المشهد اليمني الأول/
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده إدوارد وونغ قال فيه إن المبرر الذي تستند عليه الإدارة الأمريكية في دعمها للسعودية في حربها على اليمن هو تقليل عدد الضحايا المدنيين، إلا أن المحققين في وزارة الخارجية وبقية المسؤولين الأمريكيين يرون أن الجهود يشوبها القصور.
وعادة ما تقول إدارة دونالد ترامب أن ما تقوم به من نصح للسعوديين وحلفائهم في الحرب على اليمن من ناحية اختيار الأهداف والتصويب الدقيق يؤدي لتجنب ضحايا غير ضروريين.
إلا أن النصيحة الأمريكية المزعومة لم توقف وفاة الأجنة والأمهات والكبار وغيرهم من غير المقاتلين تحت وابل القنابل المصنعة في أمريكا، لكل هذا يبدو منطق الإدارة ضعيفا ليصبح نقطة تصادم قوية في موسم الانتخابات.
وأشار وونغ إلى مطالبة عدد من المشرعين من الحزبين في الكونغرس بالإضافة لمسؤولين سابقين وحاليين ومن ضمنهم المرشح الديمقراطي للرئاسة جوزيف بايدن بوقف المشاركة الأمريكية في الحرب.
ويؤكد هذا الفريق أن الولايات المتحدة بدلا من المساعدة على وقف قتل المدنيين أصبحت يداها ملطختان بالدم وتخوض عميقا في مستنقع اليمن.
ومنذ بداية الحرب عام 2015 قتل أكثر من 127.000 شخصا منهم 13.500 قتلوا جراء القصف الجوي المستهدف.
وشن الطيران السعودي معظم الغارات حسب تقديرات منظمة “آرمد كونفليكت لوكيش أند أيفنت داتا بروجيكت”.
وعلق النائب الديمقراطي عن ولاية نيوجرسي توم مالينوسكي”واصلوا ضرب أهداف حددناها لهم وبشكل دقيق على أنها ليست أهدافا للغارات”.
وكان مالينوسكي الذي تسلم ملف حقوق الإنسان أثناء فترة باراك أوباما يتحدث في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب التي عقدت جلسة اجتماع لمساعد وزير الخارجية لشؤون صفقات السلاح، أر كلارك كوبر.
وتساءل قائلا: “لو علمتني طريقة القيادة لمدة خمسة أعوام وواصلت مع ذلك ضرب المارة وواصلت تأمين سيارتي، فهل ستعطيني المفاتيح”.
ويعلق وونغ أن المبرر الذي قدمته إدارة ترامب هو واحد تكرر طوال تاريخ السياسة الخارجية: فعندما يكتشفون أن حليفا أو شريكا ارتكب اعمالا فظيعة، يقول المسؤولون الأمريكيون أن عليهم الاستمرار بالعلاقة معه للحد من الضرر.
وكان هذا هو المبرر الذي قدمته الإدارات الأمريكية السابقة لدعم حكومة جنوب فيتنام ودعم ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية، إلا أن الحرب على اليمن كشفت عن محدودية هذا التفكير.
ومع فشل جهود تخفيف سقوط الضحايا المدنيين فقد زادت المخاطر من تقديم المسؤولين الأمريكيين أمام محاكم أجنبية أو المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.
وقال مالينوسكي إنه شاهد عام 2016 وبصفته مسؤولا بارزا في الخارجية أثناء فترة اوباما مذكرة أعدتها الدائرة القانونية في الخارجية واشارت فيها إلى إمكانية اتهام مسؤوليها بمن فيهم وزير الخارجية بجرائم حرب في اليمن، نظرا لمعرفتهم في أشكال قتل المدنيين هناك.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد وثقت قبل جلسة الاستماع في الكونغرس في تحقيق مدعوم بالوثائق وكشف عن مظاهر القلق داخل الوزارة من الملاحقات القانونية، بالإضافة لجهود وزارة الخارجية التستر على ما توصل إليه المحامون.
وضغط مالينوسكي على أكبر محامي في الوزارة وهو ماريك سترينغ لكي يوضح الموقف وسأله ”هل لا يزال رأي مكتب الاستشارة القانونية كما هو، أي أن المسؤولين في وزارة الخارجية يتحملون مسؤولية قانونية حالة قدموا السلاح لدولة شريك بدون اتخاذ الضمانات اللازمة وتخفيف عدد الضحايا المدنيين، وعندما يكون لديك هذا السجل من جرائم الحرب الموثقة التي ارتكبها شريكنا؟”.
وتجنب سترينغ السؤال، ويأتي النقد للسعودية في الكونغرس من الجمهوريين والديمقراطيين، ففي نيسان/أبريل مرر الكونعرس قرارا أجمع عليه الحزبين ويدعو الولايات المتحدة وقف مشاركتها في اليمن، ولكن ترامب استخدم الفيتو ضده.
وبدلا من تقليل عدد الضحايا المدنيين في اليمن فإن الجهود التي بذلتها إدارة أوباما ومن ثم ترامب لم تؤد إلا لتوريط أمريكا أكثر في الجهود الحربية.
وعندما قرر ترامب عام 2017 استئناف تصدير السلاح إلى السعودية والإمارات والذي أوقفه أوباما عام 2016 جاء المسؤولون والمحامون في الوزارة بخطة عامة للسعوديين والأمريكيين بهدف الحد من الضحايا المدنيين وما ينبي عليه من مخاطر قانونية على المسؤولين الأمريكيين.
إلا أن الدبلوماسيين الراغبين بالدفع من أجل المبيعات وإرضاء السعوديين قللوا من الخطة، كما وفشلت الجهود اللاحقة للحد من سقوط المدنيين، كما كشفت نتائج تحقيق المفتش العام الذي نشر في آب/أغسطس.
وهي النتائج التي حاول سترينغ ومحامو وزارة الخارجية التستر عليها في أي نقاش حول الضحايا المدنيين. ولجأوا إلى عملية تظليل فقرات فيه واعتبار المعلومات المهمة والواردة فيه سرية.
وتقول الصحيفة إن السعودية التزمت ببعض المطالب للتخفيف من الضحايا المدنيين. وبعد الكثير من المداهنة وافق السعوديون على حضور العسكريين الأمريكيين والبريطانية في غرفة القيادة والتحكم التي يتم فيها تحديد الأهداف.
وأخذ السعوديون بالمشاركة في برنامج التدريب الذي يديره الجيش الأمريكي بكلفة 350 مليون دولار، إلا أن النقاد أشاروا إلى العيوب في البرنامج، فقد قاد وبطريقة غير مقصودة انفجاراً مدهشاً للعنف ضد الأمريكيين، وكان الأول على التراب الأمريكي منذ هجمات 9/11.
ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي أطلق الملازم محمد الشمري، 21 عاما النار على زملائه في القاعدة الجوية ببنيسكولا وقتل 3 بحارة وجرح ثمانية آخرين، وتبين لاحقا أن الشمري كان متعاطفا مع تنظيم القاعدة، وكان الشمري قد سجل في برنامج تدريبي أمريكي لتعليم الطيارين السعودية كيفية استهداف المدنيين. وهذا أمر لم يتم الكشف عنه سابقا.
وفشل النظام الذي أعدته الولايات المتحدة والسعودية فيما بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الإنتباه إلى إشارات مثيرة للقلق في تصرفات الشمري.
وبشكل منفصل ارسلت إدارة أوباما المسؤول البارز في الخارجية لاري لويس في زيارات متكررة إلى السعودية بهدف تقديم النصيحة حول تجنب المدنيين، إلا أن إدارة ترامب أوقفت الزيارات عام 2016 بعدما بدأت بمراجعة للسياسة في اليمن، وبعد عام أخرجته إدارة ترامب من الوزراء.
وفي 2017 حث المسؤولون الأمريكيون التحالف الذي تقوده السعودية لتوسيع قائمة الأهداف المستثناة من الغارات إلى 3.000 هدفا، بما في ذلك المستشفيات ومخيمات اللاجئين، لكن السعوديين فشلوا بالعودة إلى القائمة، كما ورد في تقرير أعدته الأمم المتحدة عام 2018.
فيما واصل الطيارون السعوديون ضربهم للأهداف كما أكد مالينوسكي، واعترف ترامب بضعف الطيارين السعوديين الذي تم تأمينهم على أسلحة فتاك، وعلق بعدما ضربت غارة حافلة مدرسية عام 2018 وقتلت 54 شخصا منهم 44 طفلا: ” هؤلاء أناس لا يعرفون استخدام الاسلحة، وهذا فظيع”.
إلا أن المسؤولين الأمريكيين ضاعفوا من شراكتهم مع السعوديين كوسيلة لمعالجة المشاكل القانونية والأخلاقية.
وعلق تيموتي لاندركينغ، مساعد وزير الخارجية لشؤون الخليج “نقوم باستخدام نفوذنا وعلاقتنا القوية مع السعودية لتوفير التدريب والدورات الدراسية”.
ولكنه اعترف أن استخدام الأسلحة في قتل المدنيين مثير للقلق. ولكنه أضاف سببا لدعم الحرب في اليمن وهو منع التأثير الإيراني فيه.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن الجماعة الحوثية الوكيلة عن إيران تريد نشر العنف في شبه الجزيرة العربية نيابة عن طهران.
ولكن الخبراء والمسؤولين السابقين يرون أن الجماعة الحوثية ليست مثل حزب الله الذي يقيم علاقة وثيقة مع إيران.
فرغم تلقيهم الدعم العسكري من طهران إلا أنهم لا يتصرفون بناء على مصالحها بل ولرغبتهم السيطرة على السلطة في اليمن.
وهناك سبب ثالث لبيع الأسلحة إلى السعودية وحلفائها في حرب اليمن وهو الحصول على المال. وفي مقابلة بداية هذا العام قال ترامب “لا شيء لديهم إلا المال ولا شيء إلا النقود وهم يدفعون لنا مقابل الخدمة والحماية والأمور الأخرى”.
ولكن المسؤولين الفدراليين والساسة الأمريكيين، جمهوريين أم ديمقراطيين يحاولون البحث عن أسباب لا علاقة بفكرة المرتزقة لتبرير السياسة الخارجية. وبالنسبة لهم فالنتيجة الأخلاقية هي التي تهم.