المشهد اليمني الأول/
ثورة الإمام زيد.. ربما ذهبت بنا القرون والعقود إلى زاوية البعد عن سالف ماحدث في زمن كان فيه خليفة المؤمنين وسيدهم يشرب الخمر, يلاعب القرود, يجالس “اليهود” مستانس لحديثهم, وياكل اللحوم حتى التخمة، بينما البسطاء لايمتلكون قوت يومهم, ومع مرور الأزمنة اعتادت البشرية كل ذلك الفساد وتمرست القلوب على أحاديث نبوية مدعاة قيل في مثلها: “أطع الأمير وأن أخذ مالك وقصم ظهرك”!!
وهانحن اليوم في زمن نهب المال، وهتك العرض وقصم الضهر، “ومه يازيد لا تؤذي جليسنا” !! فما بين الماض والحاضر هناك ارتباطات وثيقة بكل ماحدث ومايحدث، منذ ثورة الإمام الحسين عليه السلام, إلى أن قامت قيامة ثورة الإمام زيد عليه السلام وكلاهما له نفس الأهداف القرآنية والمواقف الرسالية السامية..
تحرك الإمام زيد عليه السلام من منطلق الثورة لمبادئ القرآن الكريم، والخروج على الطاغية الأموي “هشام بن عبد الملك” الذي لايقل حقارة عن نظيره اليزيد، وكلاهما غاص في محيط المعاصي، وورث نهج الإنحراف والشذوذ عن خط القرآن الكريم وسبيل الهداية النير, ولكل زمان عَلم حق ولكل عَلم عدو من الجن والإنس كما هو حال أنبياء الله ورسله فجميعهم في مقام العبد الصالح القانت لربه.
وهانحن في زمن قيل عنه أنه زمن “الغربلة” بل أنه أشد من ذلك, والمميز فيه رغم كل ماحدث في تأريخه من إنحرافات باسم الدين الا أنه زمن الثورة والعودة إلى حضن الدين العزيز حضن الكرامة والرفعة, لا نستطيع التقليل من شأن ما حققته “اللوبية الصهيونية” منذ أيام الحكم الأموي إلى أيام الحكم السعودي الخليجي إلا أن هذه التقدمات أمام آيات القرآن الكريم تعتبر هزيمة نكراء للعدو وللخونة المتلبسين باسم الدين..
فالحاكم الأموي “هشام بن عبد الملك” طبع العلاقات ومتّنها مع “اليهود” يوم استقبل شخص يهودي في مجلسه الخاص بحكم أمر المسلمين، واستمع اليه بكل رحابة صدر وهو يسب الرسول محمد صلوات الله عليه واله.. لكن, حينها توعده الإمام زيد باختطاف روحه من بين عنقه, ونصر الدين وبين باطل قانون التطبيع مع اليهود، وأنه المنفذ الحدودي الوحيد مابين الإسلام والشرك بالله.. ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ).
فمن غار على مشاعر اليهودي في الأمس وقال للإمام زيد مه يا زيد لا تؤذي جلسينا.. هاهو اليوم يقدر المشاعر اللئيمة للصهاينة ويمد لهم يد السلام الملطخة بدماء اليمنيون وغيرهم.. وباسم الدين ومن نفس المنصب وبنفس العبائة تكررت كلمة “مه” الف مرة ومرة!!
ولان الطرق على مر الأزمنة هي طريقين فقط!! مابين حق وباطل لاثالث لهما، حتى وأن كان الثالث هو ذاك الطرف المحايد إلا أن حقيقة “الحياد” هي نفسها حقيقة الإنحياز للمصحلة الشخصية, فهذه الطريقين للحق والباطل مازلت ممتدة إلى واقعنا اليوم، وقليل هم المتمسكين بمبدأ ملائكة الرحمن يوم قال لهم الله تعالى اسجدوا وسجدوا, وكثيرا هم من اتخذوا طريقة “إبليس”.. أبا واستكبر وكان من الجاحدين.
فالقضية هنا هي قضية تسليم مطلق والتزام بمشروعية تنفيذ أوامر الله جل في علاه, لكن أصبح المسلمين يعيشون واقع التيه وباسم السياسة سيضيع الدين من بين أيدي المؤمنين ومن حيث لا يشعرون.. فحين يقول الله “ولاء ” يسمونها “تطبيع” وعلى الدنيا السلام.
فحين سُب رسول الله أقام الإمام زيد ثورة; وحين سب رسول الله صلوات الله عليه واله وشوه دينه من قبل صحف أجنبية دنمركية وفرنسية في زمن الانفتاح والتطور والتمدن والتطبيع صمت العرب إلا من رحم الله !! ومن لم يكتف بالصمت أعلن التطبيع مع الصهاينة وباع القضية المركزية للأمة ( القدس).
اليس بنو أمية هم أنفسهم دول الخليج!! اليست محور المقاومة هم أنفسهم علي والحسين وزيد!! اليس الحق أبلج حتى وأن أصبحت المنابر منبع للتطبيع!! نعم، لم يخطأ الإمام زيد حينها عندما قال: من أحب الحياة عاش ذليلا.. وهيهات منا الذلة.
إكرام المحاقري