المشهد اليمني الأول/
في مقال له بصحيفة “إنسايد أرابيا” الصادرة من واشنطن, سلط الكاتب “يوسف حسن الشمري” الضوء على الرهاب المتزايد من الأجانب كأبرز التأثيرات الاجتماعية التي خلفها وباء “كورونا” في الكويت، إذ أنه ولسوء الحظ، يستمر المناخ الاجتماعي للدولة الخليجية في توسيع الفجوة بين المواطنين والمهاجرين، ما يتسبب في تزايد خطاب الكراهية وحوادث العنف ونشؤ العنصرية.
ويستشهد “يوسف الشمري” بما نشرته المغردة الكويتية “ريم الشمري” من انتقادات حادة جداً للمصريين والعاملين من جنسيات أخرى على موقع “سناب شات”، واصفة إياهم بـ”الخدم”، وموجهة اللوم للحكومة التي “تجعل المصريين يعتقدون أنهم شركاء في وطننا”، على حد قولها.
وفي عام 2018، اشتكى فنان شهير من دفع الفلبين نحو مزيد من الحقوق لمواطنيها العاملين في الخارج، وفي عام 2019، أثار رياضي مبارزة كويتي الغضب عندما أطلق وصف “الطفيليات” على البدون “عديمي الجنسية” في البلاد.
في السياق ذاته، دعت الممثلة الكويتية حياة الفهد إلى “طرد” المهاجرين، عندما ضرب الوباء الكويت للمرة الأولى في مارس/آذار، كما وجهت البرلمانية المناهضة للمهاجرين “صفاء الهاشم”، رسالة إلى وزارة الداخلية العام الماضي أكدت فيها أن “تعاطف الحكومة مع المهاجرين أمر غير مقبول”.
لا يتوقف الأمر عند المشاهير، حيث أظهر أفراد كويتيون عاديون هذه الكراهية المتواصلة للمهاجرين، ومن المفارقات، أن سلوكهم اندلع خلال شهر رمضان المبارك، حيث كان يُتوقع أن يكون للوازع الديني تأثير إيجابي.
ومن غير المستغرب، في خضم كل هذا الجنون، أن تستمر الدعوات إلى طرد البدون من البلاد، بدعوى مسؤوليتهم عن كل المشاكل التي تعاني منها.
أزمات متراكمة
طوال شهر رمضان الماضي وما بعده، كشفت هذه التعليقات عن أحد أكثر الأزمات الكامنة خطورة في الكويت، ولعقود من الزمان، استغل سوق العمل قوانين الهجرة الفضفاضة لجلب أعداد كبيرة من الأجانب، ما أوجد خللا كبيرا في التركيبة الديمغرافية في البلاد، وفي سوق العمل على وجه الخصوص حيث يشغل العمال المهاجرون 76% من الوظائف.
ومؤخرا، جرى الكشف عن فساد ممنهج في استخراج تصاريح العمل، بعد ما جرى إصدار أعداد كبيرة من تصاريح العمل للأجانب بشكل غير شرعي على مدار سنوات، ويخضغ الآن مئات المواطنين الكويتيين والأجانب على حد سواء للمحاكمة بسبب هذه القضية.
ومع ذلك، فإن عدد الأجانب المتهمين في هذه القضية يتضاءل مقارنة بمئات الآلاف من العمال المهاجرين الذين استغلهم المواطنون الكويتيون، وتستغل عملية الابتزاز، التي يعتبرها البعض شكلاً آخر من أشكال الرق المعاصر، رغبة العمال الأجانب في الحصول على حياة أفضل، لكن ما يحدث أن هؤلاء العمال يواجهون في النهاية انتهاكات وإجراءات تعسفية من قبل مستخدميهم، ومن قبل التجار غير الشرعيين لتصاريح العمل على حد سواء.
وفي مارس/آذار، وقعت 3 حوادث منفصلة في أيام متتالية شملت وقائع ضرب لعمال مهاجرين، ووقعت إحدى هذه الحوادث أثناء حملة طعام خيرية، حيث هرب العامل، بعد تعرضه للضرب، ومن المحتمل أنه لم يتمكن من الوصول إلى الطعام في ذلك اليوم.
ونتيجة لذلك، شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعا في معدلات الانتحار بين صفوف المهاجرين في الكويت، وللمفارقة، فإن ذلك تزامن أيضا مع وفاة العديد من المهاجرين على الخطوط الأمامية لمواجهة وباء “كورونا” في البلاد.
أضرار خطيرة
ورغم ذلك، لا يمكن أن نعتبر أن فيروس “كورونا” هو المسؤول الأول عن موجة التعصب والعداء للمهاجرين في المجتمع الكويتي، حيث يبدو أن بذور هذه العنصرية تراكمت على مدار سنوات طويلة، وهي تهدد اليوم بإلحاق أضرار غير مسبوقة باقتصاد البلاد.
في هذا السياق، يؤكد الباحثون أن “النزوح الجماعي للعمال المهرة” سيهدد الكويت ومستقبلها المالي مشيرين إلى أن هؤلاء العمال إما يغادرون أو يخططون للمغادرة، ما يهدد بتناقص حرج للقوة العاملة في البلاد.
إضافة إلى القوة العاملة المتناقصة، توقع بنك الكويت الوطني عجزاً هائلاً بنسبة 40% في الناتج المحلي الإجمالي، وهو أكبر ضربة اقتصادية منذ حرب الخليج الأولى، حسبما أفادت “بلومبرج”.
وبالمقارنة، تُظهر بيانات صندوق النقد الدولي أنه لا يُتوقع أن يتجاوز عجز الموازنة في أي بلد آخر في العالم نسبة 30% في هذا العام المالي.
ويفخر الكويت بكونه “دولة إنسانية”، حيث أشارت الأمم المتحدة إلى البلد على هذا النحو، بالرغم من أن الأحداث الأخيرة تظهر بوضوح، أنه لا يمكن قياس إنسانية الدول من خلال المساعدات الدولية والمواقف السياسية وحدها.
في الواقع، كما يقول المثل الروماني القديم، “من جريمة واحدة تعرف الأمة”، وقد أثبت الكويت فشلا ذريعا في الالتزام بالقواعد الإنسانية في معاملة المهاجرين، وحتى البدون الذين يتعرضون لتقليل متعمد من إنسانيتهم.
وكتب أحد مستخدمي “تويتر” في الكويت قائلا: “إذا كان العمال المصريون قد قاموا بتحويل 37 مليار دولار إلى وطنهم وهي أموال معفاة من الضرائب، فلماذا لا يستبدلونهم بالبدون ويوزعون تلك الأموال في الكويت”.
ونشر المغرد الكويتي ذاته صورة لطفل يبيع البطيخ في أحد الشوارع وعلق قائلا: “إذا كان أصغرهم يجلس على دوار يبيع البطيخ تحت حرارة تبلغ 50 درجة، فبإمكان الأكبر سنًا أن يفعل”.
وكتبت “أسيل الرقم”، أستاذة الهندسة المعمارية في جامعة الكويت قائلة إن الخطاب المتعصب يعكس نظامًا يغذي “الانقسامات الاجتماعية والتحيزات الحالية”، وشرحت “الرقم” تاريخ الإسكان في الكويت الذي منع البدون من الحصول على قروض الإسكان وحرمهم من امتلاك الأراضي.
وقال “محمد اليوسف”، وهو باحث مشارك في معهد دول الخليج في واشنطن، في حديث إلى “إنسايد أرابيا”: “يعاني البدون والمهاجرون في الكويت من نفس الكراهية والقمع المنهجي الذي يواجهه الأمريكيون من أصل أفريقي في الولايات المتحدة”.
وأضاف “اليوسف” أن “البدون، أكثر من المهاجرين، وتخنقهم الدولة باستخدام القانون”، مؤكدا أن “استخدامهم في العمل في الوقت الذي يتم فيه محو هوياتهم يعكس مدى سوء الحوكمة واللامبالاة الاجتماعية في الكويت”.