المشهد اليمني الأول/
تُواصل آلة الحرب السعودية الأمريكية حصد أرواح المدنيين اليمنيين بارتكابها مجزرتين مروّعتين في محافظتَي حجة والجوف وتستمر بحصارها الجائر. وإذ تحاول الرياض، الضغط على صنعاء من أجل وقف عملياتها في محيط مدينة مأرب، تتصدّى كلّ من واشنطن ولندن لمساندتها بتحويل قضية سفينة صافر إلى «قميص عثمان»، يُراد من خلاله ابتزاز حكومة الإنقاذ.
خلافاً لما ظهر إلى العلن لا يبدو أن قضية سفينة صافر، الخزان النفطي العائم قبالة ميناء الحديدة، تسلك طريقها إلى الحل، شأنها في ذلك شأن بقية الملفات التي لا تفتأ تزداد تعقيداً. وعلى رغم النبرة المتفائلة التي تحدّث بها أمس المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلا أن جميع المؤشّرات لا تزال تنحو باتجاه التصعيد، وخصوصاً في ظلّ استمرار سياسة المجازر والحصار.
تشاؤم وشكوك
ويسود العاصمةَ صنعاء تشاؤمٌ حيال تطبيق الاتفاق المتّصل بـ سفينة صافر، والذي ينصّ على إفساح حكومة الإنقاذ المجال أمام فريق خبراء دوليين للوصول إلى موقع سفينة صافر المتهالكة ومعاينتها وإصلاحها، مقابل التعهّد بإفراغ حمولتها البالغة نحو 1.1 مليون طنّ من النفط الخام، تمهيداً لبيعها وتوزيع عائداتها مناصفة بين حكومة صنعاء وحكومة المرتزقة.
هذا التشاؤم عزّزته وقائع الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي حول القضية الأربعاء الماضي، حيث بدا أن الغاية من الاستنفار الأمريكي ـــ البريطاني المستجدّ في شأن سفينة صافر هي تعزيز الضغوط على صنعاء، أكثر منه معالجة مشكلة متقادمة تمّ تنويمها لخمس سنوات على رغم التحذيرات الكثيرة من تسبّبها بكارثة بيئية ستكون الأكبر على مستوى المنطقة.
ومع أن الأمريكيين والبريطانيين، ومعهم مسؤولو الأمم المتحدة، أسهبوا خلال الجلسة في الحديث عن «الخطر الداهم» الذي تمثّله الناقلة، إلا أنه لم يتمّ تحديد موعد لبدء إجراءات ترميمها، إذ اكتفى مساعد الأمين العام للمنظمة الدولية للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، بالإعراب عن أمله في أن يتمّ ذلك في «الأسابيع المقبلة»، وهو ما يغذّي شكوك «أنصار الله» في جدّية ما يُسمّى «المجتمع الدولي» في إيجاد حلّ لأزمة سفينة صافر.
ومؤخراً أكد عضو «المجلس السياسي الأعلى»، محمد علي الحوثي، أنه منذ موافقة صنعاء على استضافة الخبراء الدوليين «لم تقم الأمم المتحدة بالخطوة الأولى، وما زلنا ننتظر فريق الخبراء»، واصفاً التحذيرات التي تطلقها دول العدوان في شأن «صافر» بأنها «محاولة للتهرّب من تحمّلهم مسؤولية الكارثة التي صنعوها بخرقهم القانون، وبتصرّفاتهم الإجرامية بإعلان محافظة الحديدة و سفينة صافر هدفاً عسكرياً».
انحراف غريفيث عن مهمته
هذا التعقّد يكاد ينسحب على جميع ملفات الحرب، وعلى رأسها راهناً أزمة السفن النفطية التي لا تزال محتجزة من قِبَل تحالف العدوان قبالة ميناء جيزان. وهي أزمة لا يبدو ـــ إلى الآن ـــ أن الأمم المتحدة تنوي مغادرة الموقع المنحاز الذي اتّخذته حيالها، إذ أعاد غريفيث، تحميل «أنصار الله» مبطناً مسؤولية احتجاز السفن، باعتباره تلك الجريمة نتيجة لقيام سلطات صنعاء بـ«سحب الأموال التي تمّ جمعها في الحساب الخاص (بموظفي الخدمة المدنية في فرع البنك المركزي في الحديدة) بشكل أحادي في فترة سابقة من هذا العام».
وبالعودة إلى الفترة التي تحدّث عنها المبعوث الأممي، يتبيّن أن حكومة الإنقاذ أقدمت بالفعل على صرف ما يعادل راتباً ونصف راتب لكلّ موظف ما بين أكتوبر 2019 ومايو 2020، أي بعد حوالى ثلاثة أشهر من فتح الحساب الذي كان يفترض أن يُسدّ العجز فيه من قِبَل حكومة المرتزقة. إلا أن الأخيرة دأبت على الامتناع عن ذلك، مقابل إصرارها على إبقاء إيرادات السفن الآتية إلى الحديدة في الحساب، والتحكّم بها كما تشاء وعلى نطاق محدود.
بموقفه المتجدّد يعمّق غريفيث فجوة الثقة بينه وبين قيادة صنعاء، التي بدا لافتاً أن مجلسها السياسي تجاهل، في اجتماعه يوم الثلاثاء الماضي، مبادرته المعدّلة لإحلال السلام في اليمن، والتي أعلنت حكومة المرتزقة ـــ من جهتها ـــ رفضها لها باعتبارها «تنتقص من سيادتها وتتجاوز مهمّته» كما قالت. ومن هنا، لا يبدو مفهوماً إعلان المبعوث الأممي أن «المشاورات لا تزال جارية إلى يومنا هذا»، وقوله إنه «ما دام الطرفان مستمرّين في المشاركة في العملية، فستبقى الفرصة سانحة لتحقيق السلام في اليمن». فرصةٌ تكاد تكون معدومةً في ظلّ استمرار تحالف العدوان في تصعيد اعتداءاته على اليمنيين، والتي تَمثّل آخرها في مجزرتين مروّعتين ارتكبهما في محافظتَي الجوف وحجة.