المشهد اليمني الأول/
لا تزال ناقلة النفط الإيرانية الخامسة «كلافيل» في طريقها إلى فنزويلا، فيما وصلت ناقلة «فاكسون» إلى الموانئ الفنزويلية أمس، وفق ما أعلنته القوات البحرية الفنزويلية وهي الرابعة من مجموعة الناقلات الإيرانية الخمس التي تنقل الوقود إلى فنزويلا.
وكانت الناقلة الثالثة «بيتونيا» قد رست في ميناء فنزويليّ أول أمس الخميس، بينما يستمر تفريغ شحنة الناقلتين الأولى والثانية.
وبالرغم من تحذيرات واشنطن لإيران وفنزويلا، إلا أنّ الناقلات الإيرانيّة الخمس، لم تواجه أي اعتراض من قبل السفن الأمريكيّة، فشدة الفعل تساوي شدة ردة الفعل، والضغط الأمريكي يقوّي بشكل موضوعي الموقف الإيراني ولأمريكا يد في تصاعد قوة إيران في المنطقة والعالم، إذ لم يعد هناك شك في قدرة إيران على دعم حلفائها ليس في المنطقة وحسب، بل في أيّ مكان في العالم بعد كسرها الحصار وإرسال سفن الوقود الى فنزويلا ومواجهة التهديدات الأمريكية.
وبالتالي فإنّ الجمهورية الإيرانية تتبع بهذه الخطوة استراتيجية «المواجهة والتحدّي»، وبكسرها الحصار فرضت قواعد جديدة أو غيرت من قواعد الاشتباك مظهرة بذلك أنه بإمكانها فرض السيطرة على مضيق هرمز كما وعدت سابقاً..
واليوم وبعد عبور سفينتها رافعة العلم الإيراني من هذا المضيق المائي الهام أكدت أن أقوالها أفعال، وكذلك عبورها بتحدّ من باب المندب والبحر المتوسط وجبل طارق باتجاه فنزويلا.
وبالتالي عبرت هذه السفن في صفحة جديدة من العلاقات الدولية وليس فقط عبور البحار، فبعد فشل الإدارة الأمريكية في مواجهة فيروس كورونا داخلياً وخارجياً وفي ظل مبدأ ترامب القائم على «الانسحاب» وفق صيغة «أميركا أولاً» فقدت بلاده قوتها على المستوى الدولي في الكثير من المجالات وفتحت الكثير من الثغرات التي وجدت مَن يملؤها ويفرض وجوده متجاوزاً العقوبات وما تلوّح به تلك الإدارة الأميركية من تحذيرات في محاولة للحفاظ على مكانتها عبر مهاجمة وغزو الدول الأخرى، لكنها فشلت، بظهور لاعبين جدد على الساحة الدولية..
ورسو السفن الإيرانية في ما تعتبره الولايات المتحدة «مزرعتها الخلفية» يؤكد تجاوز إيران مرحلة التحدي ومواجهة الولايات المتحدة، بالرغم مما فرضته الإدارة الأمريكية من عقوبات ضدّ الجمهورية الإيرانية، لكنها أثبتت فشل تلك السياسة القائمة على الضغط الاقتصادي والمالي، فأظهرت تقدّم إيران في المجالات العلمية والتكنولوجية والعسكرية وحتى السياسية.. مقابل عجز أمريكا عن إيقاف تنامي القدرات الإيرانية.
فإيران التي كانت تستورد المُشتقات النفطية لتغطية حاجاتها المحلية من البنزين والديزل باتت تُصدرها إلى الخارج، بعد أن بنَت 11 مصفاة جديدة عام 2018 مُحققة بذلك الاكتفاء الذّاتي..
ولا نبالغ إن قلنا بأنّ منطق أميركا القائم على خرق القوانين الدولية وتسخيرها وفقاً لمصالحها قد سقط مرة تلو الأخرى مع كل قرار اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتفرض الدول التي رفضت ذلك المنطق الأميركي مقابله معادلات جديدة من ضمنها إثبات الدعم الإيراني لحلفائه بالقول والفعل..
والصمت الأمريكي كان لافتاً مع عبور الناقلات الإيرانية ووصولها إلى الموانئ الفنزويلية ولم تصل فقط تلك الناقلات إنما وصلت معها أذرع محور المقاومة إلى القارة الأميركية ورست وسط الحديقة الخلفية للولايات المتحدة في رسالة واضحة للإدارة الأميركية بأن سيادة الدول تحكم وتمتدّ بحكمها نحو تأصيل وتجذّر مبدأ السيادة والتكاتف الدولي في مواجهة الظلم والطغيان..
وتجدر الإشارة إلى أن ناقلات النفط الإيرانيّة تحمل قطع غيار وخُبراء لإصلاح المصافي الفنزويلية لكي تعود إلى العمل بعد أشهر من التوقّف، ولا تقتصر حمولتها على المشتقّات النفطيّة فقط لهذا البلد الحليف المُحاصر الذي وقف موقفاً قوياً بدعم إيران في وقتٍ خذلها الجميع، في ذروة الحصار الأميركي عليها. وطار الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز إلى طهران عام 2008 حاملاً معه قطع غيار للمصافي الإيرانيّة، وها هي إيران تَردُّ الجميل..
وبالتالي الرسالة قويّة قد وصلت إلى ترامب وإدارته تترجم بنتائج عكسية لحصار أميركي تآكل مع الإرادة القوية للدول التي ترفض الانصياع والارتهان للإدارة الأميركية.
إنّه تغيير كبير في قواعد الاشتِباك بين إيران والولايات المتحدة، بعد أن لاحت هزيمة ترامب في عقر داره ترافق مع التحدي الإيراني تشكيك الرأي العام الأمريكي بتغريدات ترامب ومصداقيته ووصفه بـ»العنصري» وتشبيهه بـ»النازية» بعد سلسلة سياسات وتغريدات خاطئة قام بها ترامب في محاولات فاشلة للإدارة.
فعلى سبيل المثال بدلاً من إدارة الأزمة الصحية التي ولدتها جائحة كورونا راح يرمي الأخطاء على بكين ويحملها ذنب الفيروس، وبدلاً من تهدئة المحتجين الذين ثاروا على مقتل الأمريكي «الأسود» تحت أقدام ذاك «الأبيض» وصفهم بـ»قطاع الطرق» مما دفع إدارة «تويتر» لوصف تغريدته بـ»تمجيد العنف» من دون حذفها.
وبدلاً من أن يجد حلاً للأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بعد شهور من الإغلاق العام بسبب كورونا هدّد منظمة الصحة العالمية بـ»الانسحاب وإيقاف تمويلها»، باحثاً عن موارد جديدة للتمويل ودرّ الأموال في الخزينة الأمريكية عبر صفقات أسلحة مشبوهة مع السعودية رغم رفض الكونغرس لتمريرها.
بالإضافة إلى تلك الصفقات لا ننسى فرض العقوبات على إيران وروسيا والصين وقانون «قيصر» على سورية ومن يتعامل معها ليس ببعيد من دخوله حيّز التنفيذ جميع تلك القرارات البائسة لا تدل إلا على بؤس متخذها وما فعلته طهران هو كسر لتلك الاستراتيجيّة الأميركيّة وإظهار قوة الدول وسيادتها في مواجهة العقوبات الأميركيّة..
في المحصلة، يبدو أنّ هناك «وهماً» أمريكياً ناتجاً عن إدراك بأن «كورونا» بات عامل ردع ضدّ الحروب عليها وعلى الآخرين ولمست الإدارة الأمريكية هذا الرّدع في العراق، ومنها تولّدت نظرية تشديد الحروب المالية لأن الرّد عليها كان بالاستدراج للمواجهات في الميدان، حيث الخسارة الأميركية «شبه حتمية»..
ومع تراجع فرص هذا الاستدراج ذهب المدير الأميركي نحو التصعيد المالي.
وفي هذا السياق تندرج العقوبات المالية ضدّ لبنان وقانون «قيصر» ضدّ سورية، فجاءت الخطوة الإيرانية المفاجئة إلى حدود الدهشة بإرسال ناقلات نفط إلى فنزويلا لتقلب الطاولة.. فهذه المرة قامت إيران بخطوة مالية والأميركان لا يستطيعون تعطيلها إلا «عسكرياً»!..
وبما أن الرّدع قائم ضدّ مشروعية الحروب بقوة الرأي العام في زمن «كورونا» بالتالي فإنّ إيران لم تربح جولة فقط بل ربحت «وصفة» قابلة للتكرار بمواجهة الحرب المالية لتمهّد بذلك الطريق نحو استراتيجية جديدة قائمة على «التشبيك» والمبادلات العينية كردّ على الحروب المالية ..
_______
سماهر الخطيب