المشهد اليمني الأول/
قبل حوالي عام، في مثل هذه الأيام، تعرضت منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو في المملكة العربية السعودية للقصف في هجوم ألقي باللوم فيه على إيران، في المقابل، لم تقم الإدارة الأمريكية بالرد المباشر على الهجوم، ولم تقدم أي دعم عسكري، لا سيما من خلال قوتها الرادعة المنتشرة في الشرق الأوسط، في حماية المواقع السعودية.
رد الفعل الأمريكي شكل صدمة في المملكة العربية السعودية، وبشكل أعم في دول الخليج، والتي خلصت إلى أن تحالفهم مع واشنطن – رغم تفاهمهم الجيد للغاية مع إدارة ترامب – لم يكن كافياً لحمايتهم من العدو الإيراني.
لماذا نسلط الضوء الآن على هذه الواقعة؟ الإجابة ببساطة؛ لأنه لا يمكن للمرء أن يفهم حقيقة ما يجري اليوم وراء التطبيع بين إسرائيل من جهة، والإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة أخرى، دون معرفة ما يجري داخل رؤوس المسؤولين عن ممالك الخليج.
ليست المصالح الأمنية المشتركة هي ما يحرك دول الخليج للتقارب مع الدولة العبرية وحسب، بل يتشاركون أيضاً في رؤية الشرق الأوسط، وحتى للعالم بشكل عام، مما يجعل تطبيع العلاقات بينهم، بغض النظر عما يفكر فيه المرء، مناسبًا أو مبرراً على الأقل.
المؤكد، أن التطبيع بين إسرائيل ودول الخليج ليس له علاقة بفكرة تحقيق السلام الإقليمي، لم تكن الدول الثلاث المعنية في حالة حرب أبداً، كما أن في هذا الاتفاق، القضية الفلسطينية ليست دافعاً رئيسياً ولا حتى محركاً، لذلك، فإن التحالف بين إسرائيل ودول الخليج لا يبشر ببداية عهد جديد في الشرق الأوسط، لسبب بسيط وهو أن هذه الحقبة قد بدأت بالفعل منذ ما يقرب من عقد من الزمان وأن هذه الخطوة الأخيرة هي بالأحرى شكل من أشكال تأكيد الاتجاهات الجارية بالفعل.
لقد مات العالم العربي القديم وماتت معه القضية الفلسطينية، تاركاً عالم عربي جديد يحاول إعادة تشكيل نفسه على جميع المستويات، بما فيها منطقة الخليج العربي.
لقد انتقلت الأنظمة في الخليج في غضون سنوات قليلة من حالة “الأخ الأكبر”، إلى حد ما، إلى حالة الفريسة والحيوانات المفترسة، بالأمس كانت ممالك قوية ومحافظة، اليوم هم صقور تحركهم أيديولوجية قومية وتقودهم ذئاب شابة، وعلى رأسهم السعودية، التي كانت تاريخياً قوة دبلوماسية حذرة.
دول الخليج كلها مهووسة بالمستقبل، وفي هذا المستقبل تحتاج إسرائيل، خاصة مع اقتراب نهاية العصر الذهبي للنفط، ما دفعهم إلى التفكير في تنويع استثماراتهم اقتصاديًا. يمكن أن تكون الدولة العبرية التكنولوجية والرقمية شريكًا مهمًا في إنجاح هذا التحول.
التهديد الأكبر الذي يواجه دول الخليج الآن، كما تزعم، هو التهديد الإيراني التي تحاول بكل الطرق إيجاد تحالفات لوقف هذا الزحف الإيراني، الذي يدعم الحوثيين في اليمن، وهي جبهة صراع أخرى يواجهها المحور الإماراتي السعودي -دون تحقيق أي نصر حتى الآن.
لهذا؛ تنظر الأنظمة الخليجية إلى إسرائيل كحليف موضوعي من المرجح أن يساعدها في محاربة أعدائها والسماح لها بالحصول على أسلحة أكثر تطوراً من الولايات المتحدة.
يبدو أن التسليم الأمريكي لطائرات F-35، والذي من شأنه أن يمنح الإماراتيين ميزة تكنولوجية على كل دولة أخرى في المنطقة باستثناء إسرائيل، كان عنصرًا حاسمًا في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على الرغم من أن إسرائيل لم توافق بعد على منح هذه “الميزة” للإمارات.
من ناحية أخرى
تشهد منطقة الخليج انقسامات داخلية، حيث شكلت الجبهة السعودية الإماراتية مع البحرين فريقاً ضد قطر، حليفة تركيا، التي يعتبرها هذا التحالف الثلاثي عدواً أيضاً.
تشترك دول الخليج وإسرائيل بالفعل في العديد من النقاط المشتركة، حتى لو كانت للمقارنة حدودها، حيث أن حكومة “نتنياهو” اليوم أقرب بكثير في نظرتها إلى ولي العهد الإماراتي “محمد بن زايد” منها، على سبيل المثال، من نظرتها إلى المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”.
هذا هو السبب في أن التحالف بين الدولة العبرية وأنظمة الخليج، اعتمادًا على عدد الملكيات التي ستنهار بفعل التغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم، يمكن أن يتسبب في تغييرات كبيرة في المنطقة.
حتى الآن، ظلت إسرائيل لاعباً منفصلاً على الساحة الشرق أوسطية، تتمتع بتفوق عسكري حقيقي ولكن مع عدم القدرة، بطبيعتها، على أن تكون قوة إقليمية بالمعنى الإمبريالي، لذلك، لطالما اعتبرت الدولة العبرية نفسها حصنًا محاصرًا من قبل أعدائها بسبب القضية الفلسطينية وغيرها، ولكن مع زيادة الضربات الجوية ضد منشآت إيران أو حلفائها في سوريا والعراق، أصبحت نظرة “جيرانها” لها مختلفة.
الجانبان، العربي والإسرائيلي، أصبح لديهما رؤية مشتركة: يمكن أن تتخذ خطوة جديدة للتحالف سوياً، خاصة وأننا في كل جانب نتكيف مع الانسحاب التدريجي للأمريكيين من الشرق الأوسط، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر المقبل.
هل يمكننا إذن أن نتخيل قيام إسرائيل بإنشاء قاعدة عسكرية في الخليج، على بعد كيلومترات قليلة من الساحل الإيراني، وتلعب دور الدرك في هذه المنطقة.. ويصبح لدينا خليج عربي إسرائيلي؟
بدا الأمر بعيد المنال أمس، ومع ذلك فإن هذا التحالف الجديد يفتح هذا الاحتمال الآن، وفي المقابل، يقتل آمال إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
يُعتبر الفلسطينيين الخاسر الأكبر في صفقات التطبيع الخليجية الإسرائيلية، خاصة وأن الجيل الجديد من القادة في الخليج لا يظهر أي اهتمام بالقضية الفلسطينية، بل وأحياناً يقومون بالتقليل منها، حتى لو ظلت الشعوب مرتبطة عاطفيًا بهذه المسألة.
لقد باعت دول الخليج النفوذ الوحيد الذي كان لديها على إسرائيل للدفاع عن مصالح الفلسطينيين، لكن على الرغم من كل هذا، لن تتغير بالضرورة قواعد اللعبة في هذه القضية، صحيح أن مبادرة السلام العربية لم تؤد إلى تغيير في موقف إسرائيل تجاه الفلسطينيين، لكن التطبيع لن يغير بالضرورة موقف دول الخليج تجاه الفلسطينيين.