المشهد اليمني الأول/
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز”، الجمعة، نقلا عن مسؤولين أمريكيين تفاصيل خطة أمريكية إسرائيلية لاستهداف واسع لبرنامج إيران النووي، واغتيال قادة بارزين بالحرس الثوري.
وأوضح المسؤولون الأمريكيون (لم تذكر الصحيفة أسماءهم) أن هذه الخطة الاستراتيجية تتطور باستمرار، وأنه تم وضعها منذ فترة طويلة، مشيرين في هذا الخصوص إلى سلسلة الانفجارات التي ضربت أماكن استراتيجية في إيران، مؤخرا، وأبرزها الانفجار الذي استهدف منشاة “نطنز” النووية.
ولفتوا إلى أن عملية استهداف “نطنز” تم التخطيط لها منذ فترة تتجاوز العام، وهي العملية التي يبدو أنها دمرت أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي كانت بالمحطة، بشكل أضر بقدرة طهران النووية بشدة، ودفعها إلى الوراء لسنوات.
وقالت “نيويورك تايمز” إن تفجيرات نطنز تبدو من تصميم (إسرائيل)، لكنها مثلت حلقة خطرة من تصاعد النزاع بين الولايات المتحدة وإيران.
وأشارت الصحيفة إلى أن صور الأقمار الصناعية لمنشأة “نطنز” أظهرت أضرارا ضخمة.
ونقلت عن مسؤولين اثنين في الاستخبارات الأمريكية إن الأضرار التي لحقت بالموقع النووي ستستغرق من الإيرانيين ما يصل إلى عامين لإعادة برنامجهم النووي إلى المكان الذي كان عليه قبل الهجوم مباشرة.
وأوضحت أنه على الرغم من أن إيران قالت القليل حول الانفجارات، إلا أن المسؤولين الغربيين يتوقعون نوعا من الانتقام، ربما ضد القوات الأمريكية أو القوات الحليفة في العراق، وربما تجديدا للهجمات الإلكترونية.
في الماضي، طالت الهجمات الانتقامية المؤسسات المالية الأمريكية، وكازينو لاس فيجاس الرئيسي، وسدا في ضواحي نيويورك، ومؤخرا نظام إمدادات المياه في (إسرائيل)، الذي تعتبره تل أبيب بنية تحتية شديدة الأهمية.
قارن المسؤولون المطلعون على الانفجار في “نطنز” بالهجوم الإلكتروني المعقد (Stuxnet) على المنشآت النووية الإيرانية قبل عقد من الزمان، الذي كان مخططا له منذ أكثر من عام.
وفي حالة ما حدث الأسبوع الماضي؛ فالنظرية الأساسية هي أنه تم زرع عبوة ناسفة في منشأة تخضع لحراسة مشددة، ربما بالقرب من خط غاز. لكن بعض الخبراء طرحوا أيضا احتمال استخدام هجوم إلكتروني لتشغيل إمدادات الغاز.
ووقع انفجار “نطنز” داخل مركز تجميع أجهزة الطرد المركزي الإيرانية؛ حيث كانت البلاد تبني أجهزتها الأكثر تقدما، والمصممة لإنتاج وقود نووي أكبر بكثير، من الآلات القديمة المستخدمة حتى قامت إيران بتفكيك معظم منشآتها في اتفاقية عام 2015.
تحديد إيران سبب الحادث في موقع نطنز النووي
أعلن المتحدث باسم أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني کیوان خسروی أن التحقيقات الفنية والأمنية حددت بدقة سبب الحادث في مجمع الشهيد أحمدي روشن النووي في نطنز وسط ايران، والذي وقع صباح يوم أمس الخميس 3 أغسطس.
وقال خسروي: أنه من خلال فحص الآثار وطريقة ومقدار الدمار بعناية، توصلنا إلى تحديد السبب الرئيس للحادث.
وأضاف: بسبب بعض الاعتبارات الأمنية، سيتم الإعلان عن سبب وطريقة هذا الحادث في الوقت المناسب.
وأکد المتحدث باسم أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي انه لم يتم العثور على أية مواد نووية في مكان الحادث، نافيا وجود أي تسريب للمواد المشعة على الاطلاق.
واعلن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الايرانية بهروز كمالوندي اليوم الخميس عن تضرر احدى الصالات المسقوفة في فناء موقع نطنز النووي اثر تعرضها فجر اليوم الخميس لحادث يجري التحقيق بشانه في الوقت الحاضر.
وذكر كمالوندي ان الحادث لم يسفر عن وقوع خسائر بشرية ولم يعرقل الانشطة الجارية في هذا المركز.
وفي حين تم السماح بإجراء أبحاث على هذه الآلات بموجب الاتفاقية، لم يكن من الممكن نشرها لسنوات، وكانت جهود إيران لإنتاجها بكميات كبيرة جهدا طموحا لإظهار أنها يمكن أن ترد سريعا على رفض “دونالد ترامب” للصفقة.
سياسية أمريكا الإرهابية للإطاحة بإيران
وخلصت دراسة أجراها معهد العلوم والأمن الدولي نشرت، الأربعاء الماضي، إلى أنه على الرغم من أن الانفجار “لا يقضي على قدرة إيران على نشر أجهزة طرد مركزي متطورة”، إلا أنه “انتكاسة كبيرة” ستكلف إيران سنوات من التطور.
واعتبرت الصحيفة أن أقرب ما توصلت إليه الإدارة الأمريكية لوصف استراتيجيتها للمقاومة الأكثر عدوانية جاءت في تعليقات المبعوث الأمريكي لملف إيران “برايان هوك”، الشهر الماضي، عندما قال: “لقد رأينا تاريخيا أن الخجل والضعف يسمحان للمزيد من العدوان الإيراني”.
وقالت إن الخطوة المقبلة قد تكون مواجهة حول 4 ناقلات، وهي الآن في طريقها إلى فنزويلا، التي تعهدت الولايات المتحدة بعدم السماح لها بنقل حمولتها من النفط الإيراني في انتهاك لعقوبات الولايات المتحدة.
ويحذر المحللون من أن هذا النهج الحديث محفوف بالمخاطر، وهو نهج قد يعمل على المدى الطويل إلى حد كبير على دفع البرنامج النووي الإيراني إلى مزيد من السرية، وبالتالي يجعل من الصعب اكتشافه.
لكن -على المدى القصير- يراهن المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون على أن إيران ستحد من انتقامها، كما فعلت بعد أن قتلت طائرة بدون طيار أمريكية في يناير/كانون الثاني الماضي اللواء “قاسم سليماني”، أحد أهم القادة الإيرانيين.
مخاوف من إنتقام اغتيال الشهيد سليماني
وبينما عبر بعض المسؤولين الأمريكيين عن مخاوفهم من أن مقتل “سليماني” سيقود إيران إلى شن حرب ضد الولايات المتحدة، طمأنتهم مديرة الاستخبارات المركزية “جينا هاسبل” بأن الإيرانيين سيكتفون بهجمات صاروخية محدودة ضد أهداف أمريكية في العراق، والتي اتضح أنها صحيحة حتى الآن، وقد يكون رد إيران المحدود حافزا لمزيد من العمليات ضدها.
إضافة إلى ذلك، يقول بعض المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين ومحللي الأمن الدولي إن إيران قد تعتقد أن “ترامب” سيخسر انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وأن منافسه الديمقراطي المفترض “جو بايدن” سيرغب في إحياء شكل ما من أشكال التفاوض معها.
ونقلت الصحيفة تساؤل الزميل البارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، “كريم سادجادبور”، الذي قال فيه: “اليوم، إذا كنت إيران، فلماذا التسوية مع إدارة قد يتبقى لها بضعة أشهر فقط؟”.
وأشار إلى أن الهجوم الجديد وضع إيران تحت “ضغوط داخلية وخارجية شديدة”، مع استمرار الضغط على صادراتها النفطية وجهودها لإحياء البرنامج النووي، انتقاما لقرار “ترامب” في مايو/أيار 2018 الانسحاب من اتفاق 2015.
وتساءل “سادجادبور”: “هل هناك منشقون أو خونة داخل النظام؟”.
عندما داهم الموساد مستودعا في طهران في يناير/كانون الثاني 2018، وحصل على عشرات الآلاف من وثائق الأسلحة النووية التي يعود تاريخها إلى ما يقرب من عقدين، كان من الواضح أنه حصل على مساعدة من الداخل.
تعثر سياسي اثر تفجير نطنز الإيرانية
وفي هذا السياق، رفض وزير الخارجية “مايك بومبيو”، الذي يستغل دائما أي فرصة للتنديد بالحكومة الإيرانية، مناقشة قضية تفجيرات “نظنز” في مؤتمر صحفي، الأربعاء الماضي.
لكن لا يكاد يكون سرا داخل وزارة الخارجية أن “بومبيو”، الذي عمل كأول رئيس لجهاز الاستخبارات الأمريكية في عهد “ترامب”، طور علاقة وثيقة مع مدير الموساد الإسرائيلي “يوسي كوهين”.
يتكلم الرجلان في كثير من الأحيان؛ مما يجعل من الصعب تصديق أن “بومبيو” ليس لديه فكرة عما سيحدث، إذا كانت بالفعل عملية إسرائيلية.
وبينما كانت الضربة تتم، مُددت ولاية “كوهين” لمدة 6 أشهر من قبل رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، وفسرها الكثيرون على أنها علامة على الأشياء القادمة؛ حيث أن “كوهين” مخضرم في العمليات الإيرانية.
وكان “كوهين” لاعبا رئيسيا في سلسلة متطورة من الضربات السيبرانية المعروفة باسم الألعاب الأولمبية التي أخرجت ما يقرب من 1000 جهاز طرد مركزي عامل في “نطنز” – بالقرب من موقع انفجار وحريق الأسبوع الماضي – قبل عقد من الزمان، وكقائد للموساد، وجه بالاستيلاء السري على الأرشيف النووي السري.
بطريقة ما، يبدو الأمر وكأنه قبل عقد من الزمن، عندما سلمت إدارة “جورج دبليو بوش” العمليات السيبرانية إلى إدارة “باراك أوباما”، كجزء من جهد سري واسع لشل برنامج إيران النووي.
في الوقت نفسه، كان الإسرائيليون يقتلون العلماء الإيرانيين.
لم تكن الفكرة إبطاء البرنامج فحسب، بل أيضا تحويل الإيرانيين ضد بعضهم البعض، والاشتباه باستمرار في وجود جواسيس في وسطهم.
هذه المرة، هناك العديد من العناصر الجديدة.