المشهد اليمني الأول/
جنون العظمة، التهور، التخبط، العنصرية، الدين، اليمين المتطرف، حكم الميليشيات، الدولة العميقة، عناوين عريضة تشكل الخلطة السرية التي ستؤدي الى انتهاء ما يعرف “بالحلم الأمريكي” ومصطلح “الدولة الحلم” الذي الصق باسم الولايات المتحدة طوال عقود.
وبين قيادة البلاد بتاثير من جنون العظمة، والتعاطي العنصري مع القريب والبعيد، والتهديد بالقضاء على الهيكلية المؤسساتية للسياسة الأمريكية، واعادة شبح الحرب الاهلية الى الشارع، يبدو دونالد ترامب اقرب من اي وقت لاتمام هذه المهمة.
ليس مقتل جورج فلويد والاحتجاجات التي اشعلت الشارع الأمريكي ضد العنصرية السبب الوحيد لما قد يصيب التركيبة الاميركية ببعديها الاجتماعي والسياسي، بل هناك ابعاد قديمة واخرى جديدة اجتمعت لتوصل البلاد الى الوضع الحالي.
وما يعزز هذا الراي هو توسع نطاق وابعاد الاحتجاجات الاخيرة، ولو انها اقتصرت على جريمة قتل جورج فلويد لما كانت اتسعت بهذا الحجم والسرعة ولمرت مرور الكرام مثلها مثل جرائم قتل كثيرة على ايدي الشرطة طالت الأمريكيين من اصل افريقي.
ولترامب الدور الابرز في اظهار الطابع الاوسع للاحتجاجات بسبب شخصيته وتعاطيه اللامسؤول مع شارع يغلي بسبب مقتل شاب افرو-امريكي دون ذنب.
وتجنبا لخلط توصيفات الابعاد التي تتحكم بالازمة الأمريكية من الافضل تناول الموضوع من زاويتين، اجتماعية وسياسية
اجتماعيا
لم تكن عنصرية ترامب ناتجة عن انتخابه رئيسا للولايات المتحدة، بل هي افة موجودة فيه منذ بزوغ نجمه كرجل اعمال بنى امبراطوريته على التهرب الضريبي واستغلال ازمات الاخرين لقنص الصفقات.
في العام 2016 وخلال حملته الانتخابية دعا ترامب انصاره صراحة الى ضرب المناهضين له، “اضربوهم..اعدكم بأنني سأدفع كفالاتكم القانونية” بهذه الكلمات توجه ترامب لمناصريه في ولاية ايوا.
لا يحتاج الامر لكثير من التفكير لمعرفة القاعدة التي يبني عليها ترامب حكمه، “الغاء الاخر + ضرب القيم الاجتماعية من خلال حصرها بالمال”.
هذه النظرة ظهرت بوضوح خلال الاحتجاجات الاخيرة، فلم يذكر ترامب قضية فلويد وعنف الشرطة ومحاكمة الضباط المسؤولين عن الجريمة، بينما ركزت تغريداته ومواقفه على من اسماهم “قطاع الطرق” و”الارهابيين”.
وظهرت ايضا في تهديده المحتجين بالكلاب “المتوحشة” وقوات الجيش. تهديد لم تتمكن وزارة الدفاع من تقبله لتنأى بنفسها عن كلام الرئيس.
لذلك لا يرى الكثيرون في الولايات المتحدة اي غرابة في تهديدات ترامب لانها ليست الا امتدادا لمواقفه العنصرية القديمة، والتي لا تدعو للاستغراب ايضا اذا ما نظر المرء الى سرعة تدخل قوات الجيش والقوات الخاصة لحماية البيت الابيض ومواجهة المحتجين في مختلف الولايات بسرعة فاقت بكثير سرعة الاستجابة لمواجهة فيروس كورونا ولوقوع قتلى في بويرتوريكو (بسبب العاصير والكورونا)والوحشية المستخدمة من السلطات ضد المهاجرين والاطفال على الحدود.
سياسيا
لم يترك ترامب صديقا له في الاوساط السياسية الاميركية. فهو اكتسب عداوة الديمقراطيين دون استثناء، كما ان الجمهوريين الموالين له معظمهم يقوم بذلك لابقاء الحزب الجمهوري متماسكا والاقلية تشاركه الافكار لكنها لا تمتلك التاثير القوي.
منذ اللحظات الاولى لتنصيبه رئيسا (الذي يجب ان يكون لطيفا نوعا ما وبعيدا عن المواقف السياسية المباشرة) هاجم ترامب كل اسلافه الرؤساء، وبعد 3 سنوات من رئاسته يؤمن ترامب انه اعظم رئيس مر في تاريخ الولايات المتحدة، وبالتالي لديه قناعة راسخة بانه يستحق الفوز في ولاية ثانية حتى لو لم يحصل على اغلبية الاصوات.
من هذه النقطة، بدأ الخوف يتزايد لدى الاوساط السياسية والفكرية الاميركية بان ترامب سيلجأ الى سيناريوهات اكثر خطورة للبقاء في البيت الابيض.
ابرز هذه السيناريوهات
1 التصويب اكثر على نظرية المؤامرة التي تستهدفه. وهذه النظرية بدأت في الواقع منذ اليوم الاول لانتخابه مع منظمة “كيو انون” المبنية على نظرية ان رئاسة ترامب مهددة من قبل “الدولة العميقة” وامبراطورية الاعلام والسينما وبالتالي لا بد من حماية هذه الرئاسة.. قالها ترامب خلال حملته بانه يواجه الدولة العميقة “انا اقاتل هذا المستنقع لم يظنوا ابدا اني سافوز ثم فزت ثم حاولوا الاطاحة بي”
2 يحاول ترامب الترويج منذ الان لسيناريو التزوير في الانتخابات.
وتحديدا التصويت الالكتروني معتبرا انه يحتوي على نسب عالية من التزوير بينما تؤكد التقارير ان النسبة المحتملة فيه لا تتخطى 0.9 بالمئة.
والحديث المتزايد من قبل ترامب حول التزوير يؤسس لخطوة لا يستبعد المراقبون ان يقوم بها..(التحجج بهذا الموضوع لتبرير رفضه تسليم الرئاسة لخلفه في حال خسارته في الانتخابات).
3 هناك ملايين من جماعات اليمين المتطرف الجاهزة لقلب الشوارع الامريكية راسا على عقب في سبيل دونالد ترامب، وهؤلاء بدأوا بترسيخ وجودهم وظهورهم العلني منذ اشهر.
وبالتالي ينتظرون اليوم الذي سيطلب منهم (بشكل مباشر او غير مباشر) بالنزول الى الشارع لحماية رئيسهم الذي اختاره الله كما بدأت اوساط دينية متشددة تروج لترامب، وليس خروجه لالتقاط الصور وهو يحمل الانجيل الا لاثارة مشاعر المتطرفين. (وهي خطوة اثارت حفيظة الكنيسة الامريكية التي تدرك جيدا مآرب ترامب منها)
تقول احدث الارقام حول العنصرية في الولايات المتحدة ان ذوي الاصول الافريقية يعيشون واقعا مؤلما جدا. فالولايات المتحدة لديها اكبر نسبة اختلاف في الدخل تصل الى 10 %. كما ان معدلات الوفاة بين ذوي البشرة السمراء تزيد بأكثر من 20 % عن متوسط الوفيات في كل البلاد.
اضافة لذلك تظهر الصورة العامة شرخا غير مسبوق في الحياة السياسية الاميركية، وكل ذلك بشكل مباشر او غير مباشر يعود الى شخضية دونالد ترامب الذي و من المؤكد سيلعب الدور الاساسي في انهاء الحلم الامريكي في حال بقائه في السلطة، وفي اقل تقدير، سيترك الولايات المتحدة في حالة فوضى اجتماعية وسياسية ودستورية ستمتد حتى سنوات قادمة.