المشهد اليمني الأول/
ترامب يريد تتويج نفسه “ملكا” على أمريكا برفضه التعهد بتسليم السلطة في حال خسارته الانتخابات.. والبقاء في البيت الأبيض مدى الحياة.. لماذا لا نستبعد حربا أهلية وشيكة في أمريكا واشعال فتيل أخرى ضد ايران؟ وهل ستكون الاربعون يوما المقبلة محفوفة بالمخاطر والمفاجآت الدموية؟
كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن نواياه الحقيقية عندما رفض يوم امس، وعلى الهواء امام حشد من الصحافيين، “ان يتعهد، او يضمن، انتقالا سلميا للسلطة في حال خسارته للانتخابات الرئاسية”، واكد “انه لن يكون هناك نقل، وانما استمرارية للسلطة”، مما يعني حرفيا انه يحول النظام الجمهوري الأمريكي الى نظام ملكي، لا يختلف مطلقا عن الأنظمة الديكتاتورية التي يدعي انه يعارضها في العالم، والثالث منه على وجه الخصوص، وربما هذا ما يفسر غرامه بالحكام في المنطقة العربية ودول الخليج خاصة.
هذه التصريحات غير المسبوقة لا تعني عدم التزامه بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة فقط، وانما تحريض أنصاره العنصريين البيض وتعبئتهم للنزول الى الشوارع والميادين في احتجاجات دموية ضد نتائج الانتخابات في حل خسارته، التي قال انها ستكون مزورة حتما، ودعم بقائه كزعيم في البيت الأبيض مدى الحياة.
الاربعون يوما المقبلة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية (3 نوفمبر المقبل) قد تكون الاخطر ليس على أمريكا وامنها واستقرارها ووحدتها، وانما أيضا على العالم بأسره، فلا احد يستطيع ان يتنبأ بما يمكن ان يقدم عليه هذا البلطجي.
الانتقال السلمي للسلطة، من خلال احترام نتائج صناديق الاقتراع، هو أساس، بل الركن الأهم في الديمقراطية، وغيابه، او عدم الالتزام به، يعنيان الفوضى، والحروب الاهلية، وتفكيك النظام الفيدرالي، واغراق أمريكا في بحر من الدماء الفوضى.
منسوب الاحتقان العرقي والاجتماعي في أمريكا يوشك ان يصل الى ذروته، ولهذا وقع حوالي 490 من خبراء الامن القومي الأمريكي على قائمة يتصدرها الجنرال بول سلفا نائب رئيس هيئة الأركان واحد اكبر مستشاري ترامب العسكريين، وتضم جنرالات في البنتاغون ووزراء وكبار موظفي البيت الأبيض، وسفراء سابقين، يعبرون فيها عن تأييدهم فيها المرشح الديمقراطي الخصم جو بايدن، ويقولون فيها انهم يقدمون على هذه الخطوة لان ترامب ليس اهلا للمسؤولية لغطرسته، وتعاليه وكذبه، وان سلوكه وجعل حلفاء أمريكا لا يثقون بها، واعداءها لا يخشوها”.
الرئيس ترامب يعيش حاليا حالة من الإحباط والتخبط والاحساس بالهزيمة لم يعش مثلها أي رئيس امريكي، ولهذا لا يستطيع احد ان يتنبأ بما يمكن ان يقدم عليه من خطوات كارثية.
هذا الرجل لم يعد يملك أي مصداقية حتى يفقدها، واصبح مكروها في العالم بأسره تقريبا، بما في ذلك بعض حكام دول الخليج الذين يرتعدون خوفا منه، ويقدمون له مئات من المليارات استجابة لاملاءاته، والأكثر من ذلك بيع كرامة الامة وعقيدتها، والتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي طلبا لرضاه.
عندما نقول ان الأربعين يوما المقبلة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات ربما تكون خطيرة، او حتى الأخطر، فإننا نقصد ان منطقتنا الشرق أوسطية، والخليجية منها بالذات، قد تكون ميدانا لحرب دمار شامل يشعلها ترامب ضد ايران، لتأجيل الانتخابات، او حشد دعم انتصاره خلفه، باعتباره الزعيم القوى الذي يريد إعادة قوة أمريكا وتكريس زعامتها للعالم.
صحيفة “الواشنطن بوست” سجلت 20 الف كذبة موثقة للرئيس ترامب اطلقها منذ توليه الرئاسة، الف منها حول فيروس كورونا فقط، ولعل اخطرها تغريدة له على “التويتر” قبل أيام تقول ان ايران باتت على بعد اشهر معدودة من انتاج اسلحة نووية، ولن يسمح لها بذلك ولا نستبعد ان يكون الهجوم الشرس الذي شنه العاهل السعوي الملك سلمان بن عبد العزيز على ايران، واتهامها بزعزعة امن المنطقة واستقرارها في خطابه الذي القاه امس امام الجمعية العام للأمم المتحدة هو تمهيد لهذه الحرب، واستعداد لتبعاتها، والاشتراك فيها بشكل او بآخر.
ترامب سيستخدم كل ما لديه من وسائل قوة من اجل البقاء في البيت الأبيض مدى الحياة، ويجد كل الدعم والمساندة من بنيامين نتنياهو رئيس وزراء “إسرائيل” وقادة الحركة الصهيونية في امريكا والعالم، وهو الآن مثل الثور الهائج المثخن بالجراح يضرب في جميع الاتجاهات، وقد يحقق ما يشفي غليله وانصاره العنصريين، ولكنه سيدمر امريكا أيضا مثلما دمر هتلر المانيا، وقادها الى التقسيم، وتوحيد معظم العالم ضدها.. والأيام بيننا.
رأي اليوم – عبدالباري عطوان