المشهد اليمني الأول/
نشرت منظمة “مواطنة” لحقوق الإنسان تقرير حقوقي حول الجرائم والانتهاكات المرتكبة داخل السجون اليمنية على مدار السنوات الماضية خاصة بعد الارتفاع الملحوظ في حالات الاعتقال التعسفي وشهادات تعذيب السجناء مع تزايد حالات الوفيات داخل السجون المعتقلين خلال السنوات القليلة الماضية من العدوان في اليمن.
التحقيق الذي استمرت مدة عمله لأربع سنوات، كشف التحقيق عن حجم العنف وسوء المعاملة داخل السجون اليمنية.
وقال معدو التحقيق أنه شمل حوالي 12 مركز احتجاز غير رسمي للجماعات المسلحة الموالية لحكومة المرتزقة والفصائل العسكرية التابعة لتحالف العدوان بقيادة السعودية والفصائل الانفصالية الجنوبية.
يرسم التحقيق المؤلف من 86 صفحة صورة مظلمة عن التعذيب المتفشي في أنحاء اليمن البالغ عدد سكانها حوالي 30 مليون نسمة، كما يوثق عمليات الصعق بالكهرباء للسجناء من قبل السجانين، وتعليق السجناء وضربهم، وتشويه الأعضاء التناسلية، وإزالة أظافر اليدين واللكم في أقدام الضحايا باستخدام المثاقب الكهربائية.
تمزق اليمن بسبب العدوان ومشاريعه الذي أطلقته المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في الخليج في مارس/آذار 2015 حملة قصف لإعادة السيطرة للفار هادي.
تم تقسيم البلاد اسميا بين الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون والجنوب الذي تسيطر عليه الحكومة حتى انقسمت إلى حروب صغيرة متعددة مع انهيار تحالف العدوان.
منظمة “مواطنة” قالت في تقريرها إن تلك الانقسامات أثارت تصاعداً إضافياً في العنف ضد المعتقلين بما في ذلك تصاعد حالات الاختفاء القسري.
استنادًا إلى أكثر من 2500 مقابلة مع محتجزين سابقين وأقاربهم ونشطاء ومحامين، وثق التقرير الذي نشر يوم الثلاثاء أكثر من 1605 حالات اعتقال تعسفي و770 حالة اختفاء قسري و344 حالة تعذيب منذ 2016، بالإضافة إلى توثيق 66 حالة وفاة أثناء الاحتجاز، الكثير منها بسبب التعذيب، مع الإشارة إلى أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير.
في حواره مع صحيفة الإندبندنت، قال علي جميل، باحث في “مواطنة”: “منذ بدء النزاع، شهدنا تصاعداً في عمليات الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة مع اندلاع الحروب بين حلفاء العدوان”.
العدوان وتصاعد الأزمة اليمنية
تسبب العدوان، المدمر والمستمر في اليمن منذ خمس سنوات، في حدوث أسوأ أزمة إنسانية في العالم من حيث العدد، وفقا للأمم المتحدة، والتي قالت إن حوالي 80 في المائة من السكان يعتمدون حالياً على المساعدات من أجل البقاء، هذا بالإضافة إلى تهديد ملايين المدنيين بخطر المجاعة الوشيك.
من الجدير بالذكر إن وكالة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) حذرت هذا الأسبوع من أن عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية قد يصل إلى 2.4 مليون بنهاية العام.
بسبب العدوان، تم قصف معظم المنشآت الطبية، ليتحول نظام الرعاية الصحية في البلاد إلى نظام ضعيف متهالك، ومع تشغيل حوالي نصف منشآت الرعاية الصحية فقط، فإن معظم سكان البلاد معرضون للإصابة بفيروس كورونا المستجد.
على مدار الأعوام الماضية تم تسليط الضوء بصورة كبيرة على الآثار الإنسانية للنزاع التي تم توثيقها جيداً، في حين أن انتهاكات المعتقلين في السجون الرسمية وغير الرسمية لم يتم توثيقها.
للمرة الأولى، يلقي التقرير ]تقرير مواطنة[ نظرة عميقة على مراكز الاعتقال غير الرسمية في تسع محافظات مختلفة.
انتهاكات القوات الإماراتية والمرتزقة التابعة لها مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، حيث تقول المنظمة إن تلك الجهات تتحمل المسؤولية عن 419 حالة من حالات الاعتقال التعسفي، و327 من الاختفاء القسري، و141 من التعذيب، و25 حالة وفاة في الاحتجاز.
أما حكومة المرتزقة -وفقاً للتقرير- كانت مسؤولة عن 282 حالة اعتقال تعسفي، و90 حالة اختفاء قسري، و65 حالة تعذيب، و14 حالة وفاة أثناء الاحتجاز.
الباحثون قالوا إن أكثر الأحداث عنفاً وقعت في سجن تديره قوات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من الإمارات العربية المتحدة، والتي كانت متحالفة مع حكومة المرتزقة ضد الحوثيين حتى أطلقت محاولة لاستقلال الجنوب في 2018.
وأشارت “مواطنة” إلى 29 حالة تعذيب وأربع وفيات على الأقل رهن الاحتجاز في “سجن 7 أكتوبر” التابع للمجلس الانتقالي، الواقع في محافظة أبين الجنوبية، حيث لا زال القتال مستمراً بين الحكومة وقوات المجلس.
أحد الضحايا الذين تحدثت عنهم المنظمة هو محمد، 32 عامًا، تم إيقافه عند نقطة تفتيش أمنية تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في أبين في يونيو/حزيران 2018، وبعد تعرضه للتعذيب توفي داخل مقر احتجازه، ثم تم إلقاء جثته المشوهة بعد شهر في مستشفى قريب.
وعرضت عائلته على “مواطنة” صورة للجثة التي بدت مشوهة للغاية، وكانت غارقة في الدماء مع فقأ للعينين وتكسير في الأسنان، بالإضافة إلى جراح ناتجة عن طلقات نارية في جسده، بما في ذلك أعضائه التناسلية، مع وجود علامات صعق بالكهرباء وآثار لأغلال حديدية.
تم تسجيل انتهاكات في منطقة الريان بمحافظة حضرموت الجنوبية الشرقية أيضاً، والتي تديرها قوات التحالف الخليجية وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي.
بحسب التقرير، تم اعتقال صادق، 30 عامًا، من قبل القوات التابعة للمجلس الانتقالي عام 2016 واحتجز لمدة عام في سجن الريان، حيث احتُجز لفترة وجيزة في الحبس الانفرادي في زنزانة مساحتها متر مربع، وقد أخبرت عائلته “مواطنة” أن أعضائه التناسلية مشوهة كما تم تهديده بالاغتصاب.
وأضاف أحد أفراد العائلة “تعرفنا عليه بصعوبة عند زيارته بسبب علامات التعذيب التي كانت ظاهرة عليه”، وأشار إلى أن صادق لا يزال خلف القضبان.
ووصف معتقل سابق يدعى عمرو، 39 عامًا، إحدى الزنازين وكأنها “إناء الطهي المسمى بقدر الضغط”، وهي زنزانة مقفلة يبلغ عرضها 3 أمتار وعرضها 2 مترًا وتضم ما يصل إلى 12 شخصًا في نفس الوقت بدون مرحاض.
قال عمرو في شهادته “احتجزت هناك لمدة 27 يوماً، لم يكن في الزنزانة ثقب في الهواء يمر عبره الضوء… لم أكن أعرف متى ستشرق الشمس أو متى ستغرب”، وأضاف “هناك يسود الظلام ويمر اليوم كأنه عام”.
اختتمت “مواطنة” تقريرها بمجموعة من التوصيات حثت خلالها جميع الأطراف على التصدي الفوري للانتهاكات والتجاوزات واتخاذ “خطوة جادة نحو المساءلة”.