المشهد اليمني الأول/
عندما ينبري للدّفاع عن الإنسانيّة في اليمن أكثر الناس سفكاً للدّم اليمني لا بدّ من الوقوف لتبيان الحقائق بعد ظهور حاكم السعودية سلمان مقدِّماً نفسه بطلاً ومقاتلاً ضدّ الإرهاب وهو الآتي من خلفيةٍ أنتجت ولا تزال تنتج هذا الإرهاب والتطرّف والعنصرية من اليمن إلى البحرين والعراق وصولاً إلى بلاد الشام حيث كانت ولا تزال تمارس قمّة عدوانيتها وإرهابها بدعم غير محدود من نظام آل سعود الذي تخطّى مرحلة دعم المنظّمات الإرهابية من داعش وغيرها، ليتحوّل إلى قيادة الحروب بالوكالة عن الكيان الصهيوني والدّفاع عنه.
ولا بدّ لمن تابع بالأمس كلمة حاكم السعودية سلمان بن عبد العزيز أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عبر الاتصال المرئي الذي دعا إلى حلٍّ شاملٍ وموقفٍ دوليٍّ حازمٍ يضمن معالجة جذرية لسعي النظام الإيراني للحصول على أسلحة الدّمار الشامل وتطوير برنامجه للصواريخ الباليستيّة وتدخلاته في الشؤون الدّاخلية للدول الأخرى ورعايته للإرهاب.
متهماً إيران بأنّها استهدفت العام الماضي المنشآت النفطيّة في المملكة، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، مؤكّداً أنّ المملكة لن تتهاون في الدفاع عن أمنها الوطني، ولن تتخلّى عن الشعب اليمني الشقيق حتى يستعيد كامل سيادته واستقلاله من الهيمنة الإيرانية! وفي الشأن اللبناني أكدّ حاكم السعودية وقوفه إلى جانب الشّعب اللبناني الشقيق الذي تعرّض إلى كارثةٍ إنسانيّةٍ بسبب انفجار مرفأ بيروت الذي كان نتيجة هيمنة حزب الله (الإرهابي) التابع لإيران، على حدّ قوله، داعياً إلى تجريد هذا الحزب “الإرهابي” من السلاح.
إذن هي رسالةٌ سعودية كتبت بحبرٍ أميركيٍّ ولغةٍ عبريّةٍ صهيونيّةٍ واضحةٍ لا تحتاج الى الكثير من التدقيق حيث بدا واضحاً بأنّ كلّ ما جاء في كلمته هو ترجمةٌ حرفيةٌ لمطالب رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أولى تلك المطالب كان بمطالبة المجتمع الدولي بالتحرّك لردع سياسات إيران في المنطقة واتهامها بقصف “أرامكو” واستمرار العدوان على المملكة بالصّواريخ الباليستيّة الإيرانيّة.
وعلى ما يبدو لا يريد حاكم الرياض سلمان أن يقتنع بأنّ العقل اليمني المتفوّق قد أنزل به الهزائم تلو الأخرى بالرّغم من الحصار والعدوان وهو كالأعمى لا يريد أن يرى قيامة الشّعب اليمني الذي هزم جيشه الأسطوري بحلفائه وتقنياته وآلياته وكلّ إمكانيّاته التكنولوجية التي لم يحتمل مشاهدتها وهي تحترق بولاعة مقاومٍ يمنيٍّ، ولطالما لا يريد أن يرى ولا يقتنع بالحقيقة التي تقرّ بانتصار اليمن وشعبه على العدوان، فقد هرب من هزيمته بتحميل إيران مسؤولية تلك الهزائم.
وإذا ما سلّمنا بذلك وبما أنّ سلمان أشار في كلمته إلى عدم تهاون نظامه ومملكته في الدفاع عن أمنها كما أقرّ بأنّ إيران هي المسؤولة عن ضربات “أرامكو”، لماذا لم يبادر الحاكم الصّنديد بالرّدّ على إيران مباشرة مع إدراكه بأنّه بعد أكثر من خمس سنوات من العدوان الدّولي على اليمن استطاع خلالها الجيش اليمني وأنصار الله تحقيق انتصاراتٍ كبرى وتطوير منظوماتهم الصاروخيّة والقتالية وتطوير صناعة الطائرات المسيّرة، وهذا يعني أنّ انهزام النّظام السعودي وحلفائه العاجزين عن تحقيق أيّ هدف من أهداف العدوان على اليمن على مدى سنوات العدوان أثبت مدى عجزهم على تحقيق أيّ إنجازٍ في مواجهة المقاومين اليمنيين، فكيف سيكون حالهم إذا ما حاولوا الرّدّ على إيران بعد اتهامها (بالعدوان) على “أرامكو”
مع علمه بانّ إيران تخوض معركتها مع أسياده في البيت الأبيض، وانه ليس سوى أداة لا يتجرأ حتى على المطالبة بوقف العدوان على اليمن لأنه لا يمتلك القرار كالعبد الذي يحاضر عن الحرية معتقداً بأنّ صفقة القرن ستشكّل ضمانة وحماية لاستمرار حكم آل سعود، لا سيّما بعد توقيع الإمارات والبحرين لاتفاق الذّل أو لعلّه يتوهّم بأنّ البحرين والإمارات كانتا تشكّلان قوةً كبرى في معسكر المواجهة مع الكيان الصهيوني وأنّ التحاقهما بتحالف المطبّعين يحسبه هزيمة لمحور المقاومة التي لم يقرأوا من أبجديتها حرفاً لأنّهم لم يكونوا سوى أنظمة وظيفيّة أوجدها الاستعمار لمهمات محدّدة وصلت بهم اليوم إلى أن يخوضوا عن الكيان حروبه ويتحوّلوا إلى أكياس رمل لحمايته دون أن يدركوا حقيقة زوال كياناتهم مع الكيان الغاصب.
أمّا في الشّأن اللّبناني فنقول لحاكم الرياض قبل أن تدعو المجتمع الدولي لوضع حدٍّ لتدخلات إيران في الشؤون الدّاخلية للدّول، كان الأولى بك أن لا تتدخّل في اليمن اولا وفي شؤون لبنان الذي أتخمته بهباتك من الإرهابيين الداعشيين والسّيارات المفخّخة وبتحريضاتك الطّائفية والمذهبيّة وقبل أن تتهم حزب الله بالإرهاب عليك أن تمسح وشم الإرهاب الذي نقش على جبينك بدماء أطفال اليمن، وعليك أن تمسح من سجلات ضحاياك أسماء آلاف الشّهداء.
وقبل أن تطالب بنزع سلاح حزب الله كان الأوْلى بك أن تسحب سلاح منظماتك الإرهابيّة التي لم تطلق رصاصةً على العدو الاسرائيلي ولم ترفع شعاراً لنصرة فلسطين بل أمعنت قتلاً بالبشر وسفكاً بدمائهم، بل كان الأجدر بك أن تسحب سلاح مرتزقتك في اليمن وأن تعيد من تبقى من المرتزقين حيا إلى بلاده.
أمّا حزب الله فهو حزبٌ لبناني قاتل الاحتلال الذي تراه حليفاً ودحره وهزم ربيبتك داعش وأخواتها، وأما خطابك فهو ليس بجديد بل جاء ليؤكد انّ صراعنا معكم صراع وجود وليس صراع حدود نخوضه بإرادتنا وعزمنا وثباتنا وبمقاومتنا وسلاحنا الذي قاتل وحرّر ودحر وانتصر وحرّر أسرانا وأعاد جثامين شهدائنا، وسيبقى هذا السلاح ما حيينا ولم ولن نتنازل عنه حتى الرّمق الأخير.
_______
شوقي عواضة