المشهد اليمني الأول/
بعد تفجير مرفأ بيروت وتدمير نِصف العاصمة اللبنانية، ومقتل وإصابة الآلاف، وتشريد أكثر من 300 ألف، وافتِعال أزمة مصرفيّة أدّت إلى انهِيار اللّيرة اللبنانية، ووضع أكثر من 60 بالمِئة من الشّعب تحت خطّ الفقر، أعلن السيّد نبيه بري، رئيس البرلمان، عن التوصّل إلى “اتّفاق إطار” مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، لترسيم الحُدود البحريّة والبريّة كثمرةٍ لوِساطةٍ أمريكيّة.
المُفاوضات المُباشرة حول ترسيم الحُدود سيقوم بها قادة وضبّاط في الجيش اللبناني تحت إشراف رئيس الجمهوريّة ميشال عون، ورئيس الحُكومة المُقبل، ومِن المُتوقّع أن تبدَأ الأُسبوع المُقبل في مركز القوّات الدوليّة تحت علم الأمم المتحدة في رأس الناقورة على الحُدود اللبنانيّة الفِلسطينيّة المُحتلّة.
مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكي، الذي كان أوّل من أعلن عن هذا الاتّفاق قال إنّه “ثمرة جُهود دِبلوماسيّة حثيثة استمرّت لثلاثِ سنوات”، وكان السيّد برّي هو الذي يقود ومُساعدوه هذه المُفاوضات.
نُقطتان تَلفَتان النّظر من خِلال التأمّل في هذا الإعلان عن الاتّفاق المُفاجئ:
الأولى: أنّ “حزب الله” لم يُصدر أيّ بيان حول هذه المسألة حتّى كتابة هذه السطور، وأنّ أمينه العام السيّد حسن نصر الله لم يتطرّق إليه في خِطابه الذي ألقاهُ مساء الثلاثاء.
الثانية: أن هذا الاتّفاق تزامن مع الفترة الزمنيّة نفسها التي جرى خِلالها توقيع “اتّفاقات سلام” بين دولة الإمارات ومملكة البحرين، وبِما يَخدِم طُموحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للفَوز في الانتِخابات الرئاسيّة المُقبلة الشّهر المُقبل.
بومبيو مُهندس هذا الاتّفاق، سواءً بشكلٍ مُباشرٍ، أو غير مُباشر، عبر مُساعديه، ساتركليف أو ديفيد شنكر، وصف الاتّفاق اللبناني الإسرائيلي بأنّه إنجازٌ تاريخيّ، بينما قال محلّلون أمريكيّون ولبنانيّون وإسرائيليّون مُقرّبون من الإدارة الأمريكيّة مِثل سايمون هندرسون وأهود يعاري وحنين غدار في مقالٍ مُشتركٍ أنّ هذا الاتّفاق الأوّلي، والمُفاوضات التي ستتلوه أنّ “إسرائيل” ستَشعُر بالأمان وسيتضاءل الخطر على مِنصّاتها للغاز في البحر المتوسّط، كما سيتمكّن لبنان، الذي ستَعود عليه عوائد الغاز بأكثر من 10 مِليارات دولار سنويًّا على الأقل إلى سداد دُيونه التي تَصِل إلى مِئَة مِليار.
يبدو أنّ زيارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان لم تَكُن من أجل التّسريع بتشكيلِ حُكومة لبنانيّة، وربّما جرى استِغلال هذه المسألة كتغطيةٍ للضّغط على الكُتل السياسيّة اللبنانيّة، ورئاسة الجمهوريّة للقُبول بهذا الاتّفاق الأمريكيّ، وقبل الانتخابات الأمريكيّة، وأنّ هُناك تنسيقًا بين فرنسا وأمريكا في هذا المِضمار.
زِيارات ديفيد شنكر مُساعد وزير الخارجيّة الأمريكيّ للبنان، لم تَكُن لعرقلة جُهود الرئيس ماكرون مِثلَما اعتقد كثيرون، وإنّما لدعمها وإنجاحها بالتّالي، ومن غير المُستغرب أن تكون العُقوبات الأمريكيّة التي فُرِضَت على وزيرين لبنانيين أحدهما مُستشار للسيّد برّي، كانت لحَرف الأنظار والتّمويه على هذهِ المُفاوضات السريّة.
كثيرون ونحنُ من بينهم، لم نُصدِّق بعض التّسريبات التي كانت تقول إنّ لبنان سيكون من بين الدّول السّبع المُطبّعة التي تحدّث عنها بومبيو، ورئيسه ترامب، بعد توقيع الاتّفاقين الإماراتي والبحريني، ويبدو أنّ وراء الأكمّة ما ورائها، فلم يَخطُر في بالنا مُطلقًا أن تكون هذه حقائق وليس تسريبات، وأنّ لبنان آخِر المُطبّعين بشَكلٍ مُباشرٍ أو غير مُباشر.
من غير المُعتَقد أن تُجرَى كُل هذه المُفاوضات، وعلى مدى ثلاث سنوات، وبوِساطةٍ أمريكيّة، دُون علم “حزب الله”، خاصّةً أن السيّد برّي رئيس البرلمان الذي أشرف عليها حليفه الاستراتيجيّ، وربّما من الحكمة أن ننتظر ما ستَقوله قِيادة الحزب في هذا الشّأن توضيحًا لمَوقِفِها، وتبديدًا للشّكوك.
_____
رأي اليوم