المشهد اليمني الأول/
كانت هذه الأُسر تعيش داخل حوش في مدينة الشعب، ضمن 54 أسرة نازحة، وعندما نُقِلَ الجميع إلى مخيم جديد تم منعها من دخوله، تم رمي هذه الأُسر إلى الشارع، حيث تعيش، منذ نحو 17 يوماً أوضاعاً مأساوية وظروفاً صعبة محفوفة بالمخاطر، النساء والأطفال والرجال يعيشون تحت حرارة الشمس اللاذعة، دون أكل وماء، وعُرضة لمخاطر عدة، يعيشون عزلاً دون أي مساعدة أو أي حماية، ويقضون أيامهم مفترشين الأرض في انتظار ما ستقدمه لهم أيادي فاعلي الخير
النازح محمد سليم: لمن نشكي، ولمن نبكي، والله أني ما أنام للفجر، بسبب البلاطجة والعساكر الذين يتعبونا طول الليل أجا طقم ودعس دباب الماء حقنا، وساوى بهم الأرض، بحجة أن لديهم أمراً بالتفتيش!، النازحة مريم، تحدثت بغصة، ثم انفجرت بالبكاء: نأكل خبز يابس له من 3 أيام.. حالتنا مبهذلة، ليس معنا أكل ولا ماء.. المندوبة أحلام ظالمة، انتقمت منَّا، ومن كثر حقدها علينا قامت بتكسير الحمامات المتنقلة لحرماننا من الاستفادة منها.
الأسبوع الفائت، نزل مندوب إلى مخيم النزوح في مدينة الشعب- عدن، للاطلاع على أوضاع النازحين في هذا المخيم، ومعرفة المشاكل التي يعانون منها، فوجد ما هو أهم: 15 أسرة نازحة تم رميها خارج المخيم. أغلب أفراد هذه الأُسر نساء وأطفال وفتيات تم رميهم في الشارع. ومنذ أكثر من أسبوعين، وهذه الأُسر تعيش أوضاعاً مأساوية وظروفاً صعبة، حيث تقضي أيامها على هامش شارع عام مليء بالمخاطر. القصة مؤلمة ومأساوية، هنا تفاصيلها.
قبل أكثر من عام ونصف، نزحت هذه الأُسر، مع أُسر أخرى، من محافظتي تعز والحديدة، إلى عدن، هرباً من العدوان التي شنها تحلاف العدوان على كل اليمنيين.
تم إيواء هذه الأُسر في مخيم نزوح أقيم على أرضية/ حوش مواطن في مدينة الشعب- عدن، وصل عدد الأُسر التي تم إيواؤها في هذا المخيم/ الحوش إلى 54 أُسرة، ينتمي أفرادها إلى تعز والحديدة.
ظلت هذه الأُسر في المخيم لقرابة سنة وسبعة أشهر، وظلوا يحصلون على مساعدات من منظمة أكتد الفرنسية ومنظمات أخرى، مؤخراً، قرر مالك الأرضية/ الحوش إخراج هذه الأُسر النازحة من أرضيته/ حوشه، لأنه وجد شخصاً يُريد استئجاره منه؛ كما قِيل.
منظمة أكتد الفرنسية، أقامت، بالتنسيق مع السلطة المحلية ومنظمات أخرى، مخيم نزوح آخر لهذه الأُسر، في المنطقة ذاتها.
وقبل نحو 17 يوماً، تم نقل جميع 39 أُسرة إلى المخيم الجديد، ورمي بقية الأُسر الأخرى (15 اُسرة) إلى الشارع! لم يُسمح لها الانتقال إلى المخيم الجديد، بمبرر أنها ليست أُسر نازحة! ولاتزال هذه الأُسر تعيش في الشارع؛ بالقرب من “الفكة” المؤدية من الشارع الرئيسي العام (طريق البريقة) إلى “بئر أحمد”.
يتحدثون عن أوضاعهم السيئة، ويناشدون المنظمات الدولية توفير مكان كي يعيشوا فيه، مع الأساسيات اللازمة للحياة. جوار هذه الخيمة هناك خيم أخرى مبعثرة، جوارها وبالقرب منها، على قارعة الطريق، هنا تعيش هذه الأُسر الجحيم اليومي للنزوح.
يقول أفراد هذه الأُسر إن المشرفين على المخيم، وهم يعملون مع منظمة “أكتد” الفرنسية، استبعدوا أسماءها من كشف الأُسر التي تم نقلها إلى مخيم النزوح الجديد، هكذا، وجدت هذه الأُسر نفسها مجبرة على إقامة خيامها المهترئة على أحد جانبي الشارع العام، حيث تقضي أيامها وسط الغبار، دون مأكل أو مشرب؛ دون حماية، وعُرضة لمخاطر عدة.
تنتمي الأُسر الـ15 المرمية في الشارع إلى محافظة تعز، وتقول إن امرأة تدعى “أحلام”، وشخص يدعى عبده مهذب، بالوقوف خلف المأساة التي هم فيها. يعمل الشخصان كمسؤولين عن مخيم النزوح في “الشعب”.
قال عددٌ من أفراد هذه الأُسر إن خلافاً نشب بينهم وبين “المندوبة أحلام” (كما يسمونها)، بسبب قيام الأخيرة بتقليص السلال الغذائية المقدمة لهم كمساعدات. وطبقاً لقولهم، فذلك الخلاف دفع “أحلام” إلى معاقبتهم: إخراجهم من المخيم، ورميهم في الشارع، بحجة أنهم غير نازحين! و”أحلام” هذه نازحة من محافظة الحديدة، عينتها منظمة “أكتد” كمشرفة على المخيم.
لمن نشتكي.. ولمن نبكي؟!
ينتمي محمد حسن إلى منطقة “برح العُريّش” في تعز، يعيش وأفراد أُسرته في الشارع، خارج “مخيم الشعب”، رمت بهم “المندوبة أحلام” خارج المخيم. قال محمد لـ “الشارع”: “نزحنا، أنا وأُسرتي إلى عدن.
في البداية تشردنا ولم نجد مكاناً آمناً نعيش فيه، وجاءنا فاعل خير وأخذنا إلى الحوش الذي يقيم فيه النازحون في مدينة الشعب، وجلسنا هناك، لكن صاحب الحوش أخرجنا من أرضيته، نقلوا النازحين من الحوش إلى مخيم آخر، ونحن استبعدونا من الكشف، والآن نحن في الشارع”.
في الشارع، تُكابد هذه الأُسر، وبينها أطفال وفتيات، عناء العيش في جحيم الفقر والتشرد، وفوق هذا، لم يسلم أفرادها من الاستفزازات والمضايقات اليومية، يقول النازح محمد سليم: “لنا عشرة أيام منذ تم طردنا، وعدم السماح لنا بالعيش في الخيم الجديد، وكل ليلة ونحن في صراع مع العساكر السكارى، الذين يضايقونا ويأتون إلينا ليلاً، ويقولون لنا: اخرجوا، أنتم وأُسركم من الخيام، فلدينا حملة لتفتيش خيامكم”.
بغُصَّة يستطرد: “أحد الأطقم أجا لا فوق دبب الماء حقنا، ودعسهم، وساوى بهم الأرض، بحجة أن لديهم أمراً بالتفتيش!”، وتساءل المسن محمد سليم: “أيش طيب تشوفوا؛ معي سلاح.. بوازيك.. صواريخ؟! أنا إنسان مرمي بي في الشارع، أنا وعيالي! نقول لهم: رُوحوا من هنا، ما يرضوا، ويتعبونا طول الليل بالقوة”.
ودعا النازح محمد سليم على “المندوبة أحلام”، التي قال إنها السبب في معاناتهم، وفي عدم السماح لهم بالانتقال مع بقية أُسر النازحين إلى المخيم الجديد: “هي أخذت ناس وتركت ناس، أخذت واحدة اسمها نجاة، وهي صاحبتها، ونجاة هذه هي في الأساس من أبناء مدينة الشعب، ومعها بيت، ولكن عاملة نفسها نازحة، لكي تستلم معونات ومساعدات إغاثات على حساب النازحين، وهي الآن تعيش في المخيم الجديد لأن أحلام صاحبتها، ونحن المستحقين والنازحين الحقيقيين كنسلونا، رموا بنا للشارع، ولا يعطونا شيء!”.
يستطرد محمد سليم: “نحن حاربتنا أحلام، والمسؤولين أصحابها، حاربونا في كل شيء، حتى الحمامات دمروها قبل ما ينتقلوا إلى المخيم الجديد، وما سمحوا لنا بأخذها كي نستخدمها، والآن نحن بلا حمامات.. وعبده مهذب [مسؤول، مع “أحلام”، على النازحين في مخيم الشعب] باع خزانات المياه! سلبونا كل شيء، ونحن الآن مهددين بمخاطر كثيرة، وأي إنسان سيموت منّا فهو في ذمة المنظمات.
بسبب تصديقهم للأشخاص غير الجيدين المسؤولين علينا، قبل هؤلاء المندوبين، كان هناك شخص اسمه علي حميد، كان مندوب للمنظمات، وكان مش تمام، بسبب شكوانا عليه غيروه، وقلنا: الحمد لله تخلصنا من الظلم، وأنهم رجعوا لنا أشخاصاً ألعن وأشد ظلماً منه”.
اختتم محمد سليم حديثه، بالقول: “نحن نطالب الجهات المعنية أن يشوفوا لنا مكان آمن فقط لا غير، ويَعِزُّونا من البهذلة، واستفزازات البلاطجة، ونشتي لنا لقمة تسد جوعنا، وشربة ماء، وغير ذلك ما نشتي شيء، كَثَّر الله خيرهم. نحن بلا أكل ولا ماء، ولا نملك شيء، سوى ما يقدمه لنا أصحاب الخير الذين يجدلوا لنا ببعض الأكل من سياراتهم، وهم مارين في الشارع بجانبنا”.
مريم، تسير في عقدها السادس، لديها ثمانية أبناء، أغلبهم إناث. نزحت مريم، مع أولادها، من “شَمِر- مقبنة”، تعز، قبل سنة وسبعة أشهر، واستقر بها الحال في مخيم الشعب للنازحين، إلى أن أخرجهم صاحب الحوش من حوشه الذي كان بمثابة مخيم لهم. اليوم، تعيش مريم، وأولادها وبناتها الشابات، في الشارع، ضمن الأُسر الـ15 التي رمت بهم “أحلام” إلى قارعة الطريق، واستبعدتهم من كشوفات الأُسر التي تم نقلها إلى مخيم النزوح الجديد.
تقول مريم، بحسرة: “أنا وأولادي نأكل خبز يابس له من ثلاثة أيام.. وكما ترون حالتنا مبهذلة، لا يُحسد عليها، ليس معنا أكل نأكله، ولا مياه نشربها، ولا نستلم أي شيء من المنظمات.. ما معنا حتى حمامات”.
بغصة تضيف مريم: “أني أخاف موت على بناتي، على بناتي البكور، فنحن نعيش في شارع لا يخلو من البلاطجة، وعديمي المرؤة، مجموعة من المسلحين حاولت قتل صِهْرِي، وكادت تقتله لولا تدخل الناس والعساكر القريبين مننا”.
انفجرت مريم بالبكاء، واستطردت والدموع تنهمر من عينيها: “انظروا إلى حال بناتي اللي هن في سن الزهور، فقد قتلهن اللثام الدائم على وجوههن، والحر شديد، بسبب تواجدنا في الشارع.. ونحن لا نسمح لهن بخلع اللثام”.
اختتمت المسنة مريم كلامها، والدموع تجري على خدها: “من كثر حقد أحلام علينا، والمندوبين أصحابها، لم يتركوا لنا حتى الحمامات المتنقلة، فقاموا بتكسيرها لحرماننا من الاستفادة منها، وقاموا، هي وعلي مهذب، ببيع خزانات المياه، ونحن نطالب المنظمات أن ينظروا إلينا، ويقبلوننا في مخيم النازحين الجديد، فنحن لا نريد شيئاً أكثر من ذلك”.
هروب من جحيم الحرب إلى جحيم آخر
هربت الأُسر من جحيم الحرب في تعز، لتجد جحيماً آخر ينتظرها على هذا النحو في عدن، تعيش هذه الأُسر على قارعة الطريق، دون أكل وماء، ودون أبسط المتطلبات للعيش الإنساني الكريم، وطبعاً، أطفالها لا يذهبون إلى المدارس، يعيشون عزلاً دون أي مساعدة أو أي حماية.
يقضون أيامهم مفترشين الأرض، بين حرارة الجو ولهيب الشمس، في انتظار ما ستقدمه لهم أيادي فاعلي الخير.
مزاجية فاقمت معاناة النازحين
فؤاد هائل هو أحد هؤلاء النازحين؛ ضحايا “المندوبة أحلام”. عن سبب عدم استيعابهم في مخيم النازحين الجديد، قال فؤاد: “الموضوع مزاجية، كان عددنا 54 أُسرة في الحوش، وفي أحد الأيام جاء صاحب الحوش، وهددنا، وقال: يجب أن تخرجوا.
اضطرينا الخروج الى الحوش، ولكن هنا حصل ما كنا نتوقع، بعد خروجنا من الحوش، قام المندوبون باختيار الأُسر التي يريدونها لينقلوها إلى مخيم آخر، وتركوا بقية الأسر؛ 15 أُسرة! حاولنا بكل الطرق معهم كي يسجلونا في هذا المخيم، لكنهم رفضوا، وتحججوا بأنهم ليسوا مسؤولين علينا!”.
يضيف فؤاد بألم: “أخذوا كل خزانات المياه، وتركونا بدون ماء، وهنا كانت معاناة أخرى لنا، حاولنا أن نشتري ماء.. نحن نشتري ماء للشرب فقط، أما ماء لطبخ الطعام، أو لبقية احتياجاتنا، فلا نستطيع توفيره، وهذا فاقم من معاناتنا”.
يتابع: “كنت امتلك موتر (دراجة نارية)، وكنت أعمل عليها، وكانت هي مصدر دخلي الوحيد، كنت أشقي عليها لتوفير بعض احتياجات الأسرة، ولكن في إحدى الأيام هجموا عليَّ أفراد من الحزام الأمني، وأخذوا موتري، وصادروه إلى معسكر الشعب، وعندما رحت أُطالب بحقي لم يعرني أحد أي اهتمام، ولا نقول إلا: حسبنا الله ونعم الوكيل”.
وفؤاد هو طبيب مخبري، حولته الحرب إلى نازح. بصوت حزين، قال إن طفلته تعاني من أمراض في القلب، وحالتها تفاقمت بسبب الحرارة والعيش في العراء.
مأساة النزوح ورعب البلاطجة
ياسين هائل محمد، مندوب الـ15 الأُسرة التي تم رميها في الشارع، يقول: “نحن، كما ترى، عايشين في العراء، ولا نملك أبسط مقومات الحياة؛ منذ خروجنا من الحوش، ورفض استيعابنا في الجديد، الذي انتقلت فيه بقية الأسر التي كانت معنا في الحوش، أصبح حالنا سيئاً جداً، فلا مكان رسمي نسكن فيه، ولا معنا خزانات للماء.
إضافة إلى ذلك، يتم التهجم علينا من قبل بلاطجة، ولولا تدخل العسكر المرابطين في النقطة القريبة منَّا لحصل ما لم يحمد عقباه”.
أضاف: “نحن نعاني من نقص في كل شيء، ونرجو من المنظمات أن تلتفت إلينا وتعاملنا معاملة النازحين.. أُناشد كل الجهات المعنية، والمنظمات الإنسانية، وكل من له بصمة خير في مساعدة الآخرين، أن ينظروا إلى ما وصلت إليه أحوالنا، وكذلك أناشد المنظمات ومنظمة أكتد، بحق الإنسانية أن تنظر بعين العطف إلى أطفالنا وتساعدهم، ولو بتوفير بعض الاحتياجات الأساسية”.
نناشد المنظمات الإنسانية مساعدتنا بتوفير مخيم لنا، أو ضمنا إلى أحد مخيمات النازحين، فذلك سيخفف من المعاناة التي نعيشها نحن وأطفالنا”.
أضاف رمزي: “أتمنى أن أحصل على مبلغ كافٍ لإيصالي وأسرتي إلى منزلي في البرح، وسأتحمل خطر الحرب هناك على بهذلة النزوح في عدن”