المشهد اليمني الأول/
قبل أكثر من خمس سنوات بدأت السعودية والإمارات تحالفًا عسكريًا عدوانيًا على اليمن، بذريعة حماية الحكومة المعترف بها دوليًا بقيادة عبد ربه منصور هادي، الذي انتهت فترة رئاسته بناء على المبادرة الخليجية فعليًا قبل العدوان بثلاث سنوات، وانتهت معها فترة التمديد بسنة عبر مؤتمر الحوار الوطني، لكن مع ذلك انطلق هذا التحالف تحت ذلك العنوان المضلل والمخادع.
في النصف الثاني من عام 2015 دخلت قوات الغزو السعودي – الاماراتي عدن واحتلتها مدعومة بعناصر “القاعدة” و”داعش” والقوى التكفيرية التي خسرت بتقدم الجيش واللجان الشعبية حينها، لتعدو تحت أجنحة طيران الرياض وابوظبي وعلى ظهر مدرعاتها الى عدن ولحج وأبين وغيرها من المناطق.
وبالرغم من اعلان عدن من قبل حكومة هادي عاصمة مؤقتة بعد عجزهم واستحالة عودتهم الى صنعاء، إلا أنه لم يستطع البقاء فيها كمدينة محررة حسب تعبيرهم الا لفترة محدودة، والسبب حينها عدم استفزاز أبناء الجنوب واستمالتهم للقتال الى جانب تحالف العدوان وتجنيد شبابها وارسالهم لحماية السعودية في نجران وجيزان وعسير، فكان لا بد من منع هادي إظهار رغبة من التحالف بمنح الجنوب دولته المستقلة بعيدًا عن دولة الوحدة، وهي الطريقة التي تسببت في تجنيد الآلاف من أبناء المناطق المحتلة وزجهم في محارق الحدود الجنوبية السعودية.
وبمضي الوقت كانت الامارات تبلور رؤيتها وتنشئ مليشياتها وترسخ نفوذها في عدن والمناطق المحتلة في لحج والضالع وأبين وسقطرى، على حساب سيادة اليمن واستقلاله وعلى حساب الشرعية المزعومة، وأبعد من ذلك، على حساب حليفتها الرياض أيضًا، وفي السنوات الأولى للاحتلال الاماراتي كانت قواتها الغازية قد وصلت الى شبوة وحضرموت والمهرة قبل ان تتدخل الرياض وتخرجها منها في وقت لاحق.
من خلال مجريات الأحداث على الأرض في المناطق المحتلة، يبدو أن شعار اعادة الشرعية بات وراء ظهر أبو ظبي، في حين لا تزال الرياض تتمسك به كثوب يستر أهدافها الحقيقة في اليمن.
وهنا يبدأ التساؤل حول مدى تدهور وتفكك التحالف بقيادة السعودية، والذي بدأ مع انطلاق العدوان على اليمن، بخروج عدد من أعضائه تباعًا، بداية بباكستان، مرورًا بقطر، والمغرب، بالإضافة الى تضاؤل الدور المصري والأردني، واليوم نصل الى شقاق خفي بين الطرفين الرئيسيين: السعودية والامارات.
صحيح أن الامارات ومسؤوليها لا يزالون يعلنون وقوفهم الى جانب السعودية، وليس الى جانب الحكومة المعترف بها دوليًا، الا أن ما يقال شيء وما نراه في الواقع شيء آخر، فالصدام المحتدم في عدن بين أدوات الامارات من جهة وأدوات السعودية من جهة ثانية، لا يدع مجالًا للشك ان تحالف المحمدين وصل الى نهايته، وما رأيناه من اتفاق الرياض وعدم تنفيذه الى اليوم وتبادل الاتهامات بالتلكؤ والمماطلة بين الأدوات المحلية ما هو الا ترجمة عملية لهذا الشقاق، فالرياض التي احتفلت بإنجاز الاتفاق في حينه وسوقت له كانتصار لجهودها في التقريب بين اليمنيين، ومحاولة استخدامه لإظهار قدرتها على احتضان ورعاية اتفاق يمني شامل ينهي مرحلة الحرب ويؤسس لعملية سياسية بين اليمنيين، وتحت رعاية الرياض، ها هو يتلقى ضربة قوية بإعلان الإدارة الذاتية في المناطق الجنوبية المحتلة من قبل المجلس الانتقالي المدعوم من الامارات.
ان إعلان الامارات عن سحب قواتها من اليمن وتخفيضها بشكل واضح، كان من الممكن أن يفتح الباب أمام استحواذ السعودية وحلفائها على إدارة الامن في المناطق المحتلة بشكل منفرد يؤمن لها نفوذًا كاملًا هناك، وهو الأمر الذي لم يحدث بسبب أن الإمارات ذهبت الى تلك الخطوة بعد ان رتبت وضعها وادواتها على الأرض، حتى انها استخدمت القوة العسكرية والغارات الجوية لوقف تقدم قوات مدعومة من الرياض للسيطرة على عدن، ورسمت بذلك حدود النفوذ بينها هي ومرتزقتها من جهة، وبين الرياض ومرتزقتها من جهة ثانية، وفي تلك الخلفية تزايدت التحذيرات المبطنة بين الطرفين، حتى طبخ اتفاق الرياض، ليتأجل الصراع والاقتتال دون إنهاء الخلاف، والدليل هو ما نراه اليوم من معارك في أبين وسقطرى.
الصراع في الجنوب المحتل يلقي بظلال قاتمة ويؤخر الحلول السياسية ويعقدها، بما يؤكد ان قوى العدوان السعودية والامارات غير جاهزة ولا جادة في الوصول الى وقف كامل لعدوانها ولا رفع حصارها، وان هدنتها المزعومة ما هي إلا ذر للرماد في العيون، مع دخول العالم في المواجهة ضد كورونا.
يبقى من نافلة القول ان الاحداث الأخيرة تكشف الأهداف الحقيقة والاجندة الخفية والمتناقضة والمتضاربة لكل من السعودية والامارات وادواتهما المحلية، ضدا لمصالح الشعب اليمني وسيادة دولته واستقرارها ووحدتها، وان صمود الشعب لخمسة أعوام مضت ، كما افضى الى تفكك تحالف العدان، فإنه قد أسس لعوامل الانتصار القريب بإذن الله.
________
علي الدرواني