الرئيسية زوايا وآراء السلام الدولي ما بين الصمود الإيراني والخديعة الأمريكية

السلام الدولي ما بين الصمود الإيراني والخديعة الأمريكية

ما
المشهد اليمني الأول/

بعد جهود إيرانية ودولية مضنية على مدى أعوام, تم توقيع الاتفاق النووي الإيراني في تموز 2015 لكن سرعان ما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية انسحابها منه في أيار 2018, وأطاحت بكافة الجهود والاّمال المعقودة على الاتفاق, وأبعدت كل تقاربٍ بين الدول الأوروبية الموقعة والدولة الإيرانية, بما انعكس على بصورةٍ سلبية ومباشرة على السلام الدولي, وحل مكانها التصعيد السياسي والتهديد العسكري.

ووجدت عديد الدول نفسها وسط الحروب الإرهابية ودوامة العقوبات الأمريكية الأحادية, والقرع على طبول تغيير الأنظمة والحروب التجارية والاقتصادية والبيولوجية, فتضاعفت حدة الخلافات والصراعات الدولية وتشعبت لدرجة أُجبرت فيها كافة دول العالم على زيادة التمسك بسياسة الأحلاف والاصطفافات الدولية, والتي قد تقود العالم إلى ما لا يحمد عقباه.

وبعد عامين للانسحاب الأمريكي ونقض الاتفاق, وكل جولات المواجهة المتعلقة والمرتبطة بعشرات الدول العربية والأوروبية والاّسيوية ودول الشرق الأدنى وصولاً إلى المحيط الهندي وأمريكا اللاتينية, مع اتساع رقعة الحروب الباردة والساخنة في عديد الساحات العربية والإقليمية والدولية التي فرضتها الولايات المتحدة على الجميع .. تعززت القناعة لدى الكثيرين بأن الاتفاق لم يكن سوى خديعة لتقويض سيادة إيران واقتحام أسوارها على غرار حصان طروادة اليوناني.

فلطالما وجدت إيران نفسها تدافع عن سيادتها وشعبها ودورها الإنساني والحضاري والتاريخي، بفضل ثرواتها وموقعها الجيو – سياسي، وعلى الرغم من أن الثورة الإسلامية استعادت سيادة إيران، لكن الغرب المتوحش بزعامة الولايات المتحدة لم يكن مستعدا ً للتخلي عن خططه للهيمنة على إيران والخليج الفارسي الذي تعتبره واشنطن العمود الفقري لسياساتها الخارجية في المنطقة والعالم.

ولطالما تعاملت مع إيران على أنها رأس حربة المشروع المناهض, الذي يتجاوز مياه الخليج ويمتد من مضيق ملقا إلى جنوب المحيط الأطلسي, وسعت دائماً لحصارها وأنشأت عديد القواعد البرية من حولها, تحسبا ًوتقديرا ً لأهمية دورها الجيو- سياسي.

عانت الولايات المتحدة وحلفائها وعلى رأسهم سلطات الكيان الإسرائيلي الغاصب الفشل في العديد من المحاولات لزعزعة الاستقرار الداخلي للدولة الإيرانية, ولم تتوان عن اللجوء إلى الحروب والعقوبات والإرهاب وشيطنة الدولة والعنصر الإيراني, لكنها لم تحقق أياً من أهدافها وتكسرت محاولاتها على صخرة صمود وشجاعة الدولة والشعب الإيراني المقاوم.

وباتت تدرك عدم قدرتها على شن حربٍ “رابحة” ضد إيران من دون أن يلحق بها وبحلفائها ضررٌ بالغ وأنها عاجزة على هزيمة إيران, فلجأت إلى تغيير قواعد وأساليب الحرب لضمان الفوز, لكنها خدعت نفسها بنفسها, ووقفت عاجزة عن تحقيق أي انتصار حقيقي أو مهم.

ومع ذلك واصلت محاولاتها لتقويض سيادة إيران عن طريق العقوبات والإرهاب وخلق انقسامات إيديولوجية بين الإيرانيين ما بين المؤيدين والمناهضين للغرب، وما بين الأقليات الإثنية والدينية والعلمانية, على أمل كسر العامل الذي يُجمع ويتفق عليه جميع الإيرانيين ويوحدهم أكثر فأكثر, ألا وهو دعمهم للبرنامج النووي الإيراني ودورة الوقود الكاملة, بما أفشل الخدع الغربية وطروحات – التفاوض بعيدا ً عن البرنامج النووي, ولم تأتي جولات المفاوضات الثلاث مع الاتحاد الأوروبي بأي نتائج تذكر…

حتى أن فكرة الهجوم الاستباقي للولايات المتحدة و”إسرائيل” على إيران واستهداف مفاعلاتها الرئيسية, كانت مع بداية عام 2000 – 2005 تبدو صعبة وأقرب إلى أن تكون مستحيلة, لذلك قررت الولايات المتحدة اللجوء إلى إجراءات تأخير برنامج إيران النووي لفترة كافية تستطيع من خلالها إحداث تغييرات جذرية عبر مضايقة أو اغتيال بعض العلماء أو التقنيين الإيرانيين.

أو إدخال عيوب التصميم القاتلة في المفاعلات وأجهزة الطرد المركزي, أو تعطيل التكنولوجيا الرئيسية, وإدخال الفيروسات المدمرة في أنظمة الإنتاج أو التشغيل الإلكترونية في الحواسب الإيرانية, ومحاولة تخريب المنشآت الهامة عبر أجهزة الاستخبارات الأمريكية أو الإسرائيلية أو بعض العملاء, أو التهديد بتدمير المنشآت الحيوية عبر القوات الخاصة الأمريكية بالقصف المباشر للمفاعلات ومنشاّت التخصيب.

في الوقت الذي كانت تنحصر فيه قدرة وقوة إيران للرد على أي هجوم, عبر إغلاق مضيق هرمز والتأثير على الاقتصاد العالمي وعلى حوالي 35 ٪ من صادرات النفط العالمية المنقولة عبره.

وعليه بدأت الولايات المتحدة بالتفكير الجدي باعتماد النفط الأفريقي كبديل عن نفط الخليج الفارسي, في حالة تنفيذ الهجوم على إيران, وجاء التحرك الأمريكي – الإسرائيلي نحو النفط الأفريقي ونحو تأسيس تنظيم بوكو حرام الإرهابي.

وعلى الرغم من إدراك واشنطن صعوبة كافة الاحتمالات , وعدم قناعتها بإمكانية الفوز, لم تكن لتتوقف عن التفكير بطرقٍ أخرى لنزع السلاح الإيراني، ووقف برامجه الصاروخية الدفاعية، وبإيقاف مساعدة إيران لحلفائها في المنطقة, وبالاتجاه نحو العقوبات الاقتصادية والتجارية الحصار الكامل وسياسة التجويع, رغم شراسة فيروس كورونا كوفيد – 19 الذي ضرب إيران مؤخراً وبقسوة.

من الواضح أن إيران قد وقَعَت ضحية خداع الإدارات الأمريكية التي وقّعت الاتفاق النووي وانقضت عليه ونقضته, كما وقَعَت ضحية النفاق والضعف الأوروبي كطرفٍ موّقع وشاهد ومُستفيد من الاتفاق وخائنٍ له بنفس الوقت.

في هذا الوقت … كان الروس والصينيون يحرصون على تبني السلام الذي سيولد نتيجة الاتفاق النووي الإيراني, على الرغم من أنه يضرّ بمصالحهم بطريقة أو أخرى…

وساهمت عدائية واشنطن ومخططاتها الخبيئة بزيادة التقارب والتعاون بين موسكو وبكين وطهران, على الرغم من أن رفع العقوبات بعد “خطة العمل الشاملة المشتركة” كان من شأنه أن يسهل التجارة ويعزز الدبلوماسية بين إيران والغرب، على حساب الصين وروسيا – بشكل جزئي -، إلا أنهم دعموا الاتفاق طمعاً بالسلام.

لكن جهودهم من أجل السلام الدولي, وجهود الغرب المتوحش لتغيير النظام الإيراني باءت بالفشل , مع استمرار الولايات المتحدة في بث الفوضى وإشعال حروب التدمير والخراب والإرهاب .. بالتوازي مع فرضها لعقوبات أحادية الجانب ضد الشعب الإيراني وغير شعوب.

وبات على الروس والصينيين التمسك بدورهم كضامنين للسلام، بالإضافة لحرصهم على سلامة بلديهما وشعبيهما في عالمٍ تعبث فيه قوة شرٍ عظمى عديمة الأخلاق والنزاهة يقبع على عرشها رئيس أهوج نرجسي يبحث عن أي انتصار وبأي تكلفة وثمن ليبقى سيد البيت الأبيض لأربع سنواتٍ إضافية.
________
ميشيل كلاغاصي

Exit mobile version