الرئيسية زوايا وآراء أمريكا .. وتواطؤ الإعلام العربي!!

أمريكا .. وتواطؤ الإعلام العربي!!

أمة واحدة وعدو واحد.. قادة المقاومة يجددون العهد والولاء لدماء الشهداء
المشهد اليمني الأول/

ما الذي يجري في أمريكا ؟! سؤال بديهي وهام كان من الصعب مجرد احتماله ناهيك عن تصديقه ، قبل شهور خاصة في عالمنا العربي والإسلامي بفعل دور قنوات الاتصال الجماهيري المباشر الناطقة بالعربية أو بلغات عدد من الدول الإسلامية ، فهذه القنوات لا تربطها بالواقع الذي تُعبر عنه سوى اللغة وبذخ الإنفاق بالذات منها الخليجية ، كان الاحتمال والتصديق في حالة الاستحالة المطلقة بفعل الحديث المتشعب عن ديمقراطية وحرية أمريكا ، فلولا أن الناس شاهدوا بأم أعينهم المواطن الأمريكي الأسمر وهو يفارق الحياة بدم بارد من قبل أحد أفراد الشرطة الذي ألقاه أرضاً وكتف يديه ووضع ركبته على عنقه حتى مات.

هذه الواقعة كشفت النوايا المبيتة خاصة بعد تصريحات الرئيس ترامب المتعاقبة ورفضه للاحتجاجات ووصفها بالمؤامرة ، إلى جانب توجيه أصابع الاتهام إلى بعض هيئات المجتمع المدني الأمريكي والقول بأنها من خططت لهذه الاحتجاجات وهدد بتدخل الجيش لتفريق المتظاهرين ، وفيما كان الشارع الأمريكي يغلي احتجاجاً على الحادثة وتصريحات الرئيس الأمريكي امتد صدى الاحتجاج والإدانة للجريمة إلى مدن عالمية مختلفة، في نفس اللحظة جاءت الجريمة الثانية في مدينة نيويورك حينما دفع أحد أفراد الشرطة رجلاً مسناً من المحتجون فأوقعه أرضاً حتى سال الدم من رأسه ورفاق الشرطي متحلقين بالعشرات لم يرمش لأحدهم جفن ،

استمروا بالمزاح والسير كأن الأمر لا يعنيهم وكأن كلباً أو حيواناً سقط من الأعلى إلى الأرض والخيلاء يغشى أعينهم لما اجترحه ذلك الشرطي من بطولة وكان ضحيتها أحد المحتجين ، لم يتأثر من دفعه ببياض بشرته ، المشهد قدم صورة بشعة ومغايرة للصورة التي غرسها الإعلام العربي في أذهان المواطنين بالذات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م،

فلقد بلغت هذه الوسائل ذورة الاستسلام والتبعية المطلقة وأصبح خطابها صدى للسياسة الإعلامية الأمريكية بأفقها الانتهازي المترجم للرغبات المحمومة ، مما أفقدها أدنى مصداقية حيث تتعاطى مع المذابح والجرائم الإنسانية البشعة في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا بطريقة ملتوية تتعمد من خلالها إدانة الضحية وتبرئة الجلاد ، وهكذا تعمل عندما تُغطي حراك الواقع الاجتماعي والسياسي وجرائم العدوان الممنهجة بمنظور مبطن لا يُعبر عن الهوية العربية والإسلامية ، كونه يقتفي أثر أمريكا في كل شيء ويتعاطى بنفس القراءة المتعسفة مع الواقع فيختزل كل ما هو عربي وإسلامي مثلاً في وجه بن لادن والبغدادي والزرقاوي والجماعات الإرهابية المتلبسة بالإسلام لجواز ما يُسمى بالحرب المقدسة ضد الإرهاب الإسلامي ، وفي كل ذلك تبدو المحاولة واضحة هدفها الأول والأخير توفير الأمان للكيان الصهيوني وإطلاق تهمة الإرهاب على محور المقاومة وكل من يدعو إلى نجدة الشعب الفلسطيني واستعادة حقه المسلوب ،

هذا هو الدور المشبوه للإعلام العربي للاسف والخليجي خاصة، فهذا الأخير لا يتوقف من الحديث عن عنف حزب الله واستئثاره بالشأن الداخلي في لبنان والتحريض على حركتي حماس والجهاد الإسلاميتين ، وأخيراً إضافة أنصار الله إلى نفس القائمة بدعوى أن الجميع يمثلون رأس حربة للنفوذ الإيراني ، بالمقابل محاولة غرس فكرة بأن خلاص العرب والفلسطينيين تحديداً يكمن في التعايش والتطبيع مع دول الكيان الصهيوني ، وإيجاد جبهة موحدة ضد العدو المزعوم ممثلاً في إيران في ذهن كل إنسان عربي.

لا شك أن هذا النمط الإعلامي المُهين نجح في اختزال قضية الشعب الفلسطيني وتدرج في نقلها من المحيط الإسلامي إلى العربي ثم الشأن الفلسطيني الذاتي ، وهذا ما تباركه الأنظمة الهزيلة في العالم العربي التي فقدت معناها .

من يحاول استقراء الشارع العربي اليوم يُصاب بالدهشة وخيبة الأمل ، لأن الصحافة والقنوات والفضائيات العربية أصبحت في حالة استماتة للدفاع عن أمريكا والإخلاص في هذا الدفاع بطريقة مقززة فاقت بكثير ما يقوم به الإعلام الأمريكي نفسه ، وهذا ما تقوم به قناتا العربية والحدث الأكبر ، فكلاهما تحمّل الضحية المسؤولية في كل ما يحدث وتبرئ صفحة الجلاد من خلال التشويش على المواطن العربي لزيادة تغريبه وإبعاده عن واقعه وقضايا أمته العادلة ، الأمر بحاجة إلى أكثر من رؤية وفي المقدمة عدم التأثر بخطاب هذا النوع من الإعلام بسلوكياته البائسة كونه يدعو إلى التواكل ويدعم الفساد بأبعاده الأخلاقية والسياسية والاجتماعية ويُمعن في الرهان على أمريكا وهو رهان خاسر ، لأن أمريكا وهي في قمة الإحساس بالقوة والعظمة وفي أوج السلطة تبدو أكثر ضعفاً وسيزداد هذا الضعف ويؤثر على حلفائها وفي المقدمة العرب ، فهذا هو مصير كل نظام يقتاد بالفساد وعفن التسلط ويعمل على تخريب الضمائر ونهب ثروات الشعوب بأصم العدالة والحرية والديمقراطية ، وبالتالي سيلقى مصيراً مزرياً طال الزمن أم قصُر.. والله من وراء القصد ..
________
أحمد يحيى الديلمي

Exit mobile version