المشهد اليمني الأول/
رفضت المنظمة الدولية إجلاء سبعة أطفال حالتهم حرجة على متن طائرة أممية خاصة قدمت إلى صنعاء (أ ف ب) بعد أكثر من عامين من الفشل في تحقيق أيّ اختراق حتى في الملفات الإنسانية، التي فُصلت أساساً عن تلك السياسية حتى تشكّل مادة للابتزاز.
يتعامل المبعوث الأممي مع الأزمة وكأنها محصورة في مناطق حكومة الإنقاذ، متجاهلاً حقيقة وجود عدوان وحصار على اليمن، ومشرعناً سيطرة الاحتلال السعودي – الإماراتي على المحافظات الجنوبية، وفق ما تراه صنعاء في «الإعلان المشترك»
صنعاء
خلافاً لتفاؤل المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، بالتوصّل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب في هذا البلد، لا تزال فرص السلام تتضاءل يوماً بعد يوم، فيما تمضي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية نحو مزيد من التدهور، لتعكس فشل غريفيث في تحقيق أيّ اختراق في جدار الأزمة.
وهو فشلٌ يُعزى، بالدرجة الأولى، إلى اشتغال المبعوث الأممي، طيلة عامين ونصف عام من تولّيه مهمّته، على تجزئة الأزمة إلى ملفات سياسية واقتصادية وإنسانية، واتخاذه من الأخيرة مدخلاً للضغط على حركة «أنصار الله»، وانتزاع تنازلات منها في بقية الملفات.
حتى المكاسب اليسيرة التي حَقّقها في «اتفاق استكهولم» الموقّع أواخر عام 2018، لم يستطع الحفاظ عليها، إذ عمد غريفيث، أخيراً، إلى توفير ما يشبه الغطاء لتشديد دول العدوان الحصار على ملايين اليمنيين، باعتباره حجز سفن الوقود والغذاء والدواء «شأناً داخلياً»، متنصّلاً بذلك من مسؤولية الأمم المتحدة في الضغط على «تحالف العدوان» للإفراج عن السفن المحتجزة منذ أكثر من 100 يوم قبالة ميناء جيزان السعودي.
في مخالفة واضحة لـ«اتفاق استكهولم»، الذي ألزم «تحالف العدوان» بعدم إعاقة الشحنات التجارية والإغاثية القادمة إلى ميناء الحديدة، مقابل فتح حساب خاص بإيرادات السفن في فرع المصرف المركزي في المدينة ذاتها لصرفها في ما بعد كرواتب لموظفي الدولة.
وفاق عدد السفن المحتجزة، منذ دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، الـ 130 سفينة، فيما لم يبدر من غريفيث ردّ الفعل اللازم حيال تلك القرصنة البحرية، بل إنه لم يتورّع خلال الأيام الماضية عن إرجاع أزمة الوقود التي تشهدها صنعاء منذ أكثر من شهر إلى قيام حكومة الإنقاذ بصرف نصف راتب لموظفي الدولة.
ردّاً على ذلك، اتهم القائم بأعمال «اللجنة الاقتصادية العليا» في صنعاء، هاشم إسماعيل، غريفيث، رسمياً، بـ«الانقلاب على اتفاق استكهولم، ومنح تحالف العدوان ضوءاً أخضر أممياً لمواصلة الحصار».
وأوضح إسماعيل، في تصريح صحافي أول من أمس، أن «المبعوث الأممي نقل صورة مغلوطة عن مصير إيرادات موانئ الحديدة، وتجاهل مصير الإيرادات العامة المنهوبة في المحافظات الخارجة عن سيطرة صنعاء».
وأشار إلى فشل المبعوث غريفيث في إحراز أيّ تقدّم في الملف الاقتصادي «الذي لا يزال يراوح مكانه، ويُوظّف من قِبَل العدوان بما يخدم أجندة عسكرية»، مبيّناً أن رفع معاناة موظفي الدولة «لن يستغرق أسبوعاً واحداً لو وُجدت نوايا إيجابية لدى غريفيث».
وسبق حديث إسماعيل تصريح للناطق باسم حركة «أنصار الله»، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، رأى فيه أن الموقف الأخير للمبعوث الأممي يظهر أنه «انفصل عن مهمته، وبات منخرطاً مع قوى العدوان على اليمن، متبنّياً أطروحتها بشكل كامل»، معتبراً أنه بذلك «يساهم في إطالة الحرب»، ويجعل نفسه «جزءاً من المشكلة».
لم تتطرّق مبادرة المبعوث الأممي إلى تواجد القوات الأجنبية في اليمن
وكانت قيادة صنعاء، التي بادرت إلى تنفيذ بنود رئيسة من اتفاق الحديدة من جانب واحد، شدّدت أكثر من مرة في لقاءاتها مع غريفيث على ضرورة تنفيذ كامل الاتفاق، وخصوصاً ما يتصل بقضيتَي الرواتب والأسرى، وقدّمت عدّة مبادرات في هذا الإطار.
إلا أن غريفيث لم يُجد استثمار تلك المبادرات، بل إن تحركاته أضحت رهينة التوجه السعودي – الإماراتي، وهو ما ظهر في مبادرته الأخيرة (سُمّيت الإعلان المشترك) التي وافقت عليها الرياض وأبو ظبي كونها منحتهما والأميركيين والبريطانيين حق البقاء في المحافظات الجنوبية (بتجاهلها هذا الاحتلال) وفق ما تعتقده صنعاء، وتعاملت مع الأزمة وكأنها لا تتجاوز حدود المحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة الإنقاذ، مغفلة بذلك كلّ ما يحدث في المحافظات الجنوبية والشرقية ومن بينه النهب المنظّم للإيرادات العامة.
المبعوث الأممي، الذي بلغت نفقاته السنوية العام الماضي 17 مليون دولار بحسب وثائق صادرة عن الأمم المتحدة، وستتجاوز 18 مليون دولار العام الجاري وفق التوقّعات، فشل أكثر من مرة في تحقيق أيّ تقدّم في ملف الأسرى، والذي يُعدّ أحد أهمّ الملفات الإنسانية.
إذ، وبعد تعثّر معالجة هذا الملف أكثر من عام، التقى الطرفان برعاية أممية مطلع شباط/ فبراير في العاصمة الأردنية عمّان، حيث توصّلا إلى اتفاق ألزمهما البدء بشكل فوري في تبادل قوائم الأسرى والمعتقلين، والإعداد لعملية التبادل التي كانت ستشمل في مرحلتها الأولى 1400 أسير من الطرفين.
لكن، وعلى إثر مبادرة «حكومة صنعاء» إلى الإفراج عن عدد من الجنود والضباط السعوديين، تمّ ترحيل الملف مجدّداً.
وفي نيسان/ أبريل الماضي، حاولت صنعاء إنعاش الاتفاق، مُرحّبة بمقترحات جديدة من مكتب غريفيث في شأن تبادل الأسرى على مرحلتين (1030 في المرحلة الأولى، و390 في الثانية)، لكن تلك المقترحات الأممية اصطدمت برفض حكومة المرتزقة وصمت غريفيث.
وهذا ما دفع رئيس «اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى» في صنعاء، عبد القادر المرتضى، إلى تحميل غريفيث «جزءاً كبيراً» من مسؤولية فشل الاتفاق، وذلك بسبب «أدائه الضعيف وتغاضيه عن تصرّفات الفريق المعرقل».
من جهة أخرى، دَفَع اشتداد الحصار الذي أضحى يهدّد عشرات المستشفيات بالتوقف نتيجة نفاد الوقود، وزارة الصحة في صنعاء، إلى مطالبة الأمم المتحدة بالإسراع في تنفيذ اتفاق الجسر الطبي الجوي الموقّع بين الطرفين قبل عامين لإنقاذ حياة الآلاف من المرضى.
ودانت الوزارة رفض المنظمة الدولية، أول من أمس، نقل سبعة أطفال يمنيين في حالة حرجة للعلاج في الخارج، وذلك على متن طائرة خاصة حطّت في صنعاء لنقل طفلة أحد الموظفين الأمميين، وكانت الوزارة بعثت بطلبها في مذكّرة إلى منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، ليز جراندي، إلا أنها ووجهت بالرفض فيما تُرك الأطفال يواجهون الموت.