المشهد اليمني الأول/
لاعتباراتٍ عديدةٍ، وكثيرةٍ لا يُمكن الجزم تماماً، بالأسباب التي تدفع بالعربيّة السعوديّة، عدم الذّهاب خلف شقيقاتها الخليجيّات المُطبّعات في البيت الأبيض أخيرًا، لكنّ تصدير مسألة التخوّف من تأثير التيّارات الإسلاميّة السعوديّة، وردّة فعلها على تلك الخطوة التطبيعيّة، يبدو تحليلاً مُبالغاً فيه.
فواقع التيّار المذكور في أسوأ حالاته، وجميع رموزه التي يُمكن أن تترك أثرها خلف القُضبان، وجرى مُصادرة أصواتهم في قضايا داخليّة سعوديّة أكثر حساسيّةً، وفشلوا في إحداث حتى ردّة فعل.
في الأسباب الرسميّة، ترفض المملكة، الذهاب في اتّجاه السلام مع إسرائيل، وأعلنت تمسّكها بالمُبادرة العربيّة، والتي تقول بنودها قيام دولة فلسطينيّة، وعاصمتها القدس الشرقيّة، هذه المُبادرة أصبحت من الماضي، يقول بعضٌ آخر، فور توقيع الإمارات، والبحرين على الاتفاق التطبيعي، فالدولة الفلسطينيّة، ووجودها، لا يُمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن يُوقّع على اتفاقيّةٍ، فيها مثل هذا البند.
توقيع البحرين، وهي بمثابة الحديقة الخلفيّة للسعوديّة، لاعتباراتٍ جغرافيّة (قريبة من المنطقة الشرقيّة)، وأخرى سياسيّة، دفع بالعديد من المُراقبين إلى القول، بأنّ المملكة الصغيرة التي تعتاش على مُساعدات السعوديّة، أخذت الضوء الأخضر للتوقيع، وهو ما يعني بالتالي، أنّ تطبيع السعوديّة، قادمٌ لا محالة.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يتحدّث بدوره عن اعتراف سعودي بإسرائيل في الوقت المُلائم، تُطرح التساؤلات حول هذا الوقت المُناسب للسعوديّة، وفيما إذا كان توقيته يُناسب السعوديين أو الفلسطينيين ودولتهم بالأكثر، رئيس الاستخبارات السعوديّة الأسبق الأمير تركي الفيصل، كان قد تحدّث عن ثمنٍ غالٍ تُريده بلاده للاعتراف بإسرائيل، ويُفترض أن يكون دولة فلسطينيّة.
ثمّة من يفترض وجود تباين بين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، ووليّ عهده الأمير محمد بن سلمان، حول الذهاب إلى التطبيع من عدمه، فالملك سلمان طالما كان معنيّاً بالشأن الفلسطيني، كما شارك كما تُوثّق الصور، الجيش السعودي في الدفاع عن مصر خلال العُدوان الثلاثي.
فيما نجله الأمير بن سلمان، لم يصدر عنه تعليق فيما يتعلّق بموقفه العلني من العلاقات مع إسرائيل، وفيما إذا كان يجد من التحالف معها، فوائد، في كسر امتداد تحالفات خُصومه، والمُتمثّلة في إيران من جهة التي هاجمها في إطلالاته الإعلاميّة العلنيّة، ووعد بنقل المعركة إلى داخلها، وتركيا من جهةٍ أخرى.
ترامب أشار إلى حديث جمعه مع الملك سلمان، وأكّد أنهم سينضمّون إلى التطبيع في الوقت المُلائم، وهُنا لم يشرح الرئيس الأمريكي طبيعة ما دار بينه وبين الملك السعودي حول طلبه منهم تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فهو عادةً ما يتحدّث بتفاصيل صريحة، فيما يتعلّق بطلبه الأموال من السعوديّة، وتلبيتها له، مُقابل ما يعتبرها ضمن تقديم الحِماية الأمريكيّة.
مسألة اقتراب الانتخابات الأمريكيّة، واحتماليّة فوز المرشّح جو بايدن بالرئاسة، وتراجع حُظوط ترامب، قد تلعب دورها في مسألة التطبيع السعودي من عدمه، فالوقت المُلائم هذا الذي تحدّث عنه ترامب بخُصوص انضمام السعوديّة، لعلّه يختلف عن الحسابات الإماراتيّة، والتي ارتأت التوقيع السريع على مُعاهدة إسرائيل، خدمةً لدعاية انتخابيّة، أرادها ترامب المأزوم محليّاً بكورونا والبطالة، ويرغب بإنجاز، قد يراه الناخبين إنجازًا مسرحيّاً، لا يخدم تطلّعاتهم، وهُم يُسجّلون مئات آلاف الوفيّات بالفيروس القاتل أقلّه.
هُناك أسباب أخرى واقعيّة، قد تدفع السعوديّة إلى مُراجعة حساباتها قبل اختيار “الوقت المُلائم” للتطبيع، فرغبتها لقيادة العالم الإسلامي، في ظل رفض باكستان، وتركيا، وإيران، الدول الإسلاميّة المُنافسة للتطبيع الإماراتي، قد يجعلها تُفرمِل سُرعتها، أو سُرعة التيّار الذي يَشور على قيادتها بفوائد التطبيع.
وإن كان لم يصدر عن السعوديّة، ما يُدين قرار الإمارات بالتطبيع الشامل والكامل، وحالة الغضب الشعبي التي قد تكون دفعت القيادتين الإماراتيّة، والبحرينيّة، إلى إرسال وزراء خارجيّتهم بدلاً عنهم للتوقيع التطبيعي في البيت الأبيض، وعلى عكس القِيادتين الأردنيّة والمصريّة التي حضرت للتوقيع شخصيّاً في حينها، وكان نهاية المصريّة القتل.
المسؤولون الإسرائيليون، ألمحوا إلى وجود لقاءات سريّة تجمعهم مع المسؤولين السعوديين، وهو ما يعتبره البعض دلالة وجود علاقات سريّة بين البلدين، لكن هذه التلميحات تعتبرها أوساط سعوديّة، نوع من التضليل الإسرائيلي، وتشويه سُمعة بلادهم.
فلا يجب الاستماع إلى رئيس الموساد الذي يقول إنّ السعوديّة يُمكن أن تُطبّع علاقاتها معهم، لكن ومع هذا تبقى تصريحات وتوقّعات، والإجابة على سُؤال التطبيع النهائي، وحدها الرياض المُخوّلة للإجابة عنه، وهي التي تُؤكّد حتى كتابة هذه السّطور، وقوفها إلى جانب الأشقّاء الفِلسطينيين، وفي غير هذا يبقى تنبّؤات.