المشهد اليمني الأول/
يموت طفل يمني كل عشر دقائق من جرّاء أمراض يمكن الوقاية منها (أ ف ب )، ومع مرور 2000 يوم على اندلاع العدوان، لا تزال تبعات الجريمة المتواصلة المرتكبة بحق اليمنيين تتوالى. استهداف مباشر للمنشآت أريد منه إعاقة التنمية، وعمليات تجويع ممنهجة لم تستثنٍ أحداً، وضرب متعمّد للعملة الوطنية أدّى إلى إفقار مئات الآلاف
مرّ 2000 يوم من عمر العدوان والحصار على اليمن منذ 26 آذار/ مارس 2015. 2000 يوم لم تنحنِ خلالها صنعاء، على رغم التدمير الممنهج للبنية التحتية، والذي تَسبّب في انهيار الخدمات الأساسية. وفي مواجهة الاستهداف المباشر للاقتصاد اليمني، والذي أدّى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية إلى مستوى ما قبل الكارثة، اعتُمدت سياسة التكافل الاجتماعي، في ظلّ مساعدات محدودة من قِبَل الأمم المتحدة. هكذا، جرى احتواء موجات النزوح الداخلي بعدما تَسبّبت الحرب في تشريد أكثر من 3,3 ملايين يمني، فيما لم تتعطّل مؤسسات الدولة على رغم قطع الرواتب عن أكثر من 1,2 مليون موظف فيها منذ أربع سنوات.
تعمّد تحالف العدوان تضييق خيارات العيش على 21 مليوناً يعيشون في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ، من إجمالي 29,7 مليون نسمة يمثلون سكان اليمن، وفق آخر التقارير الرسمية. وبحسب تقرير صادر السبت الماضي عن «مركز عين الإنسانية لحقوق الإنسان» في صنعاء، فإن خارطة أهداف «التحالف» كانت مُعدّة لإعاقة التنمية بشكل أساسي؛ إذ تمّ استهداف أكثر من 500 منشأة طبية ما بين مستشفى ومركز صحّي، لتتراجع قدرات القطاع الصحي بنسبة 50% في ظلّ تفشّي الأوبئة والأمراض.
كذلك، دُمّرت 1095 مدرسة تعليم أساسي وثانوي ومهني، وهو ما أسهم في حرمان مليونَي طفل من الالتحاق بالمدارس، من جرّاء تعرّض مدارسهم للتدمير أو قراهم ومدنهم للقصف وتراجع القدرات الاستيعابية لمؤسّسات التعليم. أيضاً، حَوّل «التحالف» 22404 منشآت اقتصادية تتباين أحجامها ما بين صغيرة ومتوسطة إلى أهداف عسكرية، فيما تَوقّفت المئات من المنشآت الإنتاجية والصناعية بسبب منع العدوان دخول المواد الخام والوقود إلى ميناء الحديدة، ليفقد الآلاف من العمال مصادر عيشهم.
ولم يستثنِ العدوان قطاع الزراعة الذي يعمل فيه قرابة 70% من اليمنيين، حيث استهدف خلال 2000 يوم 884 مخزن أغذية، وأعاق وصول الغذاء إلى القرى والمناطق الريفية بقصف الطرقات العامة وتدمير الجسور الرابطة ما بين المحافظات والمديريات، كما قصف 783 شاحنة غذاء و672 سوقاً شعبياً، هي بمثابة مراكز تجارية تقليدية يقصدها معظم اليمنيين للتزوّد بالغذاء. وتفيد تقارير الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها بأن العدوان والحصار أدّيا إلى وقوع 80% في دائرة الفقر، في حين أصبح 10 ملايين نسمة على بعد خطوة واحدة من المجاعة.
وبينما يموت طفل يمني كلّ 10 دقائق بفعل أمراض وأوبئة يمكن الوقاية منها، يعاني 1,8 مليون طفل من سوء التغذية، و400 ألف طفل من سوء التغذية الحادّ. وعلى رغم ذلك كلّه، عمدت المنظمة الدولية، أخيراً، إلى إيقاف أكثر من 37 برنامج مساعدات، أحدها خاص بالصحة الإنجابية، بينما لا تزال تستخدم 70% من تمويلات المانحين الخاصة بالشؤون الإنسانية في اليمن كنفقات إدارية وبدلات سفر للمنظمات التابعة لها وللمبعوث الأممي.
أصبح 10 ملايين نسمة على بعد خطوة واحدة من المجاعة
وفيما لا يزال «التحالف» يحتجز 15 سفينة تحمل أكثر من 420 ألف طن من الوقود في جيبوتي وميناء جيزان ويمنع دخولها إلى ميناء الحديدة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، عمد أخيراً إلى ضرب القيمة الشرائية للعملة اليمنية التي تدهورت إلى أدنى مستوى لها في المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي،
حيث تجاوز سعرها حدود 830 ريالاً للدولار الواحد، في حين لم يتجاوز في العاصمة صنعاء، التي منعت التداول بالعملة المطبوعة من دون غطاء من قِبَل حكومة هادي، مطلع العام الجاري، 600 ريال للدولار الواحد. وتَسبّب انهيار سعر صرف العملة المطبوعة في مدينة عدن في ارتفاع حادّ في أسعار المواد الغذائية والأساسية، الأمر الذي ضاعف معاناة السكان، وأثار ردود فعل غاضبة ضدّ «التحالف» وحكومة هادي، التي طبعت خلال أربع سنوات أكثر من تريليونَي ريال من دون غطاء لدى شركة «غورنالك» الروسية، تساوي ما طُبع من نقد من قِبَل صنعاء خلال 40 عاماً.
ووفقاً لمصادر اقتصادية في عدن، فإن قيادة البنك المركزي في المدينة غير موجودة منذ أكثر من عام، حيث يتولّى موظف سعودي في «مؤسسة النقد العربي» (البنك المركزي السعودي) في الرياض إدارة العمليات الخارجية للبنك، بتوجيهات مباشرة من السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، الذي يُعدّ «الحاكم المدني»، وفقاً لـ»اتفاق الرياض» الموقّع بين حكومة هادي و»المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي للإمارات.
وأقرّ «مركزي عدن»، خلال الأيام الماضية، عدداً من الإجراءات، وفرض عدداً من القيود لوقف تدهور العملة المطبوعة، لكنه فشل في ذلك، من جرّاء قيام حكومة هادي بإرسال أكثر من 47 مليار ريال من العملة المطبوعة، جوّاً، من مطار جدّة إلى مطار سيئون، لصرف رواتب القوات الموالية لها، واستمرار الرئيس المنتهية ولايته في الاستحواذ على إيرادات النفط والغاز اللذين يُصدّران من المحافظات الجنوبية بواقع 2,7 مليون برميل شهرياً، وذلك عبر حساب خاص به في «البنك الأهلي السعودي»، بتوجيهات سعودية. واتّهمت حكومة الإنقاذ، الأسبوع الماضي، «التحالف» وحكومة هادي، باستخدام العملة الوطنية كورقة حرب ضدّ المواطنين في «المحافظات المحتلة»، لافتة إلى أن سعر صرف العملة في تلك المحافظات تدهور بنسبة 300% عمّا كان عليه قبل نقل البنك المركزي إلى عدن.
جريدة الأخبار