المشهد اليمني الأول/
تتعرض خطة التحول الكبير التي يعمل عليها ولي العهد محمد بن سلمان لضغوط، خاصة أن الصناعة المالية تعتبر مفتاحا أساسيا لتحقيق الخطة ووصلت الضغوطات والفشل الى اندماج البنوك.
كان من المفترض أن تكون الصناعة المالية محور “رؤية 2030″، المخطط الرئيسي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان لفصل الاقتصاد عن النفط.
عندما شهدت السعودية آخر اندماج بين اثنين من أكبر بنوكها، كان سعر النفط يتعافى من تراجع كبير وحاد، وكانت المملكة في خضم ركود عميق، وتجاوز فيها عجز الميزانية حجم الاقتصاد.
في ذلك العام انضمت مجموعة سامبا المالية إلى بنك أمريكي لخلق أكبر مصرف في البلد، وبعد عقدين أصبحت سامبا مرة ثانية في مركز الدمج.
كان ذلك في عام 1999، عندما انضمت مجموعة سامبا المالية إلى البنك السعودي المتحد لإنشاء أحد أكبر البنوك في البلاد.
وبعد أكثر من عقدين بقليل، أصبحت سامبا مرة أخرى في مركز الدمج. حينها كان الهدف إظهار التحولات في المملكة، وأصبح ذلك العام من أكثر الأعوام اختبارا لقدرة المملكة في التاريخ الحديث.
كان من المفترض أن تكون الصناعة المالية محور “رؤية 2030” التي طرحها ولي العهد للتقليل من اعتماد اقتصاد المملكة على النفط.
ووفقا للخطة، سيقوم المستثمرون الأجانب بوضع الأموال في أصول الدولة التي يتم خصخصتها، وشراء السندات الحكومية للمساعدة في تمويل المشاريع الجديدة، فيما ستقوم البنوك المحلية بإقراض رجال الأعمال والعائلات لمساعدتهم على إنشاء الأعمال التجارية وشراء المنازل.
وبدلاً من ذلك، انضمت البنوك إلى نظيراتها في جميع أنحاء العالم للتعاون على مواجهة مجموعة من التحديات غير المتوقعة، بينما اضطر البنك المركزي السعودي إلى التدخل لدعم الصناعة المالية.
أدى انهيار أسعار النفط، إلى جانب تأثير تفشي الفيروس التاجي (كورونا)، إلى شل عائدات المملكة السعودية. لايزال إغلاق النشاط التجاري قائماً، حيث تحاول السلطات السيطرة على الوباء واحتواءه.
قال المحافظ أحمد الخليفي يوم الثلاثاء إن البنوك السعودية كان يمكن أن تتحمل ما يقرب من عشرة مليارات ريال (2.7 مليار دولار) من المخصصات المتعلقة بتخلف محتمل عن السداد لو لم يتدخل المصرف المركزي.
وقال راشنا أوبال، المحلل في شؤون الخليج بشركة “كاسيلري أسوسيتس” للأبحاث التي تتخذ من لندن مقراً لها: “سيتعرض القطاع المصرفي لضغوط هائلة من أجل دعم احتياجات الإقراض السيادية وشبه السيادية، حيث من المرجح أن يظل الإقراض المصرفي العالمي تحت الضغوط”.
وأضافت أن “نجاح عملية استراتيجية التنويع ومستقبلها في المملكة السعودية سيعتمد على تطوير قطاع خاص قابل للحياة، والذي يحتاج إلى استثمارات كبيرة وليست قليلة”.
إن صفقة الاندماج بين البنك الأهلي التجاري ومجموعة سامبا، التي تم الإعلان عنها الأسبوع الماضي، وتبلغ قيمتها 15.6 مليار دولار، ستخلق مؤسسة مصرفية عملاقة في مجال القروض، وبحصة 30٪ تقريبا من السوق في المملكة وأصول تتجاوز 200 مليار دولار.
كما سيعطي هذا الاندماج هيئة الاستثمار العام يداً قوية في الاقتصاد والمساعدة في تمويل مشاريع جديدة بمئات المليارات من الدولارات، برئاسة الأمير محمد، والهيئة التي يترأسها ولي العهد، لديها أكبر الأسهم في البنك الأهلي التجاري ومجموعة سامبا، وذلك حسب البيانات التي جمعتها وكالة “بلومبيرغ”.
وقال عمار الخضيري، رئيس مجلس إدارة شركة سامبا، إن المناقشات الجادة بشأن الربط بدأت في مارس/ آذار الماضي.
كان هذا هو الشهر الذي بدأت فيه أسعار النفط بالانهيار وتصاعد تأثيرات تفشي مرض Covid-19 في جميع أنحاء العالم.
وقال الخضيري، في رده على الأسئلة عبر البريد الإلكتروني، إن الشركتين تدعمان بعضهما وتكمل كل منهما الأخرى، حيث يهيمن البنك الأهلي التجاري على قطاع التجزئة والرهون العقارية، بينما سامبا تقدم الخدمات للشركات السعودية الكبرى.
وفي بيان منفصل، كرر رئيس البنك الأهلي التجاري سعيد الغامدي هذا المنطق.
وقال الخضيري: “على المدى القصير إلى المتوسط، فإن وجود ميزانية عمومية قوية للغاية سيساعد في الحد من الأثر السلبي للدوامة الاقتصادية التي يعاني منها العالم”.
وأضاف: “على المدى الطويل، سيكون البنك المندمج قادرا على انتهاز الفرص والتفوق على نظرائه”.
والسبب وراء كل هذا هو أن صندوق النقد الدولي حذر في شباط/ فبراير الماضي من أنه بدون إصلاح كبير للثروة المالية ستنخفض نسبة الناتج المحلي العام إلى صفر بحلول 2036.
ومنذ ذلك الوقت قالت الحكومة إنها ستقترض 100 مليار دولار في عام 2020 أكثر مما خططت وزادت سقف الدين العام إلى 50٪ من 30٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
الاقتراض أكثر
استجابت الحكومة للتوقعات المتدهورة من خلال زيادة ضريبة المستهلك ثلاث مرات، وزيادة الرسوم على قائمة المنتجات، المكونة من 53 صفحة، مع تقليص الإنفاق على مشاريع البنية التحتية والعلاوات التي تدفع للموظفين الحكوميين.
ويقول أشرف مدني، المحلل في وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني: “إجراءات التقشف ستزيد الضغط على النظام المصرفي”، و”سنرى ضغطا للأسفل على الربحية وجودة الأصول على مدى 12 إلى 18 شهرا القادمة”.
وبعد سنوات من نمو منخفض في القروض، اضطرت بعض البنوك إلى الاندماج لخلق قيمة وعقود جديدة. ففي عام 2018 اندمج مصرفان صغيران، هما البنك الأول والبنك السعودي البريطاني.
كان الإقراض المصرفي مدفوعًا بشكل حصري تقريبًا بالرهون العقارية، التي استفادت من الدعم الحكومي السخي كجزء من هدف الأمير محمد توسيع ملكية المنازل، ومع انتهاء هذا بسبب تخفيض النفقات، سيكون من الصعب العثور على فرص إقراض جديدة.
تباطؤ القرض
ولدى المصارف السعودية احتياطيات كبيرة تجعلها قادرة على استيعاب الخسائر، في حين بدأ عدد قليل منها بجمع الأموال من المستثمرين الدوليين في السندات.
إلا أن مؤسسة النقد السعودي والمصرف المركزي يقومان بدعم النظام المصرفي، في حين تعتمد الحكومة عليها لتمويل العجز في الميزانية الوطنية ومشاريع “رؤية 2030”.
وفي محاولة لحماية البنوك من الخسائر على القروض للأعمال الصغيرة وزيادة السيولة، قدمت سامبا 80 مليار ريال من الودائع المجانية.
وهذا مبلغ يتجاوز الدعم الذي حصلت عليه المصارف عام 2016 عندما أثر انخفاض أسعار النفط على مالية الحكومة بشكل قاد لتوقفها عن الدفع للمتعهدين.
وبحسب أيبق إسلاموف، المحلل في بنك (إتش إس بي سي)، فإنه سيتعين على مؤسسة النقد العربي السعودي أن تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث ستوفر ودائع رخيصة إضافية للبنوك على مدى الأشهر الـ24 المقبلة.
وأضاف: “إذا كانوا لا يزالون غير قادرين على سداد القروض في تلك المرحلة، فقد تحتاج مؤسسة النقد العربي السعودي إلى ضخ المزيد من الأموال في النظام المصرفي”.
وهناك مجالات أخرى في الاقتصاد تحتاج إلى دعم الحكومة، مثل الصناعات التي تأثرت بسبب فيروس كورونا، وفقًا لإدموند كريستو، المحلل المالي في “بلومبيرغ إنتليجنس”.
وقال إن هناك مخاطر متزايدة من تقصير الشركات، مما يعني أن على البنوك تخصيص المزيد من الأموال.
وكانت آخر الأخبار السيئة هي القيود التي وضعت على الحج من أجل احتواء فيروس كورونا في بلد تظهر فيه 4.000 حالة جديدة في اليوم.
وستضر هذه القيود بالأعمال الصغيرة وتحرم الاقتصاد من مصدر مهم للعملة الصعبة، خاصة أن موسم العام الماضي شارك فيه مليونا حاج. وبالنسبة لعدد من المستثمرين فغياب التقدم في تنويع الاقتصاد قادهم للمراهنة ضد المملكة.
ويتوقع بيتر كيسلر، المدير في المحفظة الوقائية “نورث أسيت مانجمنت”، تعرض السعودية لضغوط متزايدة تجعلها تتخلى عن نظام ربط العملة بالدولار.
وقال كيسلر: “كل ما فعلوه خلال السنوات الخمس الماضية هو إصدار الكثير من الدين الخارجي، وهو ما يجعلهم سريعي التأثر” و”منظور الاقتصاد يزداد سوءا”.
_________
ماثيو مارتن
بلومبيرغ الأمريكية