المشهد اليمني الأول/
في ديسمبر الماضي، عبرت طالبة سعودية عن ذلك بالقول: “في يوم من الأيام لم يكن هناك شيء، وفي اليوم التالي كان هناك كل شيء”، واصفة كيف شعرت مع مشاهدة بلدها فجأة ترحب بنجوم موسيقى الراب العالمية وأبطال المصارعة، والسماح للنساء بقيادة السيارات، وفتح دور السينما، والسماح بالمقاهي المختلطة بين الجنسين، وغيرها من الأمور التي لم يكن من الممكن تصورها في الأعوام القليلة الماضية فقط.
المزيد من الصدمات
ولم يأت فقط تفشي فيروس “كورونا” ليعيد تعريف الحياة اليومية للسعوديين، بل تحرم أسعار النفط المنخفضة المملكة من الثروة الهائلة التي كانت مضمونة في السابق.
وتهدد الضربتان المزدوجتان بتدمير الأجندة الاجتماعية والاقتصادية الشاملة لولي العهد “محمد بن سلمان”، وقد قلصت تلك الأزمات بالفعل دولة الرفاهية الواسعة التي منحت معظم السعوديين الحياة بشكل مريح.
وكان “بن سلمان” الحاكم الفعلي للمملكة، قد اعترف بأن المملكة لا يمكنها الاستمرار في العيش من عائدات النفط إلى الأبد.
وإلى جانب الإصلاحات الاجتماعية، تحدث عن خطوات لتنويع الاقتصاد السعودي من خلال بناء قطاع السياحة والترفيه، وإنشاء مدينة جديدة مستقبلية تسمى “نيوم”، في إطار مخطط كبير أطلق عليه “رؤية 2030”.
رؤية 2030 تنتهي
ولكن مع إلغاء السياحة، وتوقف الحفلات الموسيقية، وانهيار أسعار النفط، تواجه المملكة مستقبلا مختلفا تماما عن المستقبل الذي وعد به ولي العهد.
وقال “مايكل ستيفنز”، محلل شؤون الشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن: “أعتقد أن رؤية 2030 انتهت إلى حد ما”.
وأضاف “ستيفنز” أن السعودية تواجه “أصعب الأوقات التي مرت بها، وبالتأكيد أصعب فترة في حكم بن سلمان”.
ولم يعط ولي العهد أي إشارة إلى التراجع عن أي خطط محددة، وقال وزير المالية “محمد الجدعان” لـ “بلومبرج” إن المشاريع مثل “نيوم” ستتأخر فقط.
ومع ذلك، اعتاد السعوديون منذ فترة طويلة على الدعم السخي للوقود والكهرباء، والعمل في الوظائف الحكومية المريحة، والتعليم المجاني، والرعاية الصحية المجانية، لكن تلك الخدمات أصبحت أضيق مما كانت عليه في الأجيال السابقة، ما يعيد كتابة العلاقة بين السعوديين وحكامهم.
وأعلنت الحكومة، الإثنين، أنها ستضاعف ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات في البلاد 3 مرات، من 5 إلى 15%، وإلغاء بدل تكلفة المعيشة، الذي كانت الدولة تدفعه شهريا لموظفي الدولة، ومراجعة المزايا المالية الأخرى التي يحصل عليها الموظفون والمقاولون.
رفاهية ستنتهي
وقالت “كريستين سميث ديوان”، المحللة في معهد دول الخليج في واشنطن: “قد لا تستمر الكثير من الأشياء المجانية في أن تكون مجانية بعد الآن. إنه اختبار للقومية الجديدة”، وستكون الرسالة مفادها: “أنت جزء من هذه الأمة، ويجب عليك المساهمة لأجل الأمة”.
وقالت “كارين يونج”، الزميلة بمعهد دول الخليج في واشنطن، إن أسعار النفط الحالية ومستويات الإنفاق الحكومي الحالية، تعني نفاد الأموال السعودية في غضون 3 إلى 5 أعوام، ما سيجبرها على تحمل ديون إضافية.
وقال المحللون إنه إذا استمرت الاستثمارات والإنفاق الباهظ على الحفلات الموسيقية، فإن المملكة تخاطر بتذمر الجمهور، ولكن ربما لا يزيد الأمر على ذلك.
ولم تتردد السعودية في إنفاق مبالغ كبيرة على الإعانات والعلاوات عند الحاجة للدعم المحلي، في نفس الوقت الذي تستخدم فيه القوة لقمع المعارضة.
ويبقى العديد من السعوديين ممتنين للمزايا السخية التي حصلوا عليها، وقال المحلل السعودي “الشهابي” إن “الاضطرابات الإقليمية في العقد الماضي علمت السعوديين أن لديهم الكثير مما لا يجده غيرهم”.
المصدر : نيويورك تايمز