المشهد اليمني الأول/
حفزت أزمة كورونا الباحثين الشباب على الاختراع وابتكار أجهزة ومعدات ذكية لدعم الجهود الحكومية في تطويق الوباء، وفي اليمن البلد المصنف أواخر قوائم التقييم الصحي والمعيشي بسبب العدوان والحصار الأمريكي السعودي منذ أكثر من 5 أعوام، كان لابد أن يتكيف بحلول تعالج وضعه المتردي وتعوض فارق الإمكانيات مقارنة بغيره، وهذا بالضبط ما عكف عليه المهندس اليمني الشاب “لؤي طه المحبشي” مصمم جهازي تنفس صناعي لمرضى كورونا.
إقتحم المبتكر الشاب مبكراً غمار معركة علمية من أوسع أبوابها، عندما قرر التركيز على أجهزة التنفس الصناعي، وباعتبار أغنى الدول وأفقرها على السواء كانت تعاني نقصاً حاداً في المعدات الطبية التي تتطلبها مواجهة جائحة كورونا، كان بالفعل توفير جهاز التنفس الاصطناعي (Continuous Positive Airway Pressure CPAP) هو من أهم الأجهزة الطبية طلباً هذه الأيام وندرة في نفس الوقت حيث يهاجم فيروس كورونا الجهاز التنفسي للمصاب فيوقفه عن العمل.
المهندس اليمني الشاب الذي عمل في صمت لإنجاز جهاز (CPAP) تلبية لدعوة الواجب تمكن بعد جهود مستفيضة من تصميم الجهاز وتنفيذه بشكل يتناسب مع الوضع الاقتصادي الصعب الذي يخيم على الكرة الأرضية جمعاء، لؤي طه المحبشي الذي حول فكرته الصغيرة إلى واقع ملموس يلبي حاجة الملايين الذين ينتظرون أن تنفتح لهم نافذة الحياة من أنبوب جهاز تنفس وكان هذا إبتكاره الأول.
فيما يتضمن الابتكار الثاني جهاز تنفس صناعي يستفاد منه أربعة أشخاص في وقت واحد، يشتمل على توصيل أربع دوائر تنفس بالجهاز وربطها مع بعض بواسطة موصلات إلى الجهاز وضبط إعداداته ليخرج كمية كافية للأربعة أشخاص ومراقبة سير العملية ووصولها إلى الجميع بالكمية المناسبة.
شعرت بإمكانية تنفيذه محلياً وشرعت بالعمل
في إحدى المقابلات مع المهندس لؤي، قال أن عمله كمهندس للأدوات الطبية في المستشفى الجمهوري بمحافظة حجة “جعلني ألمس الحاجة الملحة لهذه الأجهزة وضرورة أن يتوفر منها القدر الكافي لمواجهة الأزمات الصحية”.
المحبشي أشار إلى أن “الهلع الكبير الذي أحدثته جائحة كورونا حول العالم الأمر الذي رافقة انكشاف البنية التحتية الطبية في البلدان المتقدمة والمتأخرة على السواء جعله يفكر أنه من الواجب ابتكار جهاز يساعد في مواجهة الفيروس”، موضحاً أنه قرأ الكثير من الدراسات حول طريقة عمل أجهزة التنفس الاصطناعي وفكرتها، وأضاف: “وعندما شعرت بتوفر المواد والقطع المكونة لها وإمكانية تنفيذه محلياً شرعت في العمل”.
وعن فكرة الجهاز وطريقة عمله أوضح المهندس اليمني لؤي بالقول: “أمضيت فترة معقولة في دراسة آلية عمل الجهاز والقطع المكونة له وطرق تنفيذه والتعرف على أحدث النماذج المصنعة منه.. وبعد الدراسة والبحث تخمرت الفكرة في رأسي وعكفت على عمل تصميم أولي للجهاز وبما يتناسب مع المواد المتوفرة محلياً.. بعدها قمت بمسح السوق للبحث عن القطع المطلوبة للجهاز وعندما وجدتها شرعت في تنفيذه.. وبحمد الله تكللت التجربة بالنجاح وخرج الجهاز للنور.. وتمت تجربته و مراقبة أدائه وكانت للنتائج مبشرة.. حسب إدارة المستشفى الجمهوري في حجة التي واكبت الفكرة منذ البدء”.
تكلفة أقل ومفعول موازي
المحبشي أكد أن الاختلاف كبير من حيث آلية العمل والتكلفة بين الجهاز الذي ابتكره وجهاز التنفس الاصطناعي المعروف، فآلية عمل الجهاز المتوفر في الاسواق تعتمد على دخول أنبوب الجهاز إلى الرئتين لإيصال الهواء للجسم وهذه مؤلم ويرهق المريض ويزيد من معاناته لكن الجهاز الذي قام بابتكاره يعمل عن طريق الأنف حيث يقوم الجهاز بمعايرة كمية ونوعية الهواء الذي يحتاجه المصاب بفيروس كورونا كل بحسب حالته الصحية فيصل إلى الرئتين عن طرق الفم بسهولة ويسر.
ويوضح المهندس لؤي أن “تكلفة جهاز التنفس المعروف تزيد عن خمسين ألف دولار وهذا مبلغ مرتفع جداً في ظل الحاجة لأعداد كبيرة منه في حين لا تزيد قيمة الجهاز الذي ابتكرته عن ألفي دولار.. فنكون قد سهلنا طريقة العمل وقللنا والتكلفة.. حيث يصبح بالإمكان انتاج الكثير منه بكلفة جهاز اصطناعي واحد”.
يبين المهندس اليمني أن الجهاز يعمل على مساعدة عملية التنفس عندما يكون قناع الأكسجين غير كافي (Oxygen Mask) ويجعل المصابين الذي يجدون صعوبة في التنفس وخاصة المصابين بكورونا من القيام بعملية التنفس بسهولة أكبر، ويمكن لهذا الجهاز أن يساهم في إنقاذ العديد من الأرواح من خلال التقليل بصورة كبيرة من استخدام أجهزة التنفس الاصطناعي وكذلك العناية المركزة والعاملين عليها، إلا للحالات الحرجة فقط.
ويشير لؤي إلى أن هناك نسبة كبيرة من المصابين بكورونا اكتفوا باستخدام أجهزة ( CPAP) وقضوا على الفيروس ولم يحتاجوا الى أجهزة التنفس الصناعي خاصه في الصين وإيطاليا، مؤكداً ان ما يميز الجهاز أمكانية استخدامه للمرضى إما في المستشفى أو البيت لكل يعاني من صعوبة في التنفس ويعمل الجهاز على إدخال كمية من الأكسجين مع الهواء عن طريق الفم والأنف بدرجة معينة وبصورة مستمرة، حيث يجعل مجرى التنفس مفتوح ويزيد من كمية الأكسجين في مجرى الدم.
الجهاز الثاني للمحبشي
يوضح المحبشي أنه عمل على فكرة أخرى تقوم على تطوير جهاز التنفس الاصطناعي المعرف من خلال توسيع عمله على اربعة مرضى بدلاً من مريض واحد من خلال توفير أربعة منافذ يعمل كل واحد منها بشكل منفرد بحيث نحافظ على سلامة المصاب ولا يحدث أي نوع من الاختلال في عمل الجهاز.
موضحاً أنه قد قام بتنفيذ التطوير وتمت تجربة الجهاز ويوجد على حسابه في الفيس بوك فيديو يشرح طريقة عمل الجهاز بعد التحديث.. والتي تمت عن طريق توصيل أربع دوائر تنفس( patient circuit ) لجهاز تنفس صناعي وربطها مع بعض بواسطة موصلات الى الجهاز سيتم ايضاحها بصور.. إلى جانب القيام بضبط إعدادات الجهاز لجعلها تخرج كمية كافية للأربعة الأشخاص مع توفير أمكانية مراقبة سير العملية ووصولها الى الجميع بالكمية المناسبة.
مساندة الأهل ثم الدولة
عن الظروف التي عمل فيها المهندس لؤي لإنجاز فكرة مشروعه الحيوي، يقول لؤي: “الحمد لله وبمساندة من والدي العزيز وإدارة المستشفى الجمهوري بحجة لم ألاق صعوبة في تنفيذ الجهاز وتجربته”.. موضحاً أن “أبرز المعوقات أمامه الآن توفير القطع بكمية تجارية وتشكيل فريق عمل ومكان مناسب للتنفيذ”
كما إلتقى المبتكر لؤي طه المحبشي بوزير الصناعة والتجارة عبد الوهاب الدرة الذي أكد توجه الوزارة لحشد الجهات الممولة لدعم مصممي أجهزة التنفس الصناعية وإنتاجها بكميات كبيرة وتذليل كافة الصعوبات التي تواجهها نظرا للضرورة الملحة التي تتطلبها المرحلة الراهنة.