المشهد اليمني الأول/
تتمَثَّــلُ إحدى وظائفِ مجلس الأمن الدولي في اتِّخاذ تدابيرَ جماعية على الصعيد الدولي؛ بهَدفِ صون الأمن والسلم الدوليين.
ويُعَدُّ المجلسُ الجهازَ الوحيدَ في إطار منظومة الأمم المتحدة الذي تم منحه سلطة فرض جزاءات بموجب أحكام الفقرة (41) من ميثاق المنظمة، وذلك؛ مِن أجلِ التعامل بصفة خَاصَّة مع ما من شأنه المساس بالسلم الدولي، ومنذ العام 1990م، توسع مجلس الأمن في فرض نظام الجزاءات بعد أن ظلت سلطات المجلس مشلولة حتى تداعى نظام القطبية الثنائية وانهار على إثره ما كان يسمى بـ “الاتّحاد السوفيتي”.
وقد ترتَّبَ على هذا التحوُّلِ في استخدام المجلس لنظام الجزاءات الأممية إثارةُ جملة من المسائل المهمة، لا سِـيَّـما الإشكاليات القانونية الناجِمة عن قيام مجلس الأمن بفرضِ نظام الجزاءات وما ترتب على ذلك من آثارٍ إنسانيةٍ كارثية.
وتعني الجزاءاتُ التدابيرَ التي لا تتضمَّنُ استخدامَ القوة العسكرية من الناحية التقليدية، ويتصف القانون الدولي بعدم المركزية، إذ لا يوجد على الصعيد الدولي مؤسّسة مركزية لسن قواعد القانون الدولي أَو تعديلها أَو تطبيقها أَو إنفاذها بالمعنى القانوني الدقيق على النحو الذي هو عليه الوضع في إطار القانون الوطني.
لذلك ظلت الجزاءات من الناحية التقليدية في ظل القانون الدولي العام جزاءات غير مركزية أي أنها جزاءات تتخذُها الدول، استناداً إلى قرار الدولة وعلى مسؤوليتها إزاء ما قد يترتب على تلك الإجراءات التي قد تتخذها من أثار قانونية دولية. وقد تمثلت تلك الجزاءات الدولية بشكل أَسَاسي في الحرب وَتدابير الانتقام وَالتعامل بالمثل.
وفي العام 1945م
عقب إقرار ميثاق الأمم المتحدة الذي مثّل نقطة تحول، حَيثُ عمد الميثاق إلى تركيز سلطة اتِّخاذ الجزاءات، أي تركيز سلطات الدول بشأن اتِّخاذ الإجراءات الجزائية لمواجهة حالات يجيز القانون الدولي للدول التصدي لها.
وقد تحقّق هذا من خلال أمرين: منع استخدام القوة المسلحة، حَيثُ تم تركيزُ صلاحية استخدام القوة العسكرية من خلال إسنادِها لمجلس الأمن الدولي بموجبِ المادة (42)، وَتمثل الأمر الثاني في تركيز سلطات الدول بشأن اتِّخاذ الجزاءات العقابية في إطار مجلس الأمن، بموجب المادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة.
بَيْدَ أن الدولة التي قد تتعرض حقوقها للمساس من خلال انتهاك دولة أُخرى لقواعد قانونية دولية، يمكنها أي الدولة المتضررة في المقابل استعمال قواعد قانونية كتدابير مضادة في مواجهة الدولة المنتهكة.
وعلى الدولة المتضررة أن تقوم بذلك الإجراء المضاد بنفسها على النحو الذي تجيزه قواعد المسؤولية الدولية عن الأفعال غير المشروعة في هذا السياق.
وقد سار ميثاق الأمم المتحدة على قاعدة العمل الجماعي في مواجهة الدول المنتهكة على أَسَاس العرض على الدول الأعضاء من خلال مجلس الأمن لتقوم بفرض تدابير عقابية بشكل جماعي، بمواجب المادة (41) من الميثاق؛ لمواجهة تهديد الأمن والسلم الدوليين الذي يعد انتهاكُ قواعد القانون الدولي أحدَ مظاهره.
وعلى الرغم من ذلك، ما زال بإمْكَان الدولة المتضررة اتِّخاذ تدابير مضادة في مواجهة سلوك الدولة المنتهكة لقواعد القانون الدولي.
ويمنع الميثاق أيَّ أحد من تهديد الأمن الدولي أَو من أن يمثل تهديداً للسلم الدولي. ويعد التهديد انتهاك للقانون الدولي وَتعد التدابير الجماعية المتخذة لصون السلم الدولي بمثابة جزاءات وإن لم يرد النص على توصيفها بهذا المصطلح في إطار ميثاق الأمم المتحدة.
كيف يعمل نظام الجزاءات؟
بعد غزو العراق للكويت كان هناك إفراط في ممارسة تدابير الجزاءات العقابية. وفي البداية لم يكن لدى مجلس الأمن خبرة عملية فيما يتصل بممارسة نظام الجزاءات، حَيثُ وجد المجلس نفسه أمام أداة فعالة لم يقم بممارستها من ذي قبل بهذه الوتيرة المتصاعدة، وفي حالة العراق فرض المجلس نظام حظر شامل بحيث أغلق المنافذ أمام أية تجارة تدخل أَو تخرج من العراق.
وقد تسبب ذلك في إحداث العديد من المشاكل الإنسانية الخطيرة، حَيثُ أعاقت تلك التدابير التجارة بشكل كامل، وكان لها آثار إنسانية كارثية على السكان المدنيين، حَيثُ قضت على مصادر الموارد المالية الضرورية لشراء الأدوية والغذاء والتعليم وكذا السلع والخدمات الضرورية الأُخرى؛ لهذا بدأت المؤسّسات المدنية المختلفة بالتفاعل مع هذا الوضع وقد كان هناك ضغط من الدول وَمنظمات المجتمع المدني للتعامل مع هذا الأمر وكذا من منظمات دولية أُخرى وَالوكالات المتخصصة.
وفي هذا السياق عمد مجلس الأمن على وقع الضغوط المتصاعدة إلى إجراء بعض المعالجات الشكلية في هذا الشأن من خلال: أولاً، تقديم الاستثناءات أَو الاستثناءات الإنسانية، بحيث يمكن شراء الغذاء وَالدواء وَالسماح بدخول بعض السلع وليس الأسلحة.
بعدها أتجه ميل المجلس نحو عدم فرض جزاءات شاملة لما لها من أثار على السكان المدنيين ولعدم تضرر قادة الدول للتأثير على سلوكهم نحو تهديد السلام، لهذا بدأ المجلس بتحديد نظام الجزاءات من خلال توجيهها على نحو محدّد وَيمكن توجيهها بطريقين مختلفين: الطريق الأول يتمثل في استهداف سلع معينة من شأنها تغذية النزاع إذَا ما كانت الاستجابةُ في إطار نزاع مسلح، بحيث يكون حظر أسلحة أَو حظر بترول أَو قد يكون حظرَ معدات لتغذيتها للنزاع، وهذه أَيْـضاً أداة عمياء لكونها قد تؤدي أَيْـضاً للإضرار بالمدنيين.
ويتمثل الطريق الثاني في الاستهداف المباشر للأفراد، حَيثُ اتجه مجلس الأمن نحو فرض جزاءات ليس على الدولة تحديداً، بل على الأشخاص الذين يقودون الدولة، من خلال العمل على فرض جزاءات تجميد أرصده أَو منع سفر أَو حظر أسلحة عليهم بالتحديد، إلى آخر تلك الإجراءات التي قد يتخذها المجلس. وثانيا. فصل ارتباط الجزاءات بقيادات الدولة.
وهذا بدوره يثيرُ العديدَ من المشاكل، إذ أن نظام الجزاءات قد يتضمن في الأخير انتهاك لحقوق الإنسان في حالات فرض الجزاءات في أيٍّ من الحالات السابقة.
ويمكن أن يتمثل الانتهاك في استخدام التجويع كسلاح، إذَا ما وضعت الدولة تحت نظام الجزاءات الشاملة وما قد يترتب على ذلك من أثار إنسانية كارثية، بما في ذلك عدم احترام الحق في الحياة، والتعذيب والمعاملة غير الإنسانية، وكذا الحرمان من الغذاء والتعليم والدواء والاحتياجات الأَسَاسية التي لا غناء عنها للسكان المدنيين، وقد تمثل هذه الممارسات معاملة محطه بالكرامة الإنسانية، وهذا ما تحظره بشكل صارم قواعد القانون الإنساني الدولي.
ومع هذا لا يتوافر أمام الأفراد المتأثرين من قرارات مجلس الأمن في مواجهة هذا الوضع سوى القليل جِـدًّا من الفرص بالقياس إلى مسائل حقوقية أُخرى يمكن اللجوء لحمايتها إلى المحاكم الوطنية، لكن في حالات مجلس الأمن لا يتوفر سوى القليل مما يمكن عمله لحماية الحقوق، إذ لا يمكن طرق أبواب مجلس الأمن بسهولة بالنسبة للأشخاص، تلك هي بعض صور المشاكل القانونية التي تثيرها ممارسة فرض الجزاءات من خلال مجلس الأمن.
قد ينتهك مجلس الأمن قواعد القانون الدولي عند فرضه أَو تطبيقه لنظام الجزاءات. مَا الذي يتعين حينها، وما هو القانون الملزم لمنظمة الأمم المتحدة؟
الأمم المتحدة منظمة دولية، وشخص من أشخاص القانون الدولي العام وقد أشارت إلى ذلك محكمة العدل الدولية في الرأي الاستشاري بخصوص التعويضات، وهذا يعني أن الأمم المتحدة كشخص دولي تتمتع بحقوق بموجب القانون الدولي وعليها أَيْـضاً التزامات ومصدر هذه الالتزامات من جهة هو الميثاق الذي يفرض التزامات على الأمم المتحدة بشأن العديد من القضايا الهامة.
وفيما يتصل بالجزاءات، يمكن أن يكون الالتزام المفروض على الأمم المتحدة وَمجلس الأمن في إطار المادة (39) من الميثاق، حَيثُ يمكن للمجلس أن يفرض جزاءات بموجب المادة (41) عندما يقرّر وجود تهديد للسلام أَو خرق له أَو فعل من أفعال العدوان. وهذا ما يفتح الباب أمام تدابير الفصل السابع.
وهذا أي التقرير بوجود تهديد يعد التزام قانوني كما أنه بالفعل التزام حقيقي على الأمم المتحدة أَو المجلس لتقرير وتحديد وجود تهديد للسلم الدولي قبل اتِّخاذ أية إجراءات أَو تدابير بموجب الفصل السابع من الميثاق، نعم هناك سلطة تقديرية لتحديد ما يُعد تهديداً للسلم الدولي.
حَيثُ يتبلور مفهوم تهديد السلم من خلال ممارسة مجلس الأمن، إذ يمكن أن يقر مجلس الأمن تدفقَ اللاجئين أَو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أَو مرضاً أَو جائحة بمثابة تهديدٍ للأمن والسلم الدوليين بحسب ما هي عليه تقَاريرُ مجلس الأمن، حَيثُ تعمد في الغالب إلى التقرير وفق ما ينسجم ومصالح الدول المهيمنة في إطار أروقة مجلس الأمن. لكن لابد في جميع الأحوال أن يكون هناك حدود لما يمكن أن يُعد بمثابة تهديد للسلم الدولي.
وهذا الحد الخارجي يمثل الحد لبداية التزامات مجلس الأمن بحيث أن مجلس الأمن لا يمكن له أن يقرّر أي شيء كتهديد للسلم. لا بد من توافر علاقة معقولة من نوع ما مع ما من شأنه تهديدُ السلم الدولي، ومن يساعد على تحقيق ذلك هي الدول.
لهذا إذَا قبلت الدول بممارسات وتقديرات محدّدة للمجلس بخصوص تهديد السلم الدولي، لا سِـيَّـما تلك الممارسات التي تكون محل شك في أحيانٍ معينة، فَـإنَّها تصبح مقبولة على الصعيد الدولي وموافق عليها من قبل الدول، وهذا من شأنه التسويغ للممارسات والتقديرات التي يقرها مجلس الأمن الدولي.
وفي بعضِ الأحيان تكونُ للدول ردةُ فعل تجاه قرارات وممارسات مجلس الأمن على منوال استثناء مجلس الأمن لقوات حفظ السلام الأممية من الخضوع لاختصاص محكمة الجنايات الدولية.
وقد أثار ذلك الاستثناء مشكلة، حَيثُ عمد المجلس إلى إقراره ثم توقف عن العمل به بفعل ردة فعل الدول والضغوطات المتزايدة لمواجهة هذا الانحراف السافر في الممارسة من قبل مجلس الأمن.
مَـا هِي علاقة تهديد السلام وكيف يمكن لاستبعاد قوات حفظ السلام أن يمثل تهديد للسلام الدولي. هذا مثال واقعي لابتعاد مجلس الأمن عن حدود سلطاته المحدّدة بنص ميثاق الأمم المتحدة.
وهناك التزام ثانٍ على مجلس الأمن يتمثل في ضرورة اتِّخاذ إجراءات متناسبة مع التهديد الذي يتعامل معه المجلس. وَلابد من توافر علاقة معقولة من التناسب بين الإجراء المتخذ والتهديد، وَهذا ما يتم الحديث عنه في إطار المناقشات داخل مجلس الأمن، حَيثُ ستجد أن حتى الأعضاء في مناسبات عديدة يتبادلون أطرافَ الحديث حول ما إذَا كانت ردة فعل معينة تجاه تهديد معين للسلم الدولي يُعد ضرورياً أم أنه مبالَغٌ فيه.
نعم يتمتع المجلس بسلطات تقديرية من حيث تحديد وتقرير متى يتحَرّك للتعامل مع التهديد ومن حيث تقرير وتحديد طبيعة الإجراءات والتدابير التي سيتخذها، لكن هناك حَــدٌّ لذلك وَإذَا ما تجاوز مجلس الأمن هذا الحد، فهو ينتهك بذلك السلوك التزام يقع على عاتق الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، هناك التزامات قانونية أُخرى على مجلس الأمن الدولي في إطار ميثاق الأمم المتحدة ويتعين على المجلس مراعاتها، بما في ذلك قواعد القانون الدولي وهو بصدد تسوية الأوضاع الدولية التي من شأنها تهديد الأمن والسلم الدوليين.
وَالالتزامات القانونية الأُخرى على مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة خارج الميثاق يمكن أن تُحدّد بمقتضى قواعد العرف الدولي؛ لأَنَّ الأمم المتحدة شخصٌ دولي من أشخاص القانون الدولي العام، وبالتالي فالمنظمة وأجهزتها مقيدة بقواعد العرف الدولي مثلها مثل أي شخص دولي آخر.
والالتزام الأَسَاس الذي يمكن الإشارة إليه في هذا السياق يتمثل في التزامات حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني. وقد أشرنا إلى كيف يمكن لنظام الجزاءات أن يتصادم مع بعض حقوق الإنسان.
هذه هي بعض الالتزامات القانونية على منظمة الأمم المتحدة، وبالتالي على مجلس الأمن الذي يعد أحد أجهزتها الرئيسية، وعلى هذا الأَسَاس، عندما يمرر مجلس الأمن قراراً من شأنه أن ينتهك أحد تلك الالتزامات الدولية فَـإنَّ ذلك التصرف ينسب لمنظمة الأمم المتحدة؛ لكون مجلس الأمن جهاز من أجهزة الأمم المتحدة، وبالتالي، فَـإنَّ أي تصرف يقوم به مجلس الأمن تقوم به الأمم المتحدة وينسب إليها.
وفي ذات الوقت، قد ينتهك مجلس الأمن التزاماً قانونياً يقعُ على عاتق الأمم المتحدة. وَإذَا ما حدث ذلك، فهذا يعني أن الأمم المتحدة قد ارتكبت سلوكاً غير مشروع على الصعيد الدولي، وَإذَا تحقّق وضع الفعل غير المشروع يمكن أن تصبح الأمم المتحدة مسؤولة مسؤولية قانونية بمقتضى قواعد القانون الدولي عن الأفعال غير المشروعة، على النحو الذي تعينه قواعد المسؤولية الدولية في إطار قواعد القانون الدولي العام.
وهناك إشكالية تثور في هذا السياق تتمثل في ماذا يحدث لو مرر مجلس الأمن قراراً لا ينتهك بذاته أية التزامات دولية لمجلس الأمن، غير أن الدولَ هي من تقومُ بتطبيق ذلك القرار.
وعند قيامها بذلك تقوم أجهزة الدولة بانتهاك التزامات دولية، في هذه الحالة لا دليلَ على عدم القول بترتب المسؤولية القانونية الدولية على عاتق كليهما على الدولة من جهة، وعلى منظمة الأمم المتحدة من جهة ثانية، وذلك على منوال انتهاك التزمات حقوق الإنسان الدولية في سياق تطبيق نظام الجزاءات الموجَّهة على سبيل المثال لا الحصر.
ولنا أن تصور أن مجلسَ الأمن يطلب من جميع الدول أن تجمد أرصدة أشخاصٍ معينين، وهذا يعني أن على الدول القيام بذلك من الناحية القانونية بمقتضى أحكام المادة (25) من ميثاق الأمم المتحدة. وعلى هذا الأَسَاس تقوم دولة ما بتمرير إجراءات فرض التنفيذ لقرارات مجلس الأمن من خلال قرار إداري أَو أمر إداري أَو سن قانون.
ولكل دولة قانونها الوطني فيما يتصل بكيفية تنفيذها لقرارات مجلس الأمن، ومن خلال هذا الإجراء أَو القانون الوطني على الدولة أن تقوم بتنفيذ الجزاءات. حينها تصبح أرصدةُ الأشخاص مجمدةً، ولا سبيل يمكن اللجوء إليه لرفعها.
وهناك حقٌّ أَسَاسي من حقوق الإنسان يتمثل في حق الشخص في اللجوء إلى المحكمة أَو المعالجة الفعالة، وهو حق بمقتضى قواعد العرف الدولي. في هذه الحالة يعد ذلك الإجراء المتخذ انتهاك لهذا الحق الإنساني.
وفي مثل هذه الحالة إلى من ينسب هذا التصرف، أي من سبب هذا السلوك المنتهك لقواعد القانون الدولي. في هذه السياق هناك أرصدة يتم تجميدها عبر أجهزة الدولة، وبموجب قواعد القانون الدولي ينسب هذا السلوك لتلك الدولة، وفي ذات الوقت تصرفت أجهزة الدولة بتلك الطريقة بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، حَيثُ يعد ملزماً لكل الدول بموجب أحكام المادة (25) من ميثاق الأمم المتحدة.
صحيح أن الدولة هي التي تصرفت؛ لأَنَّها ملزمة بموجب قرار مجلس الأمن، إلا أن التصرف قد ينسب إلى الدولة؛ لأَنَّ أحد أجهزة الدولة هي التي تصرفت، وفي ذات الوقت يمكن أن ينسب ذلك التصرف أَيْـضاً إلى الأمم المتحدة؛ لأَنَّها وإن لم تكن أحد أجهزة الأمم المتحدة هي التي تصرفت غير أن أجهزة الدولة قامت بذلك السلوك كوكيل عن الأمم المتحدة.
وإن على المستوى النظري فَـإنَّ الأمم المتحدة هي التي تتحكم في توجيه ذلك الجهاز التابع للدولة؛ لهذا فَـإنَّ تصرف الجهاز التابع للدولة يمكن أن ينسب أَيْـضاً للأمم المتحدة، وفي كُـلّ الحالات فَـإنَّ نسبة السلوك إلى الأمم المتحدة إذَا كان ذلك التصرف ينتهك قواعد القانون الدولي، يعني أن الأمم المتحدة ستصبح حينها مسؤولةً عن ذلك السلوك غير المشروع.
لكن تثور مشكلة حول من الذي يقرّر أَو يمكن أن يقرّر ذلك الانتهاك لقواعد القانون الدولي، ما يمكن أن يفكر فيه المحامي في الوهلة الأولى هو القول بضرورة وجود محكمة مختصة لتقرير ذلك الانتهاك من عدمه.
وبالطبع لا توجد محكمة دولية مختصة كتلك؛ لأَنَّ الأمم المتحدة لا يمكن أن تكون طرف في قضية نزاع أمام أجهزتها الرئيسية، أي محكمة العدل الدولية، فمحكمة العدل الدولية مفتوحة أمام الدول في قضايا النزاع، ويمكن أن يكون هذا الشأن موضع رأي استشاري غير أن ذلك الرأي لن يكون ملزم.
وبوجه عام الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية غير ملزم، إلا أن من شأنه إذَا ما توافر إثبات المسؤولية الدولية في هذا السياق، على الأقل.
أما المسارُ الآخرُ لتقرير الانتهاك فيتمثل في أن تقوم الدول بذلك بنفسها طبقاً لقواعد القانون الدولي في هذا السياق، ولا سيما حينما تكون الدول بصدد اتِّخاذ تدابير مضادة بموجب قواعد المسؤولية الدولية في مواجهة انتهاك دولة أُخرى لقواعد القانوني الدولي.
وَإذَا قامت بذلك الدولة لوحدها فَـإنَّ ذلك قد لا يحظى باهتمامٍ يُذكر أَو قد لا يكون له وزن كبير. وَمن المفترض القيام بذلك من خلال عدة دول بشكل غير مركزي.
وهذا من شأنه أن يعطي إشارةً واضحةً أن هناك انتهاكاً من خلال ردة فعل مجموعة من الدول. هذه هي الطريقة الأُخرى المجدية لتقرير ذلك.
وعلى الأمم المتحدة في حالة ارتكاب فعل غير مشروع أن تتوقف عن ارتكاب الفعل، وعليها تقديم التعويضات، كما أن على الأمم المتحدة سحب الجزاءات أَو القرار الذي ترتبت على أَسَاسه الانتهاك.
وفي حال إصرار الأمم المتحدة على عدم القيام بذلك، فالطريق أمام الدول هو عدم تنفيذ قرارات مجلس الأمن في إطار تدابير مضادة على النحو الذي تجيزه قواعد المسؤولية الدولية.
وهذا الإجراء بوجه عام يمكن تبريره في إطار قواعد القانون الدولي كإجراء مضاد لمواجهة فعل غير مشروع يتسبب في إلحاق الضرر بالدولة المتضررة من ذلك السلوك المخالف لقواعد القانون الدولي.
وهنا يمكنُ الإشارةُ إلى ممارسة دولية في هذا السياق على سبيل المثال، وهي تلك التي تتمثل بموقف منظمة الوحدة الإفريقية حينما قرّرت أن عقوباتِ مجلس الأمن على ليبيا بعد حادثة لوكربي تنتهك حرية الدين؛ لأَنَّها تقييدُ حرية الشعب الليبي في الذهاب إلى الأرضي المقدسة.
وفي أغسطُس 1996م، أعلنت المنظمة الإفريقية بأنها من سبتمبر 1996م ستتوقف عن الالتزام بالعمل بقرار مجلس الأمن، وهنا نتحدث عن 53 دولة في إطار المنظمة وأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
وهذا يعني أن هناك مشكلة يواجهها مجلس الأمن؛ لأَنَّ تلك الدول تقوم بذلك السلوك المبرّر لمواجهة فعل غير مشروع، لكون العقوبات لم تكن مِن أجلِ التعامل مع تهديد للسلم الدولي من تاريخ قرارها فصاعداً بحسب المنظمة الأفريقية.
وبالتالي يعد سلوكُ مجلس الأمن خرقاً للميثاق. وهذا السلوك للمنظمة مبرّر؛ لأَنَّ مجلس الأمن الدولي أَيْـضاً ينتهك ميثاق منظمة الأمم المتحدة.
وفي تلك الحالة مجلس الأمن واجه مشكلة فعلية؛ لأَنَّ مجلس الأمن يعتمد على التعاون الوثيق مع الدول؛ لكي يضمن اتِّخاذ إجراءات جماعية فعالة لكون مجلس الأمن لا يملك أية قدرات أَو أجهزة للإنفاذ في هذا السياق إلا من خلال الدول. وإذ امتنعت الدول عن القيام بذلك فمن سيقوم بتنفيذ العقوبات، ومن سيلزم الدول على الالتزام بالجزاءات المفروضة. وهذا مثال على التدابير المضادة كإجراء جماعي لمواجهة فعل غير مشروع من قبل مجلس الأمن.
وفي سياق اليمن، تنتهكُ قراراتُ مجلس الأمن قواعدَ القانون الدولي الإنساني، كما أن دول تحالف العدوان توظف تلك القرارات الأممية لإطباق حصار جائر على اليمن في مخالفة فاضحة لقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وهذا السلوك السافر يرتب المسؤولية الدولية للأمم المتحدة ودول تحالف العدوان عن الأفعال غير المشروعة، وِفْـقاً لقواعد المسؤولية الدولية. ويعد الحصار جريمة حرب بمقتضى قواعد القانوني الدولي الإنساني وقواعد القانون الدولي الجنائي ويترتب عليه إثارة المسؤولية الجنائية الفردية وفقاً لنظام روما لمحكمة الجنايات الدولية.
ختاماً: إنها ردةُ فعل الدول تجاه سلوك مجلس الأمن التي من شأنها أن تحدث التغيير على صعيد سلوك مجلس الأمن الدولي، وخُصُوصاً السلوك المشكوك فيه قبل أن يصبح سلوك مقبول على المستوى الدولي.
كما أنها ردة فعل الدول بإراداتها المنفردة أَو على نحو جماعي التي يمكنها أن تجبر مجلس الأمن على العدول عن الاستمرار في السلوك غير المشروع في مخالفة لقواعد القانون الدولي، وذلك عندما تراجع وتتأكّـد الدول من مطابقة سلوك المجلس لقواعد القانون الدولي وتتخذ المواقف الصائبة في مواجهة سلوك المجلس غير المشروع. وسلوك الدول الغالب في هذا السياق يتمثل في عدم تنفيذ قرارات المجلس.
وعدم الالتزام هذا يمكن تبريره بموجب قواعد القانون الدولي إذَا كان بمثابة استجابة للتعامل مع انتهاك أَو فعل غير مشروع من طرف الأمم المتحدة لالتزاماتها الدولية، لا سِـيَّـما في سياق ممارسة فرض نظام العقوبات.
والتحليل القانوني يتركز في هذا السياق على قاعدة التزام الأمم المتحدة بقواعد القانون الدولي، وعلى قاعدة أن الدول هي الطرف الفاعل التي يمكنها أن تجعلَ مجلسَ الأمن يراجعُ قراراتِه، إذ يمكنُ لها أن تقومَ بردة فعل مبرّرة في إطار قواعد القانون الدولي لإجبار المجلس على الالتزام بقواعد القانون، بما في ذلك عدم الالتزام بالقرارات الصادرة عن مجلس الأمن.