المشهد اليمني الأول/
نستذكر أبرز محطات حياة محمد بن سلمان التي تناولها كتاب “الدم والنفط” للكاتبين “برادلي هوب” و “جوستين شيك” والذي يسرد انتهاكات بن سلمان وجرائمه ضد الإنسانية.
كما يتناول كتاب الدم والنفط الجانب الشخصي من حياة بن سلمان وكيف ساهمت تنشئته كابن مدلل لوالده “المسن” في رسم شخصيته الحالية.
المحطة الأولى: الدب الداشر
الدب الداشر، أبو رصاصة، أبو منشار، إسكندر.. جميعها ألقاب حصل عليها محمد بن سلمان في مراحل عمرية مختلفة من حياته، وذلك لهيئته الخارجية، وسلوكه غير المتزن، وصفاته الشخصية التي لا تؤهله لتولي مناصب قيادية في البلاد كونه متهور، صاحب قرارات متسرعة، يتمسك برأيه دون تراجع حتى لو تبين له أنه في غير محله، بالإضافة إلى رغبته الدائمة في اثبات قوته وتعزيزها مهما كلف الأمر، حتى لو بانتهاك القانون أو على حساب أراوح البشر.
كان بن سلمان طفلاً مدللاً -بصورة سلبية-، لوالد يكبره بحوالي خمسون عاماً، ولعل هذا ما يفسر تساهل والده معه على عكس اخوته الأكبر سناً -غير الأشقاء- والذين تعامل معهم -سلمان- بحزم منقطع النظير، وركز على أن يكتسبوا خبرات مهنية وتعليمية في الداخل والخارج، ولم يتهاون مع أي منهم كما كان يفعل مع “محمد” حيث كان طفلاً لا يشغله سوى ألعاب الفيديو، ولا يأكل إلا الوجبات السريعة، ولا يهتم بتعليمه كثيراً.
ظهرت مكانته المتميزة عند والده في وقت مبكر، حيث يسرد الكتاب قصة له حين كان في الخامسة من عمره، وكان حاضراً مع والده في إحدى المجالس التي لم يحترم هيبتها، وبدأ في الركض ونزع “أغطية رأس الرجال – الغترة والعقال[. لم يثر الأمر سخط والده، بل على العكس، ضحك وطلب من الحراس حمله إلى مكان آخر، ليؤكد هذا الموقف أن محمد ليس ابناً عادياً للأمير العصبي.
اضطراب سلوك بن سلمان بدأ في سن صغيرة، وكذلك هوسه بالسيطرة واستغلال النفوذ، في إحدى أيام فترة مراهقته، قام “محمد” الصغير بالتوجه إلى سوبر ماركت محلي، مرتدياً زياً عسكرياً ويقوم بالتحكم في المتواجدين هناك، أرادت الشرطة احتجازه آنذاك، لكن الأمير الشاب أكد لهم أنهم لن يستطيعوا فعل ذلك.
مع مرور الأيام، تطور الأمر من مجرد زي عسكري “مزيف” يخدم استعراض مراهق، إلى تهديدات صريحة بالقتل أو أي نوع آخر من التنكيل، في حال عارض أحدهم رغباته، في إحدى القصص التي يتم سردها كثيراً، ولكن بروايات مختلفة، قام بن سلمان بإرسال أرسل رصاصة إلى مسؤول رفض منحه سند ملكية قطعة أرض طلبها ليكتسب لقب “أبو الرصاصة”، فضلاً عن لقب الدب الداشر، الذي أطلقه عليه أعدائه بسبب مزاجه المتقلب ولحيته “غير المهذبة”.
توحش بن سلمان تضاعف عند تولي والده -سلمان- وزارة الدفاع، حيث عينه والده مستشاراً للجيش، فلم يتعامل محمد بالاحترام المطلوب مع كبار الضباط والمسؤولين في الجيش، كما بدأ في توبيخ ابن عمه الذي يكبره بنحو ثلاثين عاماً، وهو أمير يدعى خالد بن بندر الذي عمل جنرالًا لسنوات، وعليه رفض الأمير الكبير ]خالد بن بندر[ تلقي الأوامر من محمد،
كما قام أربعة من كبار الضباط العسكريين، جميعهم أمراء، أحدهم نجل الملك -آنذاك- عبد الله، بتقديم استقالتهم بسبب محمد، ما دفع الملك عبد الله باستدعائه إلى بيت عطلاته في طنجة، وتوكيل مهمة “ضبط سلوكه” إلى رئيس الديوان الملكي -آنذاك- خالد التويجري، وهو الأمر الذي جعل محمد يستشيط غضباً، فهو لا يعتبر التويجري إلا كخادم له ولعائلته.
عاد محمد إلى الرياض وأخبر والده بالحادث، لتثور ثورة والده أيضاً، واتصل بالملك عبد الله وأخبره أن محمد يتصرف نيابة عنه، مهدداً بالاستقالة إن لم كان هذا الأمر “لا يعجب الملك”، تراجع عبد الله عن معاقبة محمد وعاد بن سلمان. إلى منصبه في الوزارة.
مع تولي “سلمان” العرش، زادت رغبة محمد في الحكم، وأصبحت طموحاته ذات أولوية كبرى، أكثر من أي شيء آخر، وسعى بكل أدواته لتعزيز قوته وإحكام قبضته على السلطة.
أصبح اللعب “على المكشوف”، وبدأ بن سلمان في تصفية حساباته القديمة، وأول من قام بالانتقام منه، كان خالد التويجري، الذي تم خلعه من منصبه، بعد تلقيه صفعة على الوجه من الملك الجديد حين أخفى عنهم خبر وفاته.
بهذه الصفعة أعلن الملك الجديد وابنه الصغير عن بداية عهد جديد لا مثيل له لأن المملكة كانت عبارة عن خليط من الإقطاعيات تداهم بعضها البعض من أجل الإبل والطعام والذهب، حيث كسر “الملك سلمان” كافة القواعد، وتحدى التقاليد، وقام بترقية ابنه “المدلل” في المناصب المختلفة.
في غضون ستة أيام من تولي سلمان العرش، تم تعيين محمد رئيساً لكياناً جديداً يسمى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهي واحدة من لجنتين ستشرفان على كل شيء تقريباً في البلاد، كما أصبح لديه تفويض مطلق لتغيير الخطط المالية والتنموية للبلاد، على الرغم من أنه أحاط نفسه بمجموعة من المستشارين “قليلي الخبرة”، ثم أصبح نائبا لولي العهد وقائدا للقوات المسلحة، وبحلول أبريل/نيسان من ذلك العام تولى إدارة شركة أرامكو السعودية.
تسببت هذه الخطوات في ارتعاش أبناء عمومتهم الذين رأوا المملكة العربية السعودية تدخل حقبة جديدة تتمحور حول سلمان والتي يمكن أن تستمر لعقود إذا كان محمد سيتبع خطى والده، وهو واقع “غير مرحب” به لدى هذا الكم الهائل من الأعداء في الداخل.
محمد بن سلمان بالنسبة لأبناء عمومته شاب صغير متهور، تتميز قراراته بالرعونة، وهو ما ظهر بصورة جلية بعد قراره بغزو اليمن ومحاربة الحوثيين، رغم خبرة المملكة “القليلة” في المجال العسكري، وهو القرار الذي تسبب في أكبر كارثة إنسانية في العالم.
بالإضافة إلى حملاته القمعية ضد المعارضين والنشطاء في الداخل والخارج، والتنكيل بهم وبعائلاتهم، فضلاً عن القرارات “غير الحكيمة” فيما يتعلق بالاقتصاد، والتي أدخلت المملكة في أزمة مالية ضخمة لم تشهدها منذ عقود.
المحطة الثانية: جنون العظمة
في عام 2018 تم ترشيح محمد بن سلمان للحصول على لقب “شخصية العام” في القائمة السنوية لمجلة “التايم” الأمريكية.
ظاهرياً، هذه الخطوة قد تبدو دليلاً على نجاح محمد بن سلمان في وصوله للعالمية وإظهار نفسه كأمير مجدد، صاحب رؤى إصلاحية وتقدمية تخرج ببلاده من عصور الظلام إلى عصر جديد مزدهر، الفضل الأول والأخير فيه يرجع إليه.
في الواقع، لم يحقق بن سلمان أياً مما كان يسعى إليه. الجانب الآخر من تلك السنة كان بعيداً عن الأنظار، لكنه كان مليئاً بالحوادث التي تكفي لأن يلاحق عارها بن سلمان طوال العمر، حيث تم تكثيف الرقابة على الجميع، مع تصاعد حملات الاعتقالات التعسفية، مع الاختطاف والعنف الذي استهدف المعارضين في الداخل والخارج.
من خلال الإبحار في حياة محمد بن سلمان، يتضح جلياً أنه لا شيء يسيطر عليه أكثر من “جنون العظمة”، هو مريض بهذا الداء، الذي بسببه دفع الكثيرون حياتهم ومستقبلهم ثمناً في المقابل.
الغيرة ممن هم أفضل، السعي الدائم للتميز والتربع على عرش القوائم -حتى بدون أحقية، رفض الرأي الآخر، بل والرأي المشابه طالما أنه لم يصدر “عني”… هذه هي الدوافع الرئيسية لحملات القمع والاستبداد التي قادها محمد بن سلمان.
في البداية، نجد أنه تخلص من رجال النظام السابق، خاصة الذين “تجرؤوا” ووجهوا له انتقادات تتعلق “بسلوكه المهني”، كما حدث مع التويجري على سبيل المثال.
بعد ذلك قام بالتخلص من الرجال الذين يهددون تواجده في العرش، سواء رجال السياسة أو الاقتصاد، وقام بتقويض تحركاتهم وإعفائهم من مناصبهم مع تجريدهم من صلاحياتهم، ليشن حملة اعتقال واسعة في صفوف أبرز رجال الدولة، بمزاعم الفساد، وهي حيلة قال الخبراء أنه لجأ إليها لكي يتمكن من الاستيلاء على أموالهم وثرواتهم، وبالتالي يجردهم من ميزة النفوذ المالي، ويستحوذ هو عليها.
ومع تعزيز قوته، استدار إلى أولئك الذين لا يشكلون أي تهديد لعرشه، لكنهم أفضل منه على المستوى الشخصي، وأكثر تميزاً ولمعاناً خاصة في الأوساط الدولية، كالأمير سلمان بن عبد العزيز، ابن عمه، الذي لطالما كان يشكل مصدر ازعاج كبير لمحمد بسبب تلقيه تعليماً “أفضل منه”، وشبكة علاقاته الواسعة مع الدبلوماسيين الغربيين، وحضوره القوي على الساحة الدولية والمحلية كرجل خيري.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأمير سلمان متزوج من ابنة الملك الراحل -عبد الله-، والتي ورثت عنه نحو مليار دولار مع امتيازات أخرى، رأى محمد أنها لا تستحقها، لهذا قام باعتقال زوجها -سلمان-، وبعد فترة وجيزة اختفت ملايين الدولارات التي ورثتها زوجة سلمان من والدها من حساباتها في البنوك السعودية، إلى جانب ميراث أبناء عبد الله الآخرين، كما تم اعتقال شقيقها تركي بن عبد الله.
في اليوم التالي لاعتقال سلمان- أو اختطافه ان جاز التعبير، حيث تم استدعاؤه إلى الديوان الملكي بصورة مفاجئة ومنذ ذلك الحين وهو رهن الاعتقال- تم الإعلان عن اعتقال مجموعة من الأمراء من بينهم “سلمان”، وذلك بسبب حضورهم إلى الديوان واثارة البلبلة بشأن امتناع الحكومة عن دفع فواتير الكهرباء الخاصة بهم!
نعم.. كانت هذه هي التهمة التي وُجهت للأمراء، من بينهم سلمان، الذي يملك أموالاً لا حصر لها، ولا يعرف “حرفياً” ماذا سيفعل بها، بل الرجل كان بصدد بناء حديقة حيوان خاصة، فكيف “يتشاجر” مع ولي العهد على فاتورة كهرباء!
يبدو أن محمد بن سلمان لم يكن يفكر أبداً قبل اتخاذ أي قرار، والأكيد، أنه لم يحسب عواقب الأمور. النرجسية هي ما كانت تسيطر على تفكيره، مصلحته الشخصية المتمثلة في إشباع رغباته “السيادية” تغلبت على مصلحة البلاد وعلاقاتها الخارجية، سواء مع دول أو رجال بارزين.
بعد اعتقال الأمير سلمان بن عبد العزيز، لجأ والده ]والد سلمان[ إلى محامي دولي للتدخل في الأمر، هذا المحامي كان “إيلي حاتم”، رجل فرنسي من أصول لبنانية، كانت تربطه بمحمد بن سلمان “صداقة شخصية” أو هكذا بدت الأمور، فحاتم صاحب الفضل في تحويل مسار تفكير محمد بن سلمان من مراهق لا يهتم إلا بألعاب الفيديو، إلى شاب صغير يسعى وراء جمع الثروة وتعزيز السلطة.
كما أن حاتم كان المحامي الشخصي لحصة بنت سلمان أخت محمد بن سلمان، والذي كان يمثلها أمام القضاء الفرنسي بعد اتهامها وحارسها الشخصي بالتعدي على أحد العمال في باريس.
بعد تدخل حاتم في قضية الأمير سلمان، قطع محمد بن سلمان علاقته به، وسحب قضية شقيقته من مكتبه..
من الجدير بالإشارة إليه، أن قضية حصة بنت سلمان، دليل آخر على المحاولات المستميتة لابن سلمان باستغلال نفوذه، في عام 2017، قام محمد -نقلاً عن حاتم- بالاتصال به وأخبره أن والده الملك سلمان تهاتف مع رئيس فرنسا -آنذاك- فرانسوا هولاند بشأن القضية، معتقداً أنه بهذه الطريقة يمكن أن يتدخل الرئيس ويحل المسألة أمام القضاء، لكن حاتم فاجأ محمد بأن “الأمور لا تسير بهذه الطريقة في فرنسا… الرئيس لا يستطيع التدخل”.
لم يكتف بن سلمان بهذا القدر من التهور في إدارة الأمور، بعد ذلك بأشهر، تحديداً في أغسطس/آب 2018، نشبت أزمة دبلوماسية كبيرة بين المملكة وبين كندا، حيث تم طرد السفير الكندي بعد نشر السفارة تغريدة على تويتر تنتقد فيها سياسات المملكة العربية السعودية القمعية، وتشجب حملات القمع والاعتقالات التعسفية التي يشنها محمد بن سلمان في صفوف النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان”. تم طرد السفير في وقت كانت فيه المملكة تسعى بكل جهدها لإقامة علاقات اقتصادية قوية بين البلدين.
الانتقاد الكندي جاء بعد حملات الاعتقال المسعورة التي شنها رجال بن سلمان في صفوف المعارضين والنشطاء، على رأسهم الناشطة “لجين الهذلول”، التي اكتسبت قضيتها سمعة دولية واسعة بسبب الانتهاكات البشعة التي تتعرض لها داخل على يد السلطات السعودية، بقيادة سعود القحطاني -مستشار ولي العهد السابق-.
المفارقة المريرة في قضية لُجين هي أن محمد بن سلمان كان يدعو إلى نفس الإصلاحات التي كانت تدعو إليها… لماذا قمع إذاً النشطاء في حين أن كل ما يحتاجه فعلاً هو دعوتهم إلى المجلس ووعدهم بالإصلاح؟ الإجابة المؤلمة أنه: في المملكة العربية السعودية بقيادة بن سلمان، لا يمكن أن تأتي الإصلاحات إلا من الأعلى، خشية أن يعتقد المواطنون أنهم يستطيعون الحصول على حقوقهم من خلال الاحتجاج أو انتقاد العائلة المالكة علانية.
وعلى الرغم من كل آرائه الليبرالية، كان محمد متفقًا بشكل عام مع أعمامه وإخوانه وأبناء عمومته على شيء واحد: من الأفضل لآل سعود أن يديروا الأمور بأنفسهم.
أراد بن سلمان سعودية مثقفة بلا مثقفين حقيقيين، أرادها مملكة متقدمة دون تنويريين، أراد أن يكون الزعيم الوحيد بل الأوحد في مسار الإصلاح والتقدم وتطوير المستقبل، وبسبب القمع والاستبداد الذي عامل بهم أي منتقد لسياساته، أو أي صوت يغرد خارج سرب طموحاته، تحول من “شخصية العام” إلى “أبو منشار”.
المحطة الثالثة: من أين لك هذا يا بن سلمان؟
بعد فترة وجيزة من توليه السلطة، استخدم بن سلمان سلاح “محاربة الفساد” للقضاء على منافسيه أو منتقدي سياساته، لم تكن دائماً مزاعمه حقيقية، لكنها فعل الكثير لتبدو كذلك، ليتمكن بصورة أو بأخرى من التخلص من أي عقبة قد تقف أمام طموحاته “الشخصية”.
على الرغم من هذا، تورط بن سلمان نفسه في ممارسات “فساد” بسبب سلوكياته “المثيرة للجدل” في التعامل مع أموال الدولة التي أنفقها ولا يزال ينفقها ببذخ منقطع النظير، أثار العديد من الانتقادات الدولية والمحلية، ولكن دون رقيب.
فبينما ادعى بن سلمان أنه اتخذ إجراءات صارمة ضد الفساد سيئ السمعة للنخبة الحاكمة في بلاده، واستعاد المليارات من رجال الأعمال والمسؤولين الذين احتجزهم في فندق فخم بالرياض، يتساءل البعض كيف استطاعت ثروته أن تتحمل نفقاته التي ينفقها ببذخ “إن لم يكن حصل عليها من خلال الكسب غير المشروع”.
بعد تنصيب والده ملكاً للسعودية، سافر بن سلمان إلى جزر المالديف، مع حاشيته وأصدقائه للاحتفال معهم، وقام باستئجار جزيرة “فيلا” الصغيرة لمدة شهر مقابل 50 مليون دولار (38 مليون جنيه إسترليني)، مع اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة لضمان الخصوصية في رحلة صيف عام 2015. كان لدى بن سلمان كل الأسباب للتأكد من أن ما يحدث في فيلا سيبقى في فيلا وحدها.
مُنع موظفو الفندق البالغ عددهم 300 موظف من امتلاك هواتف محمولة، وفي المقابل، حصل كل منهم على مكافأة قدرها 5000 دولار (3800 جنيه إسترليني) – بالنسبة للكثيرين منهم، ما يقرب من نصف راتبهم السنوي.
البذخ الشديد الذي سيطر على بن سلمان في تلك الرحلة لم يكن مفاجئاً بالنسبة لمرافقيه، سواء سعوديين أو أجانب، فهذه سمة يُشتهر بها أفراد العائلة المالكة السعودية، الذين يجوبون العالم ويتجولون في أرقى مناطقه بسياراتهم “لامبورغيني” مع اقتناء أثمن المشتريات.
سافر بن سلمان مع بعض أفضل منسقي الأغاني ومغني الراب في العالم للترفيه عنهم كل ليلة في ديسكو الشاطئ – الذي كان به آلة الجليد الخاصة به حتى يتمكن الراقصون من الدوران في عاصفة ثلجية صناعية إذا رغبوا في ذلك – بالإضافة إلى تواجد مجموعة من النساء الجميلات.
قام بن سلمان بالعديد من التصرفات “الجنونية” وغير المسؤولة في تلك الرحلة، في أحد الأمسيات تسلق بحماس على خشبة المسرح أثناء عزف دي جي أفروجاك الهولندي، وأصر على تولي الموسيقى.
كانت الحفلات تستمر حتى الفجر ثم يذهب الرجال – جميعهم أصدقاء أو أقارب الأمير – للنوم في فيلاتهم ولا يستيقظون إلا في وقت متأخر من نهار اليوم التالي.
كان من المقرر أن تستمر تلك الأمسيات لمدة شهر، لكن ولسوء حظ الأمير ورفاقه، قاموا بإلغاء البرنامج وغادروا المكان حيث تسربت أخبار عنها بعد أسبوع من بدء الرحلة، خاصة وأن العديد من السعوديين غضبوا غضباً شديداً بعد سماع تلك الأخبار، ففي الوقت الذي تقاتل فيه قواتهم في اليمن بعد قرار “متسرع” اتخذه بن سلمان “عديم الخبرة” في الشؤون العسكرية، كان هو نفسه يستمتع بأوقاته في أغلى وأرقى الوجهات السياحية في العالم.
كتاب الدم والنفط أفرد أبواباً بأكملها لسرد رحلات بذخ بن سلمان وجشعه، وفقاً لما ذكره برادلي هوب وجوستين شيك، مؤلفا الكتاب، فإن المخطط الميكافيلي الذي يتبعه بن سلمان يجمع – ربما ليس مثل أي زعيم معاصر آخر – بين القسوة الماكرة والجشع المذهل والبذخ.
اللافت للنظر أنه في الوقت الذي سافر فيه بن سلمان للمالديف وأنفق الملايين للترويح عن نفسه وعن أصدقائه، كان يدعو إلى اتباع سياسة التقشف المالي في بلاده.
بعد حفلة المالديف، اشترى بن سلمان يختاً فخماً بطول 439 قدمًا يسمى Serene والذي كان مؤسس شركة “ميكروسوفت” بيل جيتس قد استأجره مسبقًا مقابل 5 ملايين دولار (3.8 مليون جنيه إسترليني) أسبوعياً.
اليخت الفخم كان يضم خدمات عالية المستوى، غرفة اجتماعات وغرفة عرض تحت الماء، جاكوزي عملاق ومنصتي هليكوبتر.
استغرق الأمر من بن سلمان نصف يوم -مدة تفقده اليخت- قبل أن يقرر أنه يجب أن يحصل عليها – لدرجة أنه دفع لمالكها- قطب الفودكا الروسي- 429 مليون يورو (383 مليون جنيه إسترليني)، أي ضعف سعرها الأصلي.
لم يكتف بن سلمان بالخدمات الموجودة على اليخت- الذي يستخدمه لاستضافة زعماء العالم بالإضافة إلى أصدقائه الأقل شهرة- بل قام بتركيب أحدث معدات الوسائط المتعددة التي تسمح له -بلمسة زر- أن يحوله من مكان للقمة السياسية إلى قصر للاحتفالات.
اليخت يضم “حظيرة” طائرات هليكوبتر سابقة على متنها تضم ملهى ليليًا مع أعمدة للراقصين، وبحسب المؤلفين: “لا يُسمح لطاقم السفينة بالذهاب إلى هناك تحت أي ظرف”.
بطبيعة الحال، كان محمد بن سلمان بحاجة إلى قاعدة أرضية مثيرة للإعجاب بنفس قدر “سيرين”، وفي العام نفسه، اشترى قصراً فرنسياً ]شاتو لويس الرابع عشر[ لا يقل فخامة مقابل أكثر من 300 مليون دولار (230 مليون جنيه إسترليني)، وحصل بذلك على لقب “أغلى منزل في العالم” وفقاً لمجلة فوربس.
يضم القصر -الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر- نافورة من ورق الذهب وتماثيل وخندقاً رخامياً لا نهاية لهما في حديقة بمساحة 57 فدانًا ذات مناظر طبيعية، كما يحتوي على خندق مائي يتميز بغرفة تحت الماء بها أسماك كوي وسمك الحفش التي تسبح فوقها، في حين يمكن التحكم في النوافير – جنبًا إلى جنب مع أضواء القصر ونظام الصوت وتكييف الهواء – عن بُعد باستخدام جهاز “آيفون”.
اشترى بن سلمان أيضًا عقارًا مساحته 620 فدانًا يعرف باسم Le Rouvray على بعد ساعة بالسيارة من باريس، وتقدم لاحقاً بطلب للحصول على إذن لبناء مجمع للصيد في المنطقة.
الجدير بالذكر، أن بن سلمان حاول إخفاء علاقته بتلك العقارات الفرنسية عن طريق استخدام سلسلة من الشركات الوهمية التي أنابت عنه في إبرام تلك الصفقات.
وبعد أن صدم زملائه السعوديين بإعلانه، في عام 2016، بيع جزء من أرامكو، شركة النفط الحكومية في البلاد والدعامات الأساسية لثروتها، استثمر عدة ملايين في عمليات شراء “شخصية”.
في عام 2017، تبين أن الأمير أضاف دمية أخرى باهظة الثمن إلى مجموعته، حيث اشترى لوحة بقيمة 450 مليون دولار (340 مليون جنيه إسترليني) للفنان ليوناردو دافنشي، وقد حققت تلك اللوحة أعلى سعر لأي عمل فني يباع في مزاد.
عام 2017 كان علامة فارقة أخرى في حياة بن سلمان “المالية”، فهو الذي أشرف على مراسم الاستقبال الضخمة التي استقبل بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أول زيارة خارجية له، وهي المراسم التي كلفت السعودية المليارات، بصورة لم تحدث من قبل.
وبعدها تم الإعلان عن سلسلة من الصفقات التجارية الضخمة، كانت السعودية هي الطرف “المنفق” فيها، فضلاً عن صفقات السلاح، حيث وعد بن سلمان باستيراد أسلحة من الولايات المتحدة بقيمة 110 مليارات دولار (83 مليون جنيه إسترليني).
إضافة إلى ما سبق، أعلن بن سلمان عن العديد من المشاريع ضمن رؤيته “2030”، وبالأخص، مشروعه المفضل، مدينة الأحلام الضخمة “نيوم”، والتي يبلغ تكلفتها حوالي 500 مليار دولار (388 مليار جنيه إسترليني)، وهو مبلغ ضخم، يرى الكثيرون أن هناك مجالات إنفاق أخرى محلية الشعب أولى بها، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
من المؤكد أن الكشف عن إنفاقه الخاص الفاحش قد أضر بصورته التي كان يسعى لتلميعها، حيث حاول أن يظهر نفسه أنه مختلف بصورة جوهرية عن الأمراء الخليجيين الأخرين، وأنه مصلح اجتماعي لا يفكر إلى في التصدي للفساد مع تطوير المجتمع وتنويع الاقتصاد السعودي، في نهاية المطاف لا يمكن القول إلا إن بن سلمان شخصاً مبذراً بدرجة امتياز.