المشهد اليمني الأول/
عند التطرق إلى إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13 أغسطس 2020، عن توصل الإمارات و«إسرائيل» إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما، لا بد من تذكر أن الإمارات العربية وتلك الدول التي تحذو حذوها بادرت، ومنذ أمد بعيد، باتخاذ خطوات تقارب مع الكيان الصهيوني تمثلت في زيارات سرية متبادلة بين مسؤولي تلك الدول أو مواطنيها إلى «إسرائيل» وعواصم تلك الدول.
ثم انتقلت تلك الزيارات من السرية إلى العلنية، ولعل من أبرزها زيارة وزيرة الرياضة «الإسرائيلية» لأبوظبي في 2018، وزيارة وزير الخارجية «الإسرائيلي» لأبوظبي في 2019، وحضرت كل من السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن ورشة المنامة الاقتصادية التي أقيمت في عاصمة البحرين في يونيو 2019، وكانت بمثابة التمهيد لصفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي ترامب في يناير 2020.
وبحضور وفود من البحرين والإمارات، كما كان للسعودية نصيب وافر من الخطوات التطبيعية العلنية، والتي من أهمها زيارة اللواء أنور عشقي، المسؤول السابق في الاستخبارات السعودية لـ»إسرائيل» في يوليو 2016، ثم زيارة وفد يهودي للسعودية بناء على دعوة رئيس رابطة العالم الإسلامي محمد العيسى، في مايو 2019.
ثم زيارة وفد من بعض علماء المسلمين برئاسة أمين عام الرابطة موقع ما تسمى محرقة الهولوكوست في بولندا، في يناير 2020، والتي لقيت الترحيب والإشادة من رئيس الوزراء «الإسرائيلي» نتنياهو، سبقها زيارة مدون سعودي «محمد سعود» وكاتب صحفي «عبدالرزاق القوسي» لـ«إسرائيل» في ديسمبر 2019، ولقاؤهم بمسؤولين «إسرائيليين» ومنهم وزير الخارجية «كاتس»، كما سمحت «إسرائيل» في يناير 2020 لمواطنيها بالسفر بالجواز «الإسرائيلي» إلى السعودية لأغراض تجارية ودينية.
وكانت الخطوة الأولى لمثل هذا التقارب ما قام به الرئيس محمد أنور السادات بزيارة تل أبيب ومن ثم توقيع اتفاقية سلام مصرية مع الكيان الصهيوني أطلق عليها كامب ديفيد عام 1977، ودشن الأردن ولبنان وسوريا في 1991 الخطوة الأولى نحو التفاوض مع الكيان الصهيوني في مدريد، ثم أعقبها المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين و»إسرائيل» في النرويج، والتي نجم عنها اتفاقية «أوسلو» التي باءت بالفشل لعدم التزام الكيان الصهيوني بالانسحاب من الضفة الغربية وغزة.
وتوالت المفاوضات في كامب ديفيد عام 200، وأخرى في طابا في 2002، ثم اتفاق جنيف في 2003، والذي بموجبه تنازل الفلسطينيون عن حق العودة مقابل الحصول على معظم أجزاء الضفة الغربية ومنح حق إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وفي 2007 في أنابوليس الأمريكية عقد أولمرت ومحمود عباس لقاءات استمرت إلى عام 2008 ولم تثمر عن شيء، ولم تدع إليها حماس التي فازت في الانتخابات في ذلك العام، ثم عقدت محادثات بين نتنياهو ومحمود عباس في 2010، واستمرت تلك اللقاءات الفاشلة إلى وقت قريب.
هذه السلسلة الطويلة من اللقاءات والمباحثات لم تثمر عن شيء لصالح القضية الفلسطينية أو لصالح الدول العربية الأخرى، وقد تجرأ بعض الكتاب المصريين إلى القول بأن كامب ديفيد لم تحقق شيئا مذكورا لمصر، بينما تحقق لـ«إسرائيل» من ورائها مكاسب جمة، وذكروا عدة ملفات عالقة من ضمنها امتناع الكيان الصهيوني عن التوقيع على معاهدة انتشار الأسلحة النووية، واستمرارها في احتلال مدينة أم الرشراس (إيلات)، وعدم محاكمة مجرمي الحرب الذين أقدموا على قتل أسرى من الجيش المصري، ونهب موارد النفط المستخرج من سيناء لعدة سنوات.
من جهة أخرى، انتشرت الكثير من التقارير الأمنية حول تهريب المخدرات إلى مصر واستثمار «إسرائيل» السياحة لمواطنيها في مصر لنشر المخدرات والرذيلة (الإيدز) في أوساط الشباب المصري.
ويأتي التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني في هذا التوقيت ليخدم الرئيس الأمريكي ترامب في جولته الانتخابية القادمة، والذي تشير كل استطلاعات الرأي إلى انحسار مؤيديه بسبب سياساته الخاطئة على المستويين الداخلي والدولي، وذلك لكسب الأصوات اليهودية واللوبي باعتباره حقق ما تصبو إليه «إسرائيل» من نقل سفارتهم إلى القدس، وإعلان صفقة القرن، ثم أخيرا فتح مسلسل التطبيع العربي معها.
كما أن رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو يعيش حالة فشل نجم عنها 4 انتخابات، وتلاحقه تهم فساد متلاحقة، فوجد في الخطوة الإماراتية إنقاذاً له وترويجاً لقدرته على تحويل الأعداء إلى أصدقاء.
وواقع الحال أن هذا التطبيع وما سمي «اتفاق سلام» هو بمثابة طعنة في جسد الأمة ودعوة للأنظمة العربية المتهاونة للمسارعة في الإعلان عن علاقتها السرية المشوهة مع الكيان الصهيوني كسبا للرضا الأمريكي الصهيوني، ودعما لبقاء تلك الأنظمة على كراسي الحكم، غير عابئة بشعوبها التي طالما كانت تؤمن أن القضية الفلسطينية والقدس الشريف هي القضية المركزية للأمة الإسلامية.
ويعتقد البعض أن هذا الانفضاح والإعلان عن مثل هذه العلاقات يعتبر نصرا للقضية الفلسطينية ومحور المقاومة من حيث إنه، في عصر تكشف الحقائق، أخرج هذه الكيانات الهزيلة والمنافقة من صف الأمة العربية الإسلامية إلى صف العدو، وبذلك تأمن مكايده ومؤامراته، وفي الوقت نفسه لن تضيف للعدو «الإسرائيلي» أي مصدر قوة سوى الدعاية الإعلامية.
وسيتبين عما قريب لتلك الكيانات الضعيفة والمهرولة للتطبيع مع الكيان الصهيوني فداحة الثمن الذي ستدفعه من جراء التغلغل «الإسرائيلي» المدمر في أوساط شعوبها والقوى السياسية وفي اقتصادها ومواردها بل أنظمتها الاستبدادية الظالمة.
كما أن خطوة التطبيع الإماراتي الصهيوني أثبتت صحة الاتهام بأن العدوان الذي يُشن على اليمن واحتلال أراضيه وجزره يأتي في إطار تحقيق المطامع الصهيونية وخدمة لمصالحها وتطلعاتها للسيطرة على البحر الأحمر.
كما أن تلك الخطوة تبطل ادعاءات الإمارات والسعودية أنهما تهدفان من عدوانهما على اليمن وما يسمى عاصفة الحزم وإعادة الأمل إلى خدمة الشعب اليمني ويعد انتصارا للقوى الوطنية في صنعاء والمحافظات غير المحتلة التي تصدت لهذه القوى الاستعمارية الموالية للكيان الصهيوني، وإثباتاً بأن ما ترفعه من شعارات وما تبذله من تضحيات في المقاومة والصمود للدفاع عن الوطن هو الحفاظ على سيادة اليمن واستقراره وامتلاك مقدراته وتحرير الأراضي المقدسة في مكة والمدينة والقدس.
إن انفضاح الوجه الحقيقي للإمارات يضع أولئك المرتزقة دعاة الانفصال في جنوب الوطن في نفس موقع الخيانة، ويعريهم من أية قيم وطنية أو دينية، ويكشف حقيقة أولئك المتطرفين المنتمين إلى أحزاب سياسية أو جماعات مسلحة إرهابية بأنهم دعاة فتنة وعملاء رخيصون لأعداء الأمة الذين يشنون حربا على اليمن بهدف تطويع قرارها السياسي وسلب سيادتها ونهب ثرواتها.
ولعل منع بيت الله الحرام من أن يؤم وتعطيل فريضة الحج من قبل النظام السعودي يأتي في إطار تحقيق هدف القوى الصهيونية ومن ورائها أمريكا لتعطيل هذه الفريضة التي تجمع الأمة الإسلامية، والتي أخضعها محمد بن سلمان لرغباته ليعزز مكانته لدى أمريكا و»إسرائيل» ويسهل له التربع على كرسي الحكم.
ومن المتوقع أن تهرول دول مثل السودان والسعودية والبحرين لاتخاذ خطوات مماثلة للنظام الإماراتي، وهي بهذه الخطوة ستثير وتوقظ الشعوب العربية في تلك الدول وغيرها لتتحمل مسؤوليتها الوطنية والدينية وتقاوم تلك الأنظمة العميلة التي لن تنفعها «إسرائيل» وأمريكا في الوقوف أمام ثورة شعوبها كما حدث في إيران والعراق ومصر وليبيا وتونس.
ونحمد الله أن شعبنا اليمني في 21 سبتمبر 2014 تمكن من التخلص من الهيمنة الأمريكية والسعودية، ووضع البلاد في وضع حصين بعد أن كان مرتهنا للإرادة الأمريكية في ظل إدارة فاسدة سعت خلال عقود للتقرب من الكيان الصهيوني، ولو كتب لذلك النظام البقاء إلى اليوم لكان من أوائل المهرولين للتطبيع، فقد كانت تجري اتصالات مع «إسرائيل» لتأمين سفر اليهود اليمنيين إلى «إسرائيل».
وشاركت اليمن عام 1992 في أحد الاجتماعات مع بعض الدول العربية مع ممثل «إسرائيل» في إطار المفاوضات المتعددة الأطراف، والتي كانت تبحث عن قضايا متعددة من ضمنها الحدود والمياه والقدس واللاجئين والمستوطنين والترتيبات الأمنية.
وكان ارتباط النظام السابق الوثيق بالإدارة الأمريكية وما قام به لتسهيل تغلغله في اليمن ودخول قواته إلى الأرض اليمنية يمثل الارتهان الكامل لسياستها الداعمة للكيان الصهيوني في المنطقة وأطماعها التوسعية.
وها هي أمريكا وصنيعتاها السعودية والإمارات تشن حربا وعدوانا ضد اليمن وشعبها بهدف إخضاعها للنفوذ الأمريكي الصهيوني، ولكن أطماعها تحطمت أمام صمود وكفاح الشعب اليمني الذي سطر أروع ملاحم البطولة دفاعا عن الوطن.
_________
عبدالإله محمد حجر