المشهد اليمني الأول/
تتقاطر المدرعات والدبابات والأطقم المسلحة، إلى قرية الخشعة في وادي عبيدة، المهاجِمون من حزب الإصلاح، والمُهاجَمون هم آل سبيعان، تتوالى القذائف على البيت الكبير كالمطر، يجمع الأب بناته ونساءه على عجل، ليدسهم في غرفة منزوية، تتوالى الرصاصات والقذائف وتحطم النوافذ وتخترق الجدران، تتساءل طفلة وفي عينيها دموع تسيل بلا توقف، ويداها متشبثة بجدتها وأخواتها:
هل تقصفنا طائرات التحالف؟
تجيبها الجدَّة : لا يا ابنتي ؟ فمن إذَا ؟ حزب الإصلاح يا بنيتي. ولماذا؟ يقولون بأنهم سمعوا أخيك يفتح زامل عيسى الليث في سيارته، وبعضهم يقولون أننا نحب الحوثي. وهل نُحب الحوثي يا جدتي؟ نحنُ نحبُ وطننا يا ابنتي ونكره المُحتل، ولا علاقة لنا بالحوثي أوغيره.
أصوات القذائف تقتحم كل الغرف، فيما الأب وإخوته وأولاده وأولاد أخيه يواجهون مصدر القذائف بأسلحتهم الشخصية، وبعد ساعات تأبى الجدة إلا أن تستطلع الأمر عن قرب، فتشاهد خرابًا هائلًا ودمارًا، في كل مكان، صوت ابنها يهز المكان “ارجعي يا أمي واهتمي بالنسوان” تجيبه بغضب ” ومن لنا إن صار لكم مكروه”، يجيبها ” عبيده كلها عز وسند”، لكن الجدة لا تسمع الكلمات الأخيرة، واخترقَت صدرها قذيفة ملتهبة، وانكفأ ولدها يلف بقية الأحشاء والأشلاء بشاله، وهو يحسبل ويحوقل، وتمضي الساعات وكل رجل وشبل منهم يحاول صد الهجوم، لكن السلاح الفردي أمام السلاح الثقيل، كمسدس ماء أمام رشاش كلاشنكوف.
تتسلل شمس الشروق إلى المنزل، عابرة من خلال الفتحات التي أحدثها القصف المتواصل، ويرتفع عويل النساء، وصراخ الأطفال، يسرع الشيخ إليهن، فيجد شظايا القذائف، قد أصابتهن، هذه في رجلها، وتلك في يدها، وثالثة في بطنها، يربط جروحهن بما على رؤوسهن من أغطية، ويعود لتفقد أبنائه وإخوته، فيُخبرونه أنَّ ذخائرهم شارفت على الانتهاء، وقد أصيبوا ببعض الجروح لكنها غير قاتلة، يجلب الشيخ كل ما لديهم من رصاص، لكنه لا يغطي نصف ساعة.
يجد الشيخ أحد إخوته يصارع الموت، إثرَ إصابة في بطنه، ويردد ” ثأرنا مع الإصلاح، لا تخلوهم” ثم تصعد روحه ولسانه ينتزع الشهادة انتزاعًا ” أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله” كرر الشيخ الشهادة بصوتٍ مرتفع، وعلى عينيه دموع تحجرت في محاجرها، وكأنه لا يُصدق ما تراه عينيه.
انتهى الرصاص، ووجه الشيخ أخيه وأحد أولاده بالتسلل من الباب الخلفي، وركوب السيارة، والاستنجاد بأبناء قبيلته عبيدة، غادر الشبلان لكن قذائف المهاجمين كانت أسرع، وأحرقت سيارتهما، ومُثِّل بجثتيهما.
استمرت ميليشيا الإصلاح بقصف المنزل، وحينما لم تجد أي مقاومة، اقتربت من المنزل مع استمرار القصف، وبعد ساعات من التردد والحذر المصحوب بالرعب والخوف، اقتربت القوة الإرهابية، واقتحمَ العشرات المنازل، وبدأ النهب ، ووقف جلاوزة الإصلاح على كومة من البشر يحمي بعضهم بعضها، وبكاء الأطفال، يملأ المكان، قاموا بسحب الذكور، وهم الشيخ محسن صالح سبيعيان وأخيه وأولاده وأولاد أخيه وحشروهم في الزاوية المقابلة، ثم رشهم بوابل من الرصاص، أمام الطفلات والنساء، وسالت الدماء حتى غطَّت وجه الغرفة، وصبغت أقدام الأطفال وأمهاتهم بدمٍ قانٍ يفور، ومن تتحرك من النساء فدونها طعن الجنابي.
مشهدٌ يقطع الأكباد ويدمي الصخر، وترتفع أصوات النساء، بالبكاء والنحيب، وكل واحدة تهتف “وينكم يا عزوتي ياعبيدة؟”
واستمرت ميليشيا الإصلاح تنهب كل شيء أمامها،وتحرق البيوت، وبعد أن قتلت ونهبت وأحرقت، استيقظت من سكرتها، ولابد من تغطية الجريمة البشعة، فجاؤوا بالأصباغ المُعَدة، وصبغوا الشعار الحوثي على مسجد هؤلاء الأتقياء الأنقياء ، وعلى جدار المنزل، ووضعوا أكوامًا من ملازم الحوثي على حوض سيارة محترقة لآل سبيعيان، ونسوا أن شعارهم ما تزال رائحته نفاذة، وأوراقهم سليمة فوق حوض سيارة محترقة.
ومن أغرب الأخبار الكاذبة أن قنوات الإصلاح تقول أنها عصابة مسلحة، وفي العصابة أفراد من مارب وصعدة وعمران ومحافظات أخرى، وأنهم وجدوا في المنزل طائرات مسيرة، وصواريخ موجهة، ولا أدري متى يستحي الإصلاح من الكذب، فالقتلى هم الشيخ وإخوته وأبنائه وأبناء إخوته، وليس فيهم دخيل، وقصة الطائرات لا يصدقها إلا أحمق، وأما الصواريخ لو كانت موجودة لما استطاع أراذل الإصلاح اقتحام المنزل.
هكذا قصة جريمة آل سبيعان، أو هكذا كانت، ويبقى صوت استغاثة النساء، وصمة عار في جبين قبائل عبيدة خاصة، وقبائل اليمن عامة، وهذه جريمة منكرة، يجب أن ينكرها الكبير والصغير، والقاصي والداني، وكل حر وشريف في هذا الوطن.
وهذا هو مشروع الإصلاح الإرهابي مع كل من يخالفه في رأي أو تفكير، وبالأمس نكلوا بالأشراف، ثم بن مثنى ، واليوم آل سبيعان، وغدًا سيأتي الدور على آخر، فيطبعون الشعار على بيته، ويستبيحون دمه.
إن النكف لهذه المظلومية هو واجب أبناء عبيدة في المقدمة، وقبائل اليمن قاطبة…
اللهم إنا نبرأ إليك من الإصلاح وأعماله ومن رضي بهذه الأعمال الوحشية المنكرة.
واللهم إن هذا منكر فلا تجعلنا ممن استحق اللعنة وقلت فيهم
“كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون”
ــــــــــــــــــــــــ
عنان المؤيد