية المنشآت النفطية السعودية. ورفض الجبري تقديم أي تعليق للصحيفة.
وكانت علاقته الرئيسية مع وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) إلا أن البرقيات الدبلوماسية التي سربها موقع “ويكيليكس” تكشف أنه بحث مع المسؤولين عددا من الموضوعات التي تتراوح من العراق وأفغانستان وتمويل الإرهاب.
ويقول فييرستاين إن “سعد الجبري كان رجلا جيدا وأي شخص تعامل معه خرج بانطباع جيد عنه وكان ذكيا وجادا وعمل بجد وميالا للولايات المتحدة وشريكا جيدا لنا”. وكانت علاقة الجبري قوية مع الولايات المتحدة لدرجة أن عددا من المسؤولين حضروا حفلات زفاف أبنائه.
ويقول بروس ريدل، المحلل السابق في “سي آي إيه” والزميل حاليا بمعهد بروكينغز، إن وزارة الداخلية السعودية لديها جهاز رقابة واسع، ومنحها كنزا من المعلومات والأسرار حول نشاطات أعضاء في العائلة المالكة وأسرارهم وفسادهم ومؤامراتهم وجرائمهم.
وعلق ريدل أن “ملفاتهم هي كاتالوغ لكل حادث لا يحبون نشره من نشاطات غير قانونية إلى أمور محرجة”. وفي الوقت الذي يفترض الكثير من المسؤولين الغربيين أن المعلومات السرية هي سبب ملاحقة محمد بن سلمان للجبري، إلا أن مسؤوليْن أمريكي وسعودي قالا إن الحكومة بررت ملاحقته على خلفية تهم فساد.
وقالا إن الجبري متهم باستخدام منصبه لمراكمة ثروة هائلة، والأمير يريد استعادة المال. إلا أن السعودية لم تعلن عن أي اتهامات فساد ضد الجبري.
ومع صعود محمد بن سلمان إلى السلطة عام 2015، بدأ وضع الجبري بالتزعزع، حيث صدر مرسوم ملكي بنفس العام يعفيه من منصبه، ولم يعرف عن الأمر إلا بعد بثه في التلفاز والإذاعة.
وكان الجبري في الخارج عندما أطاح محمد بن سلمان بابن عمه محمد بن نايف ووضعه تحت الإقامة الجبرية وجمّد أمواله، ولأنه خشي من نفس المصير قرر عدم العودة، ولم يُقِم في الولايات المتحدة خشية تسليمه من قبل إدارة ترامب التي أقامت علاقة جيدة مع محمد بن سلمان.
وعندما غادر الجبري السعودية، بقي اثنان من أولاده الثمانية فيها، حيث بدأت السلطات تضيق عليهما لإجبار الأب على العودة. وقال خالد الجبري إن شقيقه عمر (21 عاما) وشقيقته سارة (20 عاما) كانا يخططان للدراسة في الولايات المتحدة عندما علما أنهما ممنوعان من مغادرة السعودية، ثم تم تجميد حساباتهما المصرفية واستدعيا للتحقيق، وطلب منهما تشجيع والدهما على العودة.
وفي 16 آذار/ مارس، جاء الأمن إلى منزل العائلة في الرياض صباحا واعتقلهما. ويقول خالد إن عمه، عبد الرحمن، أستاذ الهندسة الإلكترونية الذي درس في أمريكا اعتقل أيضا، وهو في الستينات من عمره.
ومع مرور الأسابيع بدون خبر، بدأت العائلة تقلق، ومن هنا قررت كسر الصمت والتحدث مع صحيفة “نيويورك تايمز” بالإضافة لاستئجار شركة ضغط في واشنطن للمساعدة في الإفراج عنهم.
ويقول خالد الجبري “إنهم رهائن والفدية هي والدي” و”م ب س يحاول ربط كل العُقد وقرر أن والدي هو العقدة الكبرى”.
المصدر: القدس العربي