المشهد اليمني الأول/
منذ سنوات يعاني أبناء قبيلة الحويطات في السعودية من التهديدات المستمرة من قبل السلطات بالطرد والتهجير من أرضهم بحجة “إزالة المخالفات”، وخلال الأشهر القليلة الماضية تحولت تلك التهديدات إلى التهجير والترحيل فعلي مستخدمة في ذلك كل أدوات الترهيب وصولا إلى القتل المباشر بحق كل من يرفض أوامر الاخلاء والترحيل من المنطقة الواقعة داخل منطقة مشروع “نيوم”.
وللمفارقة، أن العذابات التي يعاني منها أبناء قبيلة الحويطات في السعودية قد سبقهم في ذلك الفرع الآخر للقبيلة من أبناء الحويطات في فلسطين المحتلة مع بداية الثلث الأول من القرن العشرين على يد الاحتلال الإسرائيلي، الذي رأي ان تحقيق الأهداف الصهيونية الرئيسية لن تتحقق دون تهجير الشعب العربي الفلسطيني من على أرضه.
يشار إلى أن معاناة أبناء الحويطات وغيرهم من أبناء القبائل في إمارة تبوك “شمال غرب السعودية” بدأت في الظهور مع إعلان الحكومة السعودية عن خطط لبناء مدينة ضخمة تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار أمريكي على ساحل المملكة المطل على البحر الأحمر وخليج العقبة.
كان ذلك، خلال جلسة مؤتمر “مستقبل الاستثمار” في أكتوبر 2017 وكان من الواضح أن المشروع المزمع إقامته مرتبط بصورة مباشرة بشخص ولي العهد محمد بن سلمان، على اعتبار أن المشروع الذي أطلق عليه أسم “نيوم” جزء من رؤية 2030 والهادفة إلى تنويع الموارد الاقتصادية والحد من الاعتماد على الموارد النفطية كمصدر أول للإيرادات في المملكة.
وينظر للمشروع حسب العديد من المراقبين، بأنه ذات أولوية كبيرة في أجندة محمد بن سلمان (الذي يسعى في تثبيت نفسه كوريث للعرش)، لكونها مشاريع عملاقة يُمكن من خلالها إظهاره بأنه الحاكم الفعلي الذي يمكنه قيادة السعودية حاضراً ومستقبلاً.
وبعيداً عن تفاصيل المشروع بأبعاده المختلفة والذي سوف نفرد له قراءة خاصة في قادم الأيام، يلاحظ أن خطط المشروع قد تجاوزت منذ البدايات الأولى الكثير من الوقائع على الأرض وفي مقدمتها أن المنطقة المستهدفة تُعد معقلاً للعديد من القبائل العربية وعلى رأسها قبيلة الحويطات، التي تسكن منطقة “شرما والخريبة” في إمارة تبوك، والمقدر طولها 100 كم على امتداد ساحل البحر الأحمر وخليج العقبة.
وتشير التقارير أن المناطق المستهدفة من قبل السلطات السعودية تعد ذات اهمية استثنائية، فهي من جهة على مقربة من القصور الملكية المزمع بنائها ضمن مشروع “نيوم” ومن الجهة الاخرى كونها تقابل وبصورة مباشرة شبه جزيرة سيناء المصرية.
مع بداية الإعلان عن المشروع، كان الاعتقاد السائد لدى سكان المنطقة أن اوضاعهم الاقتصادية سوف تتحسن بعد سنوات من الاهمال الحكومي، وأن المشاريع المنتظر إقامتها سوف تسهم في تحسين مستوى المعيشة للأسر وزيادة دخلها، إضافة إلى الحد من البطالة بين السكان المحليين في المنطقة.
ولكن ما حدث كان صادما بطريقة غيرة منتظرة، بعد أن علمت القبائل أن النظام السعودي قرر تهجيرهم وإجلائهم بصورة نهائية بحجة إقامة المنشئات الخاصة بمشروع “نيوم”، بعد أن كانت المعلومات الأولية تشير إلى أن المشروع سوف يتم بنائه في الأراضي الغير مأهوله في المنطقة.
هذا الواقع شكل كابوساً مؤلماً لأبناء القبائل في المنطقة بعد أن تأكدت النوايا الحكومية من طردهم من أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم، التي يعيشون عليها منذ أزمان غابرة، وحسب قول أحد المتضررين من الترحيل القسري “أن عملية التهجير المنتظرة سوف تكون بمثابة تقطيع لمجتمع كامل”.
وفي السياق ذاته، أشارت العديد من المصادر المحلية أن التحركات المتسارعة للسلطات السعودية بصدد الإخلاء و التهجيرالمنطقة بالكامل من السكان الأصليين والمقدر عددهم ما بين عشرين وثلاثين الف شخص على عدة مراحل، دون أدنى اكتراث للرفض المجتمعي المتصاعد تجاه مخططات الترحيل، كون الغالبية من السكان لا يريدون الخروج من أراضيهم التي لا يعرفون وطناً سواها، ولكن السلطات ضربت بكل تلك الاعتراضات عرض الحائط وفرضت وجوب إخلاء المكان “مع التعويض” خلال فترة وجيزة.
مقتل الحويطي وتصاعد التوترات:
مع بداية العام الحالي 2020 دشن ابن سلمان من خلال المسؤوليين المحليين أولى عملية التفاوض في المنطقة للقيام بترحيل السكان وإخلاء المنازل والتهجير ، وقسمت العملية إلى مرحلتين، وتتمثل المرحلة الأولى في المناطق الجنوبية: (الخريبة، العصيلة، شرما)، والمرحلة الثانية شملت المناطق الشمالية (البدع، مقنا).
استخدمت السلطات في سبيل إنجاز عملية الترحيل كل الامكانيات والوسائل المشروعة وغير المشروعة بهدف دفع السكان واجبارهم على الرضوخ والخروج من أرضهم، ولم تتوانى في قطع إمدادات الخدمات العامة مثل الماء والكهرباء وخطوط الهاتف وغيرها من الخدمات عن المناطق المستهدفة إخلائها.
وعلى الرغم من الممارسات القمعية من قبل نظام آل سعود، إلا أن أغلب السكان في المنطقة لم يرضخوا للتخويف ولا للتهديد رغم بشاعتها، وكان من الواضح أن السكان لم يعد أمامهم من خيار أخر في سبيل الحفاظ على بقائهم داخل أرضهم، سوى الرفض والمقاومة السلمية، ومع استمرار حالة التوتر في المنطقة،
سعى العديد من أبناء القبائل إلى تصعيد مقاومتهم السلمية عبر إعلان رفضهم أوامر التهجير “من خلال وسائل التواصل الاجتماعي الفيس بوك وتويتر”، وفي اعقاب ذلك الرفض العلني، هاجمت قوات أمنية كبيرة قرية الخريبة وداهمت بصورة مباشرة منزل “عبدالرحيم الحويطي” وقامت بتصفيته دون مقاومة منه بحجة أنه مطلوب أمنياً.
والمؤكد أن طريقة القتل بحق عبدالرحيم الحويطي من قبل نظام ابن سلمان، أراد من خلالها توجيه رسالتان الأولى: موجهة إلى سكان المنطقة المستهدف إخلائها “أن من يرفض أوامر الترحيل لن يختلف مصيره عن مصير الحويطي”، الرسالة الثانية: استهدفت بث الرعب في قلوب كل من يجرئ على مخالفة توجهات ابن سلمان في مختلف أرجاء السعودية.
يشار إلى أن “عبدالرحيم الحويطي” قام بنشر العديد من الفيديوهات على حسابه في “تويتر” رفض فيها إخلاء منزله في منطقة الخريبات، منتقداً إصرار السلطات على الترحيل والتهجير القسري للسكان، واصفاً تلك الاجراءات “بإرهاب الدولة”، وشبه الحويطي أن ما يمارس من قبل السلطات السعودية تجاه قبيلته هو ذات السلوك الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، ولم يخفي الحويطي رفضه أن يكون شريكا في مشروع “نيوم” لكونه يخدم اليهود أكثر من خدمته السعوديين.
في اعقاب مقتل الحويطي، لم تتوقف السلطات السعودية في تدشين المرحلة الثانية من التهجير القسري للسكان في منطقتي علقان وثرم، وكان المدخل في البداية إزالة العقارات والأبنية التي تحمل مشكلات قانونية “الملكية أو النزاعات” لكي تبرر هدم المنازل ومصادرتها، وفي الخطوة التالية تعمل على إنشاء العوازل الترابية والأسمنتية ما بين القرى المستهدفة لمنع الدخول والتواجد بها مستقبلاً.
يبقى القول، أن محمد بن سلمان ونظامه ماضي في إقامة مشروعه دون اكتراث للنتائج العكسية المترتبة عليه، وفي المقدمة تصاعد حالة الاحتقان والرفض لدى السكان نتيجة غياب الحلول العملية والمنصفة، وهو ما قد يؤجج المشاعر ويدفع باتجاه تصعيد الحراك الشعبي ضد نظام أل سعود عموماً وحكم محمد بن سلمان على وجه الخصوص.