المشهد اليمني الأول/
يُعد يوم 03 من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل يوماً فاصلاً في تاريخ زعماء الخليج، وبخلاف الانتخابات الأمريكية السابقة، هذه المرة تعتبر الانتخابات ذات أهمية خاصة ليس فقط للسياسة الأمريكية داخلياً وخارجياً، بل للأنظمة الخليجية كلها.
زعماء الخليج أمام سيناريوهين مختلفين تماماً، الأول: تجديد ولاية دونالد ترامب، ما يعني وممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران، وضمان استمرار النهج الأمريكي تجاه حكام شبه الجزيرة العربية، الذين دعمهم ترامب بكل أدواته ودافع عن أخطائهم
السيناريو الثاني: انتخاب المرشح الديمقراطي جو بايدن والانفصال – بنسبة – عن أسلوب ترامب، واتباع نهج أكثر حزماً مع قادة المنطقة وبالأخص زعماء الخليج العربي.
تعليقاً على هذا الأمر قال جيرالد فيرستين -سفير الولايات المتحدة السابق في اليمن من 2010 إلى 2013 ونائب رئيس معهد الشرق الأوسط- “ستعود إدارة بايدن إلى اتباع أساسيات إدارة أوباما في التعامل مع قضايا معينة، ما يعني تركيز الجهود لحل الصراع في اليمن، ومزيد من الضغط لإنهاء الأزمة الداخلية في مجلس التعاون الخليجي (إنهاء حصار قطر)، مع تقديم دعماً أقل لخدمة الرغبات السعودية والإماراتية في السياسة الإقليمية.
وتسائل فيرستين: في حال لم يتم التوصل إلى حل لأزمة اليمن، هل ستعيد إدارة بايدن فرض القيود على مبيعات الأسلحة لدول الخليج، ولا سيما بيع الذخائر ذات تقنية(PGMs) المباعة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؟
وأضاف “بشكل عام، يجب على إدارة بايدن أيضًا أن تأخذ في الحسبان آراء الكونغرس بشأن مبيعات الأسلحة المتطورة، لا سيما الطلب المحتمل لدولة الإمارات العربية المتحدة لبيع طائرات F-35 وطائرات ريبر بدون طيار”.
لم يخف “بايدن” -نائب الرئيس السابق باراك أوباما- موقفه المعادي للسياسة السعودية، أو بمعنى أدق لسياسة محمد بن سلمان -ولي العهد السعودي-، حيث انتقد بصورة صريحة عملية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول عام 2018، كما هاجم بشدة انتهاكات النظام السعودي ضد المدنيين في اليمن.
ومع بداية حملته الانتخابية، وعد “بادين” بـ “إعادة تقييم العلاقات الأمريكية مع المملكة”، كما جاء في موقع الحملة أن “علاقة إدارة بايدن مع دول الشرق الأوسط التي يقودها حالياً قادة سلطويون، ستضع في عين الاعتبار قضايا حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية بشكل أكبر من الإدارة الحالية”.
النغمة الطاغية على خطاب المرشح الديمقراطي “جو بايدن” تختلف كلياً عن نغمة خطاب دونالد ترامب، على سبيل المثال، أطلق الرئيس الأمريكي ]ترامب[ على نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، “الديكتاتور المفضل” على هامش قمة مجموعة السبع عام 2019.
وتفاخر في العام التالي بـ “إنقاذ مؤخرة” بن سلمان – ولي العهد السعودي- في إشارة إلى حمايته من عواقب جريمة قتل خاشقجي، وهي مواقف تتناقض تماماً مع مواقف سلفه، باراك أوباما، الذي تشير التوقعات أن يسير “بايدن” على خطاه.
الاختلاف الأبرز بين الإدارتين، أن أوباما كان يسعى لخلق توازن بين الرياض وطهران وتهدئة الصراع الإيراني الأمريكي، أما ترامب، فمبدأه كالآتي: حارب إيران بأي ثمن، حتى لو كان ذلك يعني غض الطرف عن أخطاء حلفائه السعوديين والإماراتيين.
خط مختلف جذريا
مسار سياسة ترامب الخارجية اتضح بصورة كبيرة عند اختياره المملكة العربية السعودية في أول رحلة رسمية له إلى الخارج، والتي تبعها مضاعفة مبيعات الأسلحة للمملكة، ما خلق خلافاً بين الكونغرس وترامب حيث اعترض ترامب على قرار الحزبين عام 2019 لوقف الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده الرياض لدعم الحكومة اليمنية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من طهران.
يقول روبرت مالي، العضو السابق في إدارة أوباما والرئيس الحالي لمجلس الوزراء، إن “إدارة ترامب حددت سياستها تجاه الخليج من خلال فرض أقصى قدر من الضغط على إيران”، حيث اختار الرئيس الأمريكي الخروج من الاتفاق النووي لعام 2015 واتباع سياسة العقوبات المتزايدة ضد إيران.
في حديثه خلال الذكرى الثانية لاغتيال جمال خاشقجي، التي توافق 02 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن جو بايدن أنه يريد إنهاء المساعدة الأمريكية للسعودية في حربها في اليمن، مضيفاً أن إدارته “ستتأكد من أن أمريكا لن تتخلى عن قيمها في مقابل صفقات لبيع الأسلحة أو شراء النفط”.
إن كلمات المرشح الديموقراطي ]جو بايدن[ توحي بأنه بصدد اتخاذ مسار مغاير تماماً عن مسار ترامب تجاه زعماء الخليج، وبالأخص حكام السعودية والإمارات، مساراً أكثر حزماً، ومع ذلك يرى بعض المحللين أن الأمر الواقع القائل بأن: الرياض هي الحليف الرئيسي لواشنطن في الخليج سيفرض على بايدن -في حال فوزه- التكيف مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والعكس صحيح كذلك.
قال آرون ديفيد ميللر، المستشار السابق والمفاوض لدى إدارات أمريكية مختلفة: “إن لهجة جو بايدن ستجبر محمد بن سلمان على التفكير بجدية في السياسات التي يجب أن يتبعها للحفاظ على علاقة طيبة مع الأمريكيين تخدم مصالحهم المشتركة”.