المشهد اليمني الأول/
أثارت الوثائقُ التي كشفها ناطق القواتُ المسلحة العميد يحيى سريع حول علاقات نظام عفاش في اليمن بالكيان الصهيوني، صدمة كبيرة لدى الكثيرَ من أبناء الشعب اليمني؛ وذلك لما احتوت عليه من فضائحَ تؤكّدُ أن محاولاتِ التوغل الإسرائيلية في اليمن بدأت في وقت مبكر جِدًّا، وأن النظام الذي حكم البلاد لعقود لم يكن في الحقيقة يختلفُ كَثيراً عن الأنظمة الخليجية التي نشاهدُها اليومَ ترتمي بشكل فاضح في حضن العدوّ الصهيوني؛ انطلاقاً من كونها أداةً في مشروع الوصاية الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة.
وعلى الرغم من المفاجَأة التي أحدثتها تلك الوثائق، إلا أن ما احتوت عليه لم يكن في الحقيقة سرا كَبيراً، فقد تناولت الصحف المحلية منذ العام 2000م الكثيرَ من الأخبار والموادِّ التي تؤكّد أن ما كان يجري بين نظام “ الخائن علي صالح والكيان الصهيوني كان قد خرج بشكل واضحٍ إلى العلن، بل وصل إلى قاعة البرلمان اليمني نفسِه، الأمر الذي يؤكّدُ عمق العلاقات بين نظام صالح وتل أبيب في ذلك الوقت المبكر التي وصلت إلى العُمقِ وتجاوزت حاجزَ السرية.
وعلق الصحافي الإسرائيلي المتخصص بالشؤون العربية، جاكي حوجي، في تغريدة على “تويتر” على ما كشفه المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، عن زيارة مسؤول إسرائيلي إلى اليمن إبان حكم الخائن صالح، مؤكدا أن “مصداقية هذا الخبر عالية جداً”، لافتا إلى أن “هدفهم إظهار صورة الإمارات وحبها المعروف للصهاينة، في وقت جزء من معركتهم مع أعدائهم، الائتلاف العسكري للإمارات والسعودية، وجزء منها يدور في فلك الافتراءات الإعلامية”، حسب قوله.
وتكشف تلك الوثائق عن أن «الصهاينة» كانوا يبحثون مع نظام الخائن عفاش تأمين البحر الأحمر أمام الأنشطة الصهيونية وعلى وجه أخص باب المندب، وحركة الاستثمار اليهودي ونقل اليهود، بالإضافة إلى تفكيك القوات البحرية وخفر السواحل وقضايا أخرى لصيقة بالتطبيع والعلاقات الدبلوماسية.
علاقة متجذرة
علاقة الخائن عفاش بالإسرائيليين بدأت منتصف التسعينيات من القرن الماضي، حيث وصل في مطلع مارس 1996 وفد الكنيست «الإسرائيلي» إلى صنعاء، وحظي ذلك الوفد بحفاوة واستقبال ملفت، والتقى بقيادات عدة على رأسها صالح، إضافة إلى مسؤولين أمنيين ومدنيين.
وخلال 5 أعوام من 1995 إلى 2000، جرت زيارات لوفود «إسرائيلية» إلى اليمن تحت غطاء السياحة تارة، والاستثمار التجاري والاقتصادي ومسؤولي المنظمات الدولية تارة أخرى، كما قام وزير سابق في نظام علي صالح بزيارة «تل أبيب» بتنسيق مسبق بين الجانبين.
وبحسب الوثائق، نجح الكيان «الإسرائيلي» باستقطاب قيادات يمنية وتجار وناشطين ومواطنين وتجنيد البعض منهم للعمل لصالح الكيان «الإسرائيلي» وأجهزته الاستخباراتية، ورصد وجمع المعلومات عن اليمن، لاسيما الأنشطة الثقافية المعادية للكيان «الإسرائيلي» والأنشطة التضامنية مع فلسطين، وكذلك جوانب أخرى كالاقتصاد والزراعة والجانب العسكري.
عملاء تل أبيب في صنعاء
لم يكن الخائن عفاش وأقاربه فقط من يديرون ملف العلاقات مع «تل أبيب»، بل بمشاركة عدد من كبار المسؤولين في الدولة، على رأسهم الجنرال العجوز والإرياني ووزراء ونواب في البرلمان ورجال أعمال، واستمر التنسيق بين عملاء «تل أبيب» في صنعاء والمسؤولين «الإسرائيليين» إلى ما بعد المبادرة الخليجية.
حيث واصل «الدنبوع» ونظامه، بمن فيهم الإخوان، مواصلة ما بدأه عفاش، ولولا انتصار ثورة 21 أيلول ووأد فتنة ديسمبر، لكانت اليمن تسابق الإمارات والبحرين في إعلان العلاقات والاحتفاء بما يسمونها اتفاقات السلام.
وبحسب إحاطة ناطق القوات المسلحة فإن هناك الكثير من الوثائق لم يكشف عنها، وما أعلن عنه لم يكن سوى جزءا يسيرا لايتجاوز حتى 2 % من المخطط الصهيوأمريكي الذي توحي بعض الأدبيات طبيعته، وتكشف في مجملها طبيعة المشروع الغربي برمته في بلادنا.
ختاما فإن ما كشفته الوثائق يؤكد للجميع الرؤية الثاقبة التي حذر منها الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، حول خطر دخول أمريكا اليمن، لأن اليمن كان -ولايزال- هدفاً من أهداف السياسات «الإسرائيلية» وميداناً من ميادين الأنشطة والتحركات الصهيونية، وظل -ولايزال- حاضراً في العقلية الاستراتيجية الصهيونية الأمريكية.