المشهد اليمني الأول/
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اتفاقية بين أمريكا وإسرائيل ودولة الإمارات، بداية التطبيع الكامل مع “حليفَي أمريكا”. الخطوة التي وصفها بـ”التاريخية” جاءت ختاماً لعقود من العلاقات الإماراتية الإسرائيلية السرية.
أعلنها أولاً ترامب عبر حسابه على تويتر، وأتبعه نتنياهو بتغريدة هو الآخر على تويتر بدقائق، ثم نشرت الوكالة الرسمية الإماراتية إعلان الاتفاقية التي ستغير مصير المنطقة.
وهذه هي محطات في تاريخ العلاقات الإماراتية الإسرائيلية، إذ شهد العام 2019 تحديداً تطورات عديدة وتسارعاً في الأحداث جعل التطبيع أمراً حتمياً ومسألة اختيار الوقت المناسب لإعلانه.
تاريخ العلاقات الإماراتية الإسرائيلية
في 9 أغسطس/آب 2020، احتفلت أوساط إعلامية في إسرائيل بعد الإعلان عن تنظيم أول صلاة سبت في دبي، لتكون بذلك أول صلاة في المنطقة، وذلك بعد افتتاح كنيس دبي لليهود. وكانت وكالة الأنباء الإماراتية أعلنت موعد إنشاء أول معبد يهودي رسمي في البلاد والأكبر بالمنطقة، على أن يُفتتح العام 2022 ضمن نطاق مجمع للأديان يطلق عليه “بيت العائلة الإبراهيمية” في أبوظبي، سيضم مسجداً وكنيسة والكنيس اليهودي.
في 25 يونيو/حزيران 2020، أعلنت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام)، عن توقيع اتفاقية تعاون بين شركتين في الإمارات العربية وشركتين إسرائيليتين؛ “لتطوير البحث والتكنولوجيا لمكافحة وباء كوفيد 19″؛ وهو ما أكده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مضيفاً أن هذا التعاون سيشمل إلى جانب جهود مكافحة الكورونا مجالات البحث والتطوير والتكنولوجيا.
في 13 يونيو/حزيران 2020، نشر سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، مقال رأي له على صحيفة “يديعوت أحرونوت“. المقال كان باللغة العبرية، في خطاب مباشر مع الإسرائيليين، والذي شكَّل اعترافاً صريحاً لا لبس فيه بقرب نية الإعلان عن إشهار تطبيق العلاقات الإماراتية الإسرائيلية.
وفي أواخر العام 2019، ذكرت القناة العبرية أن الإدارة الأمريكية توجهت إلى الإمارات والبحرين وسلطنة عمان والمغرب، بطلب يقضي بتوقيع اتفاقية عدم اعتداء بينها وبين إسرائيل. ثم نقلت صحيفة “الجريدة” الكويتية عن مصادر رفيعة المستوى، أن “المبادرة الإسرائيلية لتوقيع اتفاقيات عدم اعتداء مع الدول الخليجية لقيت رداً سلبياً من الدول الخليجية التي عُرِضت عليها”. لكن الإمارات أكملت المسيرة فأرسلت فريقاً لمناقشة التفاصيل.
في 21 ديسمبر/كانون الأول 2019، نتنياهو ينشر تغريدة يرحب فيها “بالتقارب بين إسرائيل والكثير من الدول العربية”، رداً على تغريدة لوزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، أشار فيها إلى تقرير بصحيفة The Spectator عن “تحالف عربي إسرائيلي جديد في الشرق الأوسط”.
وفي 15 ديسمبر/كانون اﻷول 2019، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن وفداً من كبار المسؤولين في وزارة العدل الإسرائيلية توجهوا إلى الإمارات العربية المتحدة؛ للمشاركة في مؤتمر دولي حول مكافحة الفساد، ينظَّم بأبوظبي.
وأضافت الصحيفة العبرية أن “دينا زيلبر، نائبة المدعي العام، تترأس الوفد الإسرائيلي، الذي يضم مسؤولين كباراً من القسمين الجنائي والدولي في النيابة العامة الإسرائيلية”.
في 10 ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلنت إسرائيل مشاركتها في معرض “إكسبو دبي 2020″، مشيرة إلى أن المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية يوفال روتيم، زار دبي، في إطار الاستعدادات للمعرض.
تطبيع فضائي:
تنطلق رائدة الفضاء جيسيكا مائير المولودة لأب اسرائيلي، حاملة العلم الإسرائيلي في مركبة الفضاء في شهر ايلول القادم، في نطاق مهام ناسا. سيكون على متن المركبة ولأول مرة من الامارات رائد الفضاء هزاع المنصوري .
وفي 25 سبتمبر/أيلول 2019، انطلق رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري إلى محطة الفضاء الدولية، حيث قضى 8 أيام ضمن بعثة فضاء روسية شاركت فيها رائدة الفضاء الإسرائيلية جيسيكا مائير.
في مطلع يوليو/تموز 2019 وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتز، زار أبوظبي؛ للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة لشؤون البيئة، والتقى مسؤولاً إماراتياً كبيراً، وطرح مبادرة للسلام الإقليمي. ونشر حساب “إسرائيل تتكلم بالعربية” على فيسبوك صوراً تُظهر الوزير بجامع الشيخ زايد الشهير في أبوظبي.
تطبيع رياضي:
وفي 14 مارس/آذار 2019، ظهرت بوادر التطبيع الرياضي بعدما نشرت إسرائيل صورة للوفد الرياضي الإسرائيلي بالإمارات (25 لاعباً) والذي حضر للمشاركة في بطولة الأولمبياد الخاصة، تلاها في مايو/أيار من ذلك العام، مشاركة دراجين إماراتيين وبحرينيين في طواف إيطاليا الشهير، الذي استضافته إسرائيل بالقدس.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، كشف القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، أن إسرائيل وقَّعت اتفاقاً لمد خط أنابيب بحري- هو الأطول من نوعه في العالم- لنقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا، وذلك بدعم من الاتحاد الأوروبي وبتمويل من أبوظبي.
وقد بادر إلى هذه الخطوة وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينس، الذي قدَّم المقترح للاتحاد الأوروبي في مؤتمر بالعاصمة الإماراتية، التي وافقت على المقترح، وخصصت 100 مليون دولار لهذا الغرض، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.
نفذت القوة الجوية لإسرائيل والقوة الجوية لدولة الإمارات العربية المتحدة تدريبات مشتركة مع القوات الجوية للولايات المتحدة وإيطاليا واليونان، في اليونان، أطلق عليها اسم “إينيوهوس 2017”.
كما شارك فريق رياضي إسرائيلي في ﺑﻄﻮﻟﺔ ﺍﻟﺠﻮﺩﻭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ بالإمارات، واكتفت السلطات بمنع الرموز القومية الإسرائيلية، كرفع العلم والنشيد الوطني؛ لاعتبارات “أمنية”. ثم سارع رئيس اتحاد الجودو الإماراتي، محمد بن ثعلوب، لتهنئة نظيره الإسرائيلي بالنتائج التي حققها اللاعبون الإسرائيليون في نسخة 2017.
وفي أغسطس/آب 2016، شارك طيارو سلاح الجو الإسرائيلي والقوة الجوية الإماراتية في تدريبات العلم الأحمر المشتركة مع طيارين من باكستان وإسبانيا في نيفادا بالولايات المتحدة.
أما في يناير/كانون الثاني 2016، فزار وزير الطاقة الإسرائيلي شخصياً الإمارات العربية المتحدة بموقع مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة في أبوظبي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، كان الإعلان شبه الرسمي من طرف واحد فقط، إذ أعلنت الخارجية الإسرائيلية افتتاح ممثلية دبلوماسية لـ”تل أبيب” لدى وكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة “إيرينا”، التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، في الوقت الذي أكدت فيه الإمارات وقتها عدم وجود علاقات دبلوماسية بين الطرفين، إلا أن الخطوة اعتُبرت بدايةً للتطبيع الناعم من بوابة العلاقات التجارية والاقتصادية.
سبق هذا الإعلان في عام 2014 توقيع اﻹمارات عقداً مع شركة Verint Systems المتخصصة في الأمن الإلكتروني، والتي تُدار من إسرائيل، بقيمة أكثر من 100 مليون دولار.
وباعت شركة NSO Technologies Ltd الإسرائيلية برنامجها الخاص بالمراقبة إلى الإمارات، بحسب ما أكدته صحيفة Forbes. ومن الجدير ذكره أن هذه الشركة تورطت في اختراق 1400 حساب Whatsapp لناشطين ومعارضين معظمهم عرب، بحسب ما أعلنته شركة واتساب في العام 2019.
وكانت صحيفة أمريكية ذكرت أن إسرائيل “زودت الإمارات بآلاف الكاميرات، ومجسات إلكترونية، وأدوات إلكترونية متخصصة في قراءة لوحة الترخيص للسيارات، وتم تنصيبها على طول الحدود وفي مناطق واسعة بأبوظبي، وغالبيتها تمت صناعتها وتطويرها في إسرائيل”.
كل هذه الإعلانات كانت تتجاهلها السلطات الأمريكية، تاركةً التسريبات الإسرائيلية بلا تأكيد ولا نفي.
في 28 سبتمبر/أيلول عام 2012، وعلى هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، التقى وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، مع نتنياهو، بحسب صحيفة “هآرتس“، وتحديداً في فندق “ريجنسي”.
وذكرت الصحيفة أن اللقاء تأخر سنتين عقب اغتيال القيادي في حماس، محمود المبحوح بدبي عام 2010. وبحسب المصادر التي سرَّبت الخبر، فإن اللقاء تمحور حول الاتحاد الذي سيشكل نواة لنحو عقد من التقارب الخفي انتهى بإشهاره في 13 أغسطس/آب 2020.
في الواقع، فإن عدة دول خليجية، بعد اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993، ارتبطت مع إسرائيل بنوع من العلاقات وفق حسابات خاصة بكل دولة على أسس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، عاصمتها القدس الشرقية، بحسب حدود ما قبل 5 يونيو/حزيران 1967.
ولكن تاريخ العلاقات الإماراتية الإسرائيلية”السرية” خارج إطار الدبلوماسية الرسمية طويل، إذ اتخذت على عاتقها في العقد الماضي أن تقود حافلة التطبيع قبل إعلانه رسمياً.
وما التعهد الذي قدَّمه بن زايد في الاتفاقية بأن يقود جهود إقناع الدول المحيطة، بالتطبيع هي الأخرى، إلا إقرار بما كانت تتناقله وسائل الإعلام طوال السنوات الماضية، وسط صمت رسمي مدوٍّ.
ويعتقد مراقبون أن التحول الأبرز في العلاقات الإماراتية الإسرائيلية تعاظَم بعد وصول رجل الأمن الفلسطيني السابق، محمد دحلان، إلى الإمارات، في أعقاب فصله من منظمة التحرير الفلسطينية، في يونيو/حزيران 2011، وتعيينه مستشاراً أمنياً لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد.
وكان قد تم فصله من المنظمة؛ على خلفية تورطه في ملفات فساد مالي وتعاون سري مع إسرائيل، عندما كان قائداً للأمن الوقائي بقطاع غزة بين عامي 1994 و2001، ثم مستشاراً للأمن الوطني في السلطة الفلسطينية ومناصب أخرى بمنظمة التحرير.
وبهذا الاتفاق تصبح الإمارات ثالث دولة ذات علاقات مع إسرائيل بعد مصر والأردن.